تابعت ملايين الأسر العربية والخليجية ممن يأسرهم جمال القصيدة النبطية بكلماتها العذبة وأسلوبها السهل الممتنع، تابعوا حلقات شاعر المليون بشغف ولا أجانب الحقيقة إذا قلت بانه البرنامج الوحيد الذي حرصت على متابعة كل حلقاته إذ وجدته محفلاً شعرياً رائعاً حمل بين طياته عبق الأصالة وسحر الكلمة في اطار من السمو الأخلاقي بعيدا عن الاسفاف والابتذال، وما كان يعكر صفو متعتي سوى بعض التعقيبات من احد اعضاء لجنة التحكيم الذي لم أر فيه من الانصاف ما يجعله اهلا لأن يكون عضوا محكما. كنت اسعد حين اسمع ان هنالك مجموعات من الشباب يحرصون على متابعة فعاليات شاعر المليون فمن وجهة نظري غير الملزمة ان ذلك ظاهرة صحية لها دورها في تنمية الذوق الرفيع والاحساس بمواطن الجمال في اللغة الشعرية النبطية فالقصيدة المؤثرة تعمل في النفس ما يعجز عنه كثير من المربين متى كانت وعاء لمعان وأخلاقيات وممارسات اسلامية فاضلة (وكل ما جاء به الاسلام فهو بلا شك فاضل لا مفضول) لقد ابدع الشعراء في اختيار موضوعاتهم من بر للوالدين الى شروط الصحبة الحسنة الى الفخر بالدين والوطن ومن خلال المتابعة لم نلحظ وجودا لتعصب قبلي او قطري باستثناء ما يبدر من حين لآخر من بعض الكلمات المستهجنة التي كانت تؤذي السامعين حين ينهي الشاعر قصيدته ويخضع لمشرط النقد ممن لا يعرف للشعر صنعة ولا يتقن للنقد فناً فالنقد ان لم يضف فلا داعي له ومع كل ما رافق الحلقات من جماليات الا ان العبر بالخواتيم دائما فقد آلمتني نتائج الحلقة الأخيرة مثلما آلمت الكثير غيري ليس فقط في المملكة ولكن في كل مكان يقدر للشعر جماله ويؤمن بانه ديوان العرب الذي حفظت به اللغة وعلوم الانساب واخبار السلف الصالح من الأمة ولذلك كنا جميعا نتمنى ان يختتم المحفل كما كان ينبغي لا كما رسم له، حتى تبقى نكهته وعبيره ونبقى ننتظر جولاته القادمة بنفس الاندفاع وبنفس التقدير والثقة بالمعايير المتخذة حتى لا يكون الا ما يجب ان يكون ولو كان هذا المعيار ماثلا على أرض الواقع لأصبحنا مسلمين وعربا في مصاف الدول المتقدمة ليس في ميدان الشعر ولكن في كل ميدان. لقد خرج ابنا وطني ناصر الفراعنة وعيضة السفياني من الحلقة بدون البيرق ذي اللون الأحمر، لقد كان كل منهما وبدون محاباة يستحقه ليضاف الى بيرقه الأخضر الخفاق وبيرق نفسه الأبيض، وما كنا نتوقع ان يخرج عن احدهما ولكن لا بأس عليهما فما حققه كل منهما يفوق البيرق الأحمر، لقد اعطيا الكلمة حقها وأخرج ناصر الفراعنة القصيدة النبطية من اطارها المعهود وحلق بها في فضاءات من الشعر غير مأهولة لقد أبدع وأبدع وأحسن الصنعة والمعنى فلله دره، ولا ينقص هذا من شاعرية عيضة الذي بحق اعتبره لسان الواعظ الشاعر، ومن أين لنا بواعظ يصوغ الأحكام والمعاني في أبيات يرددها العاقل والجاهل دون عناء، إنها الحرفة الشعرية. لقد زها بهما وبالبقية من ابناء بلدي شاطئ الراحة وبهما شمخت هاماتنا لم لا وقد أثبتا ان الإبداع الشعري في بلادنا نبع نابض بالحياة ومولود متجدد العمر ذكي الرائحة جزل المعاني. لقد كان يعني لنا فوزهما أو أحدهما كحد أدنى نزاهة المعيار والحياد في اخراج النتائج النهائية، لا سيما مع ماكان يتمتع به ناصر وعيضة من قدرات شعرية فذة كما اشرت واعتذر ان كنت كررت ذلك ولكن الموقف يستحق ولنا ان نتساءل. ما الذي حصل؟ لقد حصد ناصر الفراعنة على مدى حلقات البرنامج اعلى الدرجات وكان فرس الرهان باعتراف لجنة التحكيم بانه اجتاز ما يمكن ان يقال (ما فيك حيلة ياناصر). لم يضن عليه جمهور الحضور بالدرجات ارتفعت له الايدي مصفقة ووقفت له القامات اكبارا دليلا واضحا على وعي الشعب الاماراتي وعشقهم للطرب الشعري الأصيل لقد اعطى الجمهور بوعي ونزاهة بعيدا عن التعصب المقيت. لقد كان ناصر قاب قوسين او ادنى من البيرق فمن اين جاء الخلل؟ ألم ينل أعلى درجات التحكيم وأعلى درجات جمهور الحضور؟ هل كان هنالك فائز محدد من قبل النهاية؟ نتمنى ألا يكون ذلك ولكن حسن الظن يجب الا يحجب الحقيقة ولنا ان نستفسر. هل كان التقصير منا كشعب لم يقف مع ابنائه؟ ربما ولا نجزم. لماذا خفتت رسائل المصوتين لعيضة وهي على مدى الحلقات ركن آمن متكيء عليه؟ هل من المعقول ألا تؤثر نسبة التصويت الخارجي لناصر الا بفارق نقطتين لتصل به الى 48مع ان درجات التحكيم 46؟ لا اكتفي بعلامة استفهام واحدة وإنما بعدد لا محصور . اعدادنا كشعب واحد تفوق اعداد دول الأعضاء المشاركين مجتمعة وقدرتنا المالية ليست الاسوأ ان لم تكن الافضل حتى تكون سببا في عدم اعطاء اصواتنا وترشيحاتنا استبعد هذا ولا شيء مستحيل وبالتأكيد اتمنى أن كان هذا السبب الا يكون ذلك مؤشرا لمفهوم الوطنية لدينا او انبعاث لنتن القبلية المقيتة التي وضعها الدين وابطلتها حقوق المواطنة ولا يعني هذا انتقاص لاصول القبلية وانما لكل قبيلة مفاخرها واصولها ولكننا نرفض ان تكون معيارا للتفاضل بيننا. لقد وقف الشعب اليمني بكامل عدده مشجعا ومناصرا لابنه ولا اخال قطريا لم يصوت بل ويعيد التصويت تكرارا ولا يعني هذا انتقاصا لشاعريتهما فقد اتحفا اسماعنا بما جادا من الشعر ولكن الشمس لا يحجبها غربال فقد كان لابنينا بصمة لا تضاهيها بصمة وشذى يصعب على من استنشق عبقه ان يرضى بما هو دونه، ولا ابالغ بان خروجهما مرفوعي الرأس بابداعهم مخذولين بمناصرتنا لهم ان كان هذا ما حصل فعلا له دلالات يجب ان تؤخذ بعين من حيث اذكاء روح الوطنية والدور المؤسسي والاعلامي وعلى وجه الخصوص وزارة الاعلام وشركة الاتصالات السعودية وما يجب ان تبادر به تعبيرا عن حسن مواطنتها والشد من أزر مواطنيها وتعديل مسار تفكير الشباب واهتماماتهم، الكل يعرف وللأسف ان أرقام ابنائنا تنثال بسخاء على برامج اقل ما يقال عنها امتهان للفكر وغسيل للأدمغة من كل ماهو صالح ومفيد وتنظيف للجيب لا تملك من المقومات سوي ضيق البنطال وعري الصدر ومع بالغ الاسف نجد اشرطة القنوات الفضائية الساقطة اصدق شاهد. تمنيت ان يرتقي اولئك الشباب ليعطوا في مكان العطاء مثلما اعطوا في برامج كان الأجدر بنا جميعا مقاطعتها مثل سوبر ستار وستار اكاديمي، وما شابههما من البرامج التي لها دور تدميري على الناشئة والشباب. اخيرا اتمنى أن يلقى أبناؤنا من الرعاية والتوجيه والاحتواء ما يهذب وجدانهم ويرتقي بسلوكياتهم ويشجعهم على ما نفعه ظاهر وباطن (ولأن يقضي أبناؤنا سويعات يقرضون فيها لشعر ويتذقون شهده لا سيما وهو من احدى وسائل تهذيب الوجدان والذب عن الدين واذكاء روح الوطنية خير وأحب من ان يمضوا الليالي فيما يعد كبيرة يقترفها السمع والبصر إن لم يتلوث بها سائر الجسد ويسود بها القلب). وفي الختام نعود لشاعرينا شاعري الملايين ناصر الفراعنة وعيضة السفياني لنهديكما تحية من علم بلادكما تسبقكما الى أرض الوطن واعزاز واكبار لما قدمتماه واعتذار يشوبه الخجل عن تقاعسنا، لا يرفع هذا الحرج سوى معرفة الحقيقة فأنتما الأفضل والأجدر ولا أخالكما تضامان مع ولاة الأمر بما عرف عنهم من تقدير وتشجيع لكل من هو جيد ومجيد.