@@ أكثر القراء - القليلين! - الذين سيطلعون على هذه المقالة يريدون قراءة ما يتعلق بالجوانب السلبية، فهناك ملل عام "طبيعي" جراء كثرة الإشادات بالنجاحات والجوانب الإيجابية، وأرجو من الإخوة المتعجلين الانتظار حتى الجزء الثاني من المقالة! @@ لدى المملكة من المقومات الطبيعية والإمكانيات الاقتصادية ومن الاستقرار السياسي والاجتماعي ما يمكن أن يسهم في حل الكثير من الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية وبخاصة في ظل الارتفاع القياسي والمستمر منذ أربع سنوات لأسعار النفط وإنتاجنا منه، يضاف إلى ذلك التوجه الجاد والملموس للقيادة المعلن مرارا وتكرارا بكل صراحة ووضوح نحو الإصلاح الشامل، ومع وجود تلك الإمكانيات والتوجهات فإننا يجب أن نشعر جميعا بالأسى حين نخفق - أو حتى نتأخر بلا مبرر- في التعامل مع هذه المشكلة أو تلك.. وفي مسيرتنا الإصلاحية خلال السنوات الماضية نجحنا في جوانب وأخفقنا في أخرى، وسوف أستعرض أمثلة لهذه وتلك مع التركيز على الإصلاح الاقتصادي - وما يؤثر عليه بصورة كبيرة مثل القضاء والتعليم -. ولدي معيار رئيسي لقياس النجاح والفشل هو التقارير الدولية "المحايدة" التي تقارن أداء الدول المختلفة في جوانب مختلفة، وقد أتاحت لي ظروف عملي الإطلاع والمتابعة والتحليل لمعظم التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية للمقارنة بين الدول في عدة جوانب وبخاصة ذات العلاقة بالاقتصاد، والتي قد تنقصها الدقة أحيانا كما قد تنقصها الموضوعية، لكن تلك التقارير تبقى الوسيلة الأفضل - بل والوحيدة - لقياس وتقييم الأداء والمقارنة بين الدول، وعلى سبيل المثال فإننا جميعا نلمس العديد من الإشكاليات في البيئة القضائية والقانونية في المملكة ونتيجة لذلك احتلينا للأسف الشديد المركز 132بين دول العالم فيما يتعلق بحماية العقود في تقرير أداء الأعمال 2008الصادر عن البنك الدولي بعد أن كنا في المركز 120في تقرير 2007.@@ كم أفخر وأعتز وأسر بأن تحتل بلادي المملكة العربية السعودية مركزا متقدما عالميا - أو على الأقل عربيا - في هذا الجانب أو ذاك وفقا لتقرير دولي محايد لإحدى المنظمات الدولية العريقة. من ذلك مثلا حصول المملكة على المركز الثالث على مستوى العالم فيما يتعلق باستقرار الاقتصاد الكلي، وذلك في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر قبل شهرين والذي دخلته المملكة للمرة الأولى هذا العام. وفي تقرير أداء الأعمال الذي صدر في 26سبتمبر 2007عن مؤسسة التمويل الدولية IFC التابعة للبنك الدولي حصلت المملكة على المركز الثالث على مستوى العالم من حيث سهولة وانخفاض تكاليف تسجيل الملكية، والسادس عالميا في مؤشر الضرائب كما ساهم أيضاً تسهيل إجراءات بدء النشاط التجاري، في تحسن كبير في تصنيف المملكة وفقا لمؤشر بدء الأعمال وكذلك كان للإصلاحات التي قامت بها (هيئة السوق المالية) أثراً كبيراً على تحسين ترتيب المملكة في تقرير أداء الأعمال ومن أهم تلك الإصلاحات إصدار نظام حوكمة الشركات وحقوق المستثمرين، حيث تساعد هذه الأنظمة على إضفاء المزيد من الشفافية. @@ أعود لعنوان المقالة وأقول ان مسيرة الإصلاح المباركة نجحت والحمد لله خلال السنوات الأخيرة - بتوجيه ومتابعة و"حب" من ملك الإصلاح الملك الصالح عبدالله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله - في العديد من الأمور ومنها الاستفادة السريعة من ارتفاع أسعار النفط في إعطاء أولوية لخفض الدين العام الذي اقترب في فترة سابقة لما يوازي الناتج المحلي الإجمالي منذرا بانهيار اقتصادي شامل لكنه اليوم هو دين داخلي ويمثل نسبة بسيطة من الناتج المحلي الإجمالي الذي ارتفع بمعدلات جيدة، وهذا بحد ذاته إنجاز تأريخي لمسيرة الإصلاح. ونجحت مسيرة الإصلاح في تحسين البيئة الاستثمارية وبيئة أداء الأعمال حتى أصبحت المملكة وفقا لتقارير دولية محايدة أفضل بيئة للممارسة الأعمال في الشرق الأوسط وفي المركز الثالث والعشرين عالميا بعد أن كانت قبل ثلاث سنوات في المركز السابع والستين، كما نجحت هذه المسيرة في جانب التنظيم الإداري الذي يقوده ويتابعه شخصيا سمو ولي العهد الأمين وإصدار عشرات الأنظمة والقرارات الهامة لترتيب العديد من الجوانب، وكذلك تخصيص مبالغ ضخمة لتطوير التعليم والقضاء ولصندوق مكافحة الفقر. ومن الجوانب الإيجابية وجود بوادر لتفعيل دور مجلس الشورى ودوره الرقابي في الشأن الاقتصادي وهناك حاجة لمزيد من السرعة في هذا الجانب وفي كل ما يتعلق بالمشاركة الشعبية ومن ذلك السماح بل دعم تأسيس العديد من الجمعيات الأهلية ومنها على سبيل المثال جمعيات حماية المستهلك والتي توجد بالآلاف في الدول المتطورة، ومن غير المعقول أن تبقى بلادنا خالية منها بينما توجد العديد من الجهات والظروف التي تخدم وتحمي التاجر!. ونجحت مسيرة الإصلاح في إتمام انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية بعد سنوات طويلة من المفاوضات حتى تم إتمام متطلبات المنظمة، وفي فتح عدد من القطاعات أما المستثمرين مثل الاتصالات والطيران والتأمين والقطاع المالي والتي شهدت إقبالا من قبل أكبر الشركات العالمية العاملة في كل قطاع مما يؤكد تحسن البيئة الاستثمارية في المملكة، وفي إطلاق المدن الاقتصادية الكبرى في مناطق لم يكن المستثمرون يفكرون ذات يوم في التوجه لها وبقي أن تدعم كافة الجهات الحكومية هذه التجربة حتى تحقق أهدافها وأهمها تفعيل دور القطاع الخاص في تحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة. كما امتلكت مسيرة الإصلاح الشجاعة الكافية للاعتراف لأول مرة بوجود مشكلة الفقر وعدم تلقي بعض المناطق نصيبها من التنمية ولاشك أن الاعتراف بالمشكلة بحد ذاته هو المدخل لحلها وهناك "بدايات" جيدة للحل يرجئ تسريعها وتفعيلها، وتم تأسيس ودعم صندوق الموارد البشرية للتعامل مع مشكلة البطالة والذي بدوره يحتاج أن يكون أكثر فاعلية في الأداء إذ إن مخصصات الصندوق تزيد بينما البطالة - للأسف - تزداد!!. وللحديث زيادة.. @ باحث استثمار