لماذا يقبل المستثمرون بقوة على الذهب عندما تتّسم الظروف الاقتصادية بالصعوبة؟ مع بلوغ أسعار المعدن الثمين مستويات قياسية، تشرح وكالة فرانس برس سبب بقائه ملاذاَ استثماريا موثوقا به. وقد أدت الاضطرابات التجارية التي نجمت عن تعرفات جمركية باهظة فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى ارتفاع قياسي لأسعار الذهب الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه ملاذ استثماري آمن. وسجّل المعدن الثمين الجمعة أعلى مستوى له على الإطلاق في التداولات ببلوغه 3227,51 دولارا للأونصة، وقد حقّق منذ بداية العام مكاسب تخطّت نسبتها 20 بالمئة. ويقول كبير خبراء شؤون المعادن في منصة التداول "كينيسيس ماني" فرانك واتسون في تصريح لوكالة فرانس برس "إلى الآن ما تزال سبائك المعدن الثمين معفاة من التعرفات الجمركية الأميركية، قد يكون ذلك مردّه عدم اعتبارها منتجات صناعية أساسية". وترمي التعرفات التي فرضها ترمب إلى دعم الإنتاج الأميركي وتقليص العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة، وهو ما لن يحقّقه فرض رسوم ضريبية على الذهب. بعد ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية في مطلع نيسان/أبريل حين أطلق ترمب تعرفاته المتبادلة، باع مستثمرون المعدن للحصول على السيولة اللازمة في خضم تدهور للبورصات. هذا الأمر أضعف الذهب لفترة وجيزة، عاد ليقفز بعدها. مذّاك لم تسجل أسعار المعدن أي تراجع مع إعلان ترامب على نحو مفاجئ تعليق الرسوم الأميركية على عشرات من البلاد، في خطوة استثنى منها الصين. تراجع الدولار تراجعت العملة الأميركية بقوة مقابل منافساتها بعد فرض ترمب رسومه، ما عزّز جاذبية الذهب، يقول واتسون إن الذهب هو "من الأصول المهمة لإدارة المخاطر التي تحتفظ بها كيانات على غرار المصارف المركزية والمؤسسات المالية والمستثمرين الأفراد". الأسواق قلقة إزاء ما قد تحمله حرب تجارية شاملة من تداعيات على النمو، وتراهن على إعلان الاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي الأميركي) خفضا إضافيا لمعدلات الفائدة لدعم أنشطة أكبر اقتصاد في العالم. وذلك على الرغم من أن الرسوم قد تؤدي إلى ارتفاع جديد للتضخم، وهو ما من شأنه عادة أن يدفع المصارف المركزية إلى رفع أسعار الفائدة. وتزيد توقعات كهذه بشأن تكاليف الاقتراض، الضغوط على الدولار وكذلك على السندات الحكومية الأميركية التي بدأت تفقد بعضا من الجاذبية التي تتمتّع بها بوصفها ملاذا آمنا، ومما يعزز مكاسب الذهب هو أنه من الأصول النادرة والمادية. ففي حين أن غالبية الناس لن يمتلكوا سبيكة ذهب، إلا أنه بإمكانهم اقتناء مجوهرات ذهبية، ويقول واضع الاستراتيجيات في مجلس الذهب العالمي جون رايدل إن "الناس يريدون أصلا ملموسا يمكنهم اقتناؤه". ويوضح رايدل في مقابلة مع فرانس برس أن الذهب أثبت أنه من الأصول التي يسعى مستثمرون ومدّخرون لاقتنائه عند فقدان الثقة بالحكومات والمصارف، حتى وإن كان استثمارهم هذا بحد ذاته لا يعود عليهم بأرباح أو فوائد. ويلفت واتسون إلى أن "الذهب هو (معدن) نادر جدا ولا يتآكل" ما يجعله الأعلى قيمة على صعيد التخزين الطويل الأمد. ويعد الذهب من الأصول التي تسعى إليها المصارف المركزية، مما يسهم في ارتفاع أسعاره من جراء ملء الخزائن بالسبائك تحوّطا للأزمات، وفي استقرار أسعار العملات واستخدامه ضمانة للقروض والتعاملات. في العام 2024 عزّزت المصارف المركزية حول العالم احتياطياتها من الذهب بأكثر من ألف طن للعام الثالث على التوالي، وفق مجلس الذهب العالمي. وفق تشارلي موريس المحلل في مجموعة الأبحاث الاستثمارية "بايت تري" فإن "هذه الخطوة جاءت بسبب غزو أوكرانيا والمصادرة اللاحقة لاحتياطيات روسية". بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، تم تجميد احتياطيات عملات أجنبية يملكها المركزي الروسي خارج روسيا بموجب عقوبات دولية. وفاقمت الحرب في أوكرانيا ومن بعدها النزاع في غزة حال انعدام اليقين على المستوى الجيوسياسي، ما زاد من جاذبية الذهب. وتجاوزت أسعار الذهب مستوى 3200 دولار الجمعة بدعم من ضعف الدولار ومخاوف من حدوث ركود وسط تصاعد الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى الإقبال على المعدن النفيس كملاذ آمن. وبحلول الساعة 1520 بتوقيت جرينتش، قفز الذهب في المعاملات الفورية اثنين بالمئة ليصل إلى 3236.67 دولار للأوقية (الأونصة)، بعدما سجل مستوى قياسيا مرتفعا عند 3243.82 دولار في وقت سابق من الجلسة. وحقق مكاسب تجاوزت ستة بالمئة على مدى الأسبوع. وزادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 2.4 بالمئة لتصل إلى 3253.20 دولارا. وقال نيتيش شاه خبير استراتيجيات السلع لدى ويزدام تري "يعتبر الذهب بلا شك الأصل المفضل من أصول الملاذ الآمن في عالم انقلب رأسا على عقب بسبب حرب ترمب التجارية. وانخفضت قيمة الدولار الأمريكي وتراجعت سندات الخزانة الأمريكية بشدة، بالإضافة إلى تآكل الثقة في الولاياتالمتحدة كشريك تجاري موثوق به". ورفعت بكين رسومها الجمركية على البضائع الأمريكية إلى 125 بالمئة اليوم، مما يزيد المخاطر في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وتراجع الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى، مما يجعل المعدن الأصفر المقوم بالدولار أقل تكلفة للمشترين في الخارج. وتلقى الذهب أيضا دعما هذا العام من عدة عوامل تشمل الطلب من البنوك المركزية والتوقعات بإقدام مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) على خفض أسعار الفائدة وعدم الاستقرار الجيوسياسي وزيادة إقبال المستثمرين على صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب. وانخفض مؤشر أسعار المنتجين الشهري في الولاياتالمتحدة بصورة غير متوقعة 0.4 بالمئة في مارس آذار، ولكن من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية على الواردات إلى ارتفاع التضخم في الأشهر المقبلة. ويراهن المتعاملون الآن على أن البنك المركزي الأمريكي سيستأنف خفض أسعار الفائدة في يونيو حزيران، ويتوقعون خفضها بنحو 90 نقطة أساس بحلول نهاية 2025. وخليجياً سجّل الذهب أعلى مستوياته التاريخية عند 11,650 درهماً إماراتياً (3,186 دولاراً أمريكياً) الخميس الماضي، وسط استمرار النشاط الاستثنائي في الأسواق العالمية خلال الأسبوع الماضي. وقد وفّر إعلان البيت الأبيض يوم الأربعاء عن تعليق مؤقت للرسوم الجمركية العالمية الجديدة بعض الارتياح المؤقت للأسواق المتقلبة، إلا أن القلق لا يزال قائماً بشأن زيادات إضافية محتملة في الرسوم الجمركية بين الولاياتالمتحدةوالصين، ما يعيد إلى الأذهان ديناميكيات السوق في عام 2018، عندما واجهت أسواق الأسهم ضغوطاً شديدة بسبب الحرب التجارية بين البلدين. وقال جيمس كامبيون، مستثمر شهير في إيتورو: "ارتفع سعر الذهب الفوري متجاوزًا مستوى 11,300 درهم إماراتي للأونصة، وتداول بالقرب من 11,500 درهم في وقت متأخر من بعد ظهر الخميس، قبل أن يواصل الارتفاع ليصل إلى مستويات قياسية، مسجلاً عائداً بنسبة 19.22% منذ بداية العام. ويعكس هذا الارتفاع تعافياً من تراجع مؤقت ناجم عن نقص السيولة يوم الاثنين، حيث لامس الذهب مستوى 10,900 درهم بعد فترة من التقلبات الشديدة في الأسواق العالمية." رسوم ترمب خفضت الدولار الأميركي