اطلعت على ما كتبه أ. حمود بن متعب بن عفيصان في مقاله الذي سماه " تاريخ المدينة آراء ومراجعات" في هذه الصفحة بتاريخ 1427/8/22ه، وقد تضمن المقال الآتي: 1) إنكار الكاتب لإمارة الشيخ مسعود ابن مضيان على المدينة في عهد الدولة السعودية الأولى، وادعاء الكاتب أن فائز بن موسى الحربي قد روج لذلك واستند إلى الجبرتي وبوركهارت ومن نقلوا عنهما ليعطي هذه المعلومة الحقيقة التاريخية. 2) تحدث عن دور جده ابراهيم ابن عفيصان رحمه الله في الدفاع عن المدينة وأشار إلى إمارته على المدينة استنادا إلى ما فهمه من إحدى الوثائق. 3) تضمن المقال فيما تضمن بعض العبارات التي كنت أتمنى خلوه منها كقوله بأن الحربي يريد أن يعين أقاربه أمراء على المدينةالمنورة رغم أنف التاريخ، وكقوله شيخ قبيلة الباحث فايز الحربي الذي نصبه أميرا على المدينة. وكقوله عن ابن بشر مؤرخ من أبناء الجزيرة وهو أقرب من غيره ممن يكتبون من مصر، أو مستشرق لا نعلم مصداقية المعلومات التي أوردها أو ممن استقاها. وهو بعبارته الأخيرة يعرض بالعلامة المؤرخ الجبرتي، وبالمستشرق بوركهاردت، ونسي الكاتب أن الجبرتي معاصر للأحداث وأن مصر هي الطرف الثاني فيها فضلا عما هو معروف من علاقة الجبرتي بكبار الدولة في مصر وعن علاقته بالشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ الذي عاصر هذه الأحداث، وكتب عنها مقامات مطبوعة، والشيخ عبدالرحمن آل الشيخ له تتلمذ وإجازة من الشيخ العلامة المؤرخ الجبرتي، كما هو معروف. كما أن بوركهاردت معاصر للحدث أيضا وزار المدينة ومكث فيها زمن تلك الحوادث ويكفي اعتناء الكثير من المؤرخين بكتابيه ومنهم الدكتور عبدالله العثيمين. والغريب أن الكاتب يستشهد في مقاله بمستشرق آخر هو مانجان وينقل عن كتاب العسكرية السعودية الذي جل مصادره مصرية وكتابات مستشرقين. وسأقف مع الكاتب وقفات آمل أن يكون فيها ما يفيد، جعلتها في بندين هما كالآتي: أولاً إمارة ابن مضيان على المدينة في المصادر والمراجع التاريخية: 1) ذكر أ. فائز بن موسى البدراني في كتابه "بعض الأعيان وأعلام القبائل في وثائق المحكمة الشرعية بالمدينةالمنورة خلال العهد العثماني" ط1، ص 175، مسعود بن مضيان الظاهري (الأمير)، فقال: "ورد اسمه ووصفه (يعني وصفه بالأمير) في وثيقة ولاية شرعية في محكمة المدينةالمنورة بتاريخ 1224/5/28ه." (سجل 135، وثيقة رقم23، ورقة2) قلت: من اطلع على الوثائق المنشورة في هذا الكتاب وغيرها من وثائق محكمة المدينة، يجد أن شيخ حرب لا يوصف بالأمير بل يوصف بشيخ عرب حرب، شيخ العرب، شيخ عربان بني حرب، شيخ العربان، شيخ مشايخ عربان حرب، وما إلى ذلك. كما أن مسعود ابن مضيان كان يسكن المدينةالمنورة وبنى فيها قصرا، فعلى ماذا كان أميرا. 2) قال الجبرتي في عجائب الآثار واصفا طريقة الباشا في استمالة قبيلة حرب: "فخص شيخ حرب بمفرده ثمانية عشرة ألف فرانسة، ثم رتب لهم علائف تصرف لهم في كل شهر: لكل شخص خمسة فرانسة، وغرارة بقسماط، فعند ذلك ملكوهم الأرض والذي كان متأمرا بالمدينة من جنسهم استمالوه أيضا، وسلم لهم المدينة." قلت: الذي كان متأمرا بالمدينة هو مسعود بن مضيان وهو شيخ حرب، أما من سماه الجبرتي شيخ حرب فهو الشيخ جزا بن عامر الأحمدي، أحد مشايخ حرب الكبار في وادي الصفراء، وليس صحيحا أنهم نجحوا في استمالة ابن مضيان يدل على ذلك أن أحمد دحلان في خلاصة الكلام ذكر الخبر ولم يذكر أنهم نجحوا في استمالته، ولا أنه سلم لهم المدينة، وكذلك يدل عليه ما ذكره الجبرتي في الخبر الآتي. وقال الجبرتي أيضا في عجائب الآثارما نصه: "لما حصلت النصرة للعسكر، واستولوا على المدينة وأتوا بمفاتيح زعموا أنها مفاتيح المدينة، تعين لطيف باشا (مملوك الباشا) بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة، وأرسلوا صحبته مضيان الذي كان متأمرا بالمدينة. ولما وصل دار السلطنة ووصلت أخباره، احتفل أهل الدولة بشأنه احتفالا زائدا، ونزلوا لملاقاته في المركب في مسافة بعيدة، ودخلوا إلى اسلامبول في موكب جليل وأبهة عظيمة إلى الغاية، وسعت أعيان الدولة وعظماؤها بين يديه مشاة وركبانا. وكان يوم دخوله يوما مشهودا وقتلوا مضيان المذكور في ذلك اليوم وعلقوه على باب السراية وعملوا شنانك ومدافع وأفراحا وولائم. وأنعم السلطان على لطيف المذكور وأعطاه أطواخا، وأرسل إليه أعيان الدولة الهدايا والتحف ورجع إلى مصر في أبهة زائدة". قلت: لا شك بأن ما ذكره الجبرتي يدل على الدور الكبير والخطير الذي لعبه ابن مضيان ومكانته في الدولة السعودية الأولى، ولك أن تقارنه بدور من اكتفى الباشا بتأمينهم وتركهم يذهبون لديارهم. وما ذكره الجبرتي من وصول مفاتيح المدينة وابن مضيان مع مرسول محمد علي باشا أكده المؤرخ التركي جودت باشا في تاريخه. 3) قال المؤرخ التركي أيوب صبري المتوفى سنة 1290ه، في كتابه مرآة جزيرة العرب الذي أهداه للسلطان عبدالحميد سنة 1289ه، الجزء الأول ص 144من طبعة دار الرياض للنشر والتوزيع، بعد أن ذكر تسليم مكة سنة 1220ه، ما نصه: "وبعد ذلك دخل السلفيون المدينةالمنورة أي بعد دخوله مكةالمكرمة ثم ولوا (مبارك بن مضيان) عليها، وعادوا إلى الدرعية". قلت: الصحيح مسعود وليس مبارك، وأيوب صبري ممن مكث فترة طويلة في مكةوالمدينة على ماذكر محققا الكتاب. 4) ذكر المؤرخ أحمد دحلان مفتي الشافعية بمكةالمكرمة المتوفى سنة 1304ه، في كتابه خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، أن العساكر المصرية دخلوا المدينةالمنورة في ذي القعدة من سنة 1227ه، وأنهم أخرجوا من كان فيها من الوهابية، وقبضوا على ابن مضيان الذي كان متأمرا في المدينة. 5) ذكر أحمد بن محمد البرادعي في كتابه المدينةالمنورة عبر التاريخ الإسلامي، ط 1سنة 1391ه، ص130، أن سعودا دخل المدينةالمنورة في سنة 1220ه، ونصب عليها أميرا من طرفه هو الأمير مبارك بن مضيان الظاهري، الذي من أثره القلعة التي باسمه والواقعة بين العوالي وقربان حتى اليوم واستمر حكمه لها سبع سنوات. وقال أيضا: وقد سكن ابن مضيان المذكور في إمارته على المدينة بالساحة بزقاق الأمير ويقال سقيفة الأمير نسبة إليه والدار هي وقف الحمصاني ومعمورة حتى اليوم ويسكنها الشيخ محمد مرسي، الذي يعمل بالمسجد النبوي الشريف. قلت: البرادعي ينقل عن الشيخ محمد مرسي، وقوله مبارك صوابه مسعود. 6) وصف الشيخ خليل بن أحمد الرجبي صاحب كتاب تاريخ الوزير محمد علي باشا الامام سعود بن عبدالعزيز بقوله: "...وزادت عساكره وعظمت قوته وهالت مظاهره وصار له رجال من الفرسان المشهورة وأتباع من الأمراء المذكورة مثل ابن مضيان والمضايفي وطامي وأشباههم". فعلق على ذلك محققو الكتاب وهم د. دانيال كريسيليوس، ود. حمزة عبدالعزيز بدر، ود. حسام الدين اسماعيل، بقولهم في الهامش: "ابن مضيان: أحد أمراء الوهابيين، كان أميرا للمدينة المنورة، قبض عليه في ذي القعدة 1227ه/نوفمبر 1812م عند أخذ طوسون باشا للمدينة وأرسل إلى مصر ومنها إلى إسطنبول بصحبة لطيف بك أغات المفتاح حيث طيف بهما فيها، ثم نفذ فيه حكم الإعدام. وقد قتل ابن مضيان في نفس يوم دخوله إسطنبول، وعلقت جثته على باب السراي السلطاني، وذلك في شهر ذي الحجة 1228ه/نوفمبر-ديسمبر1813م. الجبرتي عجائب الآثار، ج4، ص181، السيد محسن الأمين: كشف الارتياب، ص 41". 7) قال د. عبدالباسط بدر في كتابه التاريخ الشامل للمدينة المنورة، الجزء الثاني، في هامش ص 463: "ذكر عبدالرحيم عبدالرحمن في كتابه الدولة السعودية الأولى ص 237أن حسن القلعي كان أمير المدينة والصحيح أنه كان قائد الحامية السعودية التي تصدت لقوات طوسون باشا والأمير هو مبارك ابن مضيان كما يفهم من ابن بشر والجبرتي". 8) ذكر أ. عارف عبدالغني في كتابه أمراء المدينةالمنورة، إمارة ابن مضيان على المدينة، وأن السلطة بيد الأمير الحقيقي مبارك بن مضيان الظاهري، ثم أمير المرابطة المعين من قبل سعود بن عبدالعزيز. 9) قال د. سهيل صابان في كتابه "مداخل بعض أعلام الجزيرة العربية في الأرشيف العثماني"، (ط1، ص 210: مسعود بن بدوي بن مضيان قائد): كان من أبرز قادة الإمام عبدالعزيز وابنه سعود. قام بدور بارز في دحر قوات أحمد طوسون باشا عام ( 122ه/1811م). فعينه الإمام سعود أميرا على المدينةالمنورة إلى أن أعدم في إستانبول عام ( 1228ه/1813)، بعد أن تم القبض عليه في العام ذاته في المعركة التي جرت بينه وبين قوات أحمد طوسون باشا. حيث تم إرساله إلى مصر ومنها إلى إستانبول ومعه عثمان المضايفي". قلت: اعتمد الدكتور سهيل فيما ذكره أعلاه على مصدرين هما، الأول: كتاب ابن مضيان الظاهري وعلاقته بالحملات المصرية لفائز البدراني، والثاني: مجموعة من وثائق الأرشيف العثماني بلغ عددها ثماني وثائق. كما أن أسر مسعود بن مضيان كان في 1227ه وليس كما ذكر الدكتور. كل ماذكرت أعلاه يبين أن فائز الحربي لم يكن السابق إلى ذكر إمارة ابن مضيان على المدينة، بل سبقه الى ذلك جملة من المؤرخين، من مشارب مختلفة.