يمثل دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة النفايات تحولًا جذريًا يعزز الكفاءة والدقة في عمليات الفرز والمعالجة. تعمل الأنظمة الذكية، المدعومة ببنية تحتية متقدمة للاتصالات، على إعادة تشكيل آليات جمع النفايات وفرزها ومعالجتها، مما يضع قطاع إدارة النفايات على مسار تطوري مستمر. تأتي هذه التطورات التكنولوجية في وقت حاسم، حيث يتبنى القطاع حلولًا رقمية لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة. تواجه المملكة العربية السعودية تحديًا كبيرًا في إدارة النفايات، حيث تنتج أكثر من 110 ملايين طن سنويًا، يتركز ما يقرب من نصفها في ثلاث مدن رئيسية: الرياض (21٪)، جدة (14٪)، والدمام (8٪). وقدّر المركز الوطني لإدارة النفايات ( MWAN) تكلفة التدهور البيئي الناجم عن النفايات الصلبة بنحو 1.3 مليار دولار في عام 2021. مع اقتراب مكبات النفايات من بلوغ طاقتها الاستيعابية القصوى، أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة استراتيجية شاملة في أوائل عام 2024. تهدف هذه الخطة الطموحة إلى تحقيق معدل إعادة تدوير بنسبة 95٪ ومعالجة 100 مليون طن من النفايات سنويًا، بدعم من أكثر من 65 مبادرة واستثمارات تتجاوز 55 مليار ريال سعودي. ومن المتوقع أن تسهم هذه الاستراتيجية بما يُقدر ب 120 مليار ريال سعودي (31.99 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس تحولًا جذريًا في إدارة النفايات داخل المملكة. يحتل دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، المدعومة بشبكات الاتصالات الحديثة، موقع الصدارة في هذا التحول. فاليوم، أصبح من الممكن مراقبة صناديق النفايات الذكية المزودة بأجهزة استشعار تقيس مستويات النفايات في الوقت الحقيقي، حيث ترسل هذه البيانات إلى أنظمة الإدارة المركزية التي تحلل معدلات التعبئة وتتنبأ باحتياجات الجمع. تساهم هذه الأنظمة في تحسين مسارات جمع النفايات، مما يقلل من عمليات الجمع غير الضرورية، ويخفض استهلاك الوقود، ويحد من انبعاثات الكربون الناجمة عن مركبات جمع النفايات. وفي مرافق المعالجة، تعمل آلات الفرز المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحسين معدلات استرداد المواد، باستخدام خوارزميات متقدمة لتحديد وتصنيف مختلف أنواع النفايات. وتتفوق هذه التكنولوجيا على الطرق التقليدية، إذ تعالج النفايات بسرعة أكبر مع تحقيق معدلات دقة أعلى، مما يحدّ من التلوث في المواد المعاد تدويرها. تعيد التحليلات التنبؤية واتخاذ القرارات القائمة على البيانات صياغة آلية عمليات إدارة النفايات على جميع المستويات. من خلال تحليل البيانات التاريخية والاتجاهات الفعلية، تتنبأ أنظمة الذكاء الاصطناعي بأنماط توليد النفايات، مما يتيح تخصيص الموارد بدقة وتخطيط البنية التحتية بكفاءة. تُثبت هذه القدرة قيمتها بشكل خاص في المناطق الحضرية، حيث تختلف أنماط النفايات بشكل كبير بناءً على الكثافة السكانية والنشاط التجاري. تراقب التكنولوجيا الحديثة تدفق النفايات من مرحلة التجميع إلى المعالجة، وتوفر بيانات في الوقت الفعلي عن الأحجام والأنواع وحالة المعالجة. تُمكن هذه الرؤى مديري ومشرفي المرافق من تحسين العمليات، وتحديد مجالات التطوير، واتخاذ قرارات مدروسة بشأن تطوير البنية التحتية. يُضيف إدماج الروبوتات في مرافق تدوير المواد (MRFs) لمسة جديدة من التقدم، حيث تعمل أنظمة الفرز الروبوتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على فصل المواد بشكل مستمر. مما يقلل من وقت المعالجة، ويحسن معدلات التدوير، ويجعلها مثالية للتعامل مع تدفقات النفايات المختلطة، حيث يُعد الفرز الدقيق أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق أقصى قدر من الحفاظ على الموارد. يقدم التحول الرقمي في إدارة النفايات، من خلال إدماج الذكاء الاصطناعي، مستويات غير مسبوقة من الشفافية والكفاءة. تتبع أنظمة المراقبة المتقدمة النفايات طوال رحلتها، من المصدر إلى المعالجة النهائية، مما يخلق مسارًا رقميًا يضمن التتبع الدقيق ويمكّن من إعداد التقارير في الوقت الفعلي. توفر هذه المقاربة المدعومة بالبيانات رؤى قيمة لصناع القرار والشركات، مما يسهل التخطيط الاستراتيجي وتحسين آليات التنفيذ. تمثل هذه المقاربة المنهجية تحولًا جوهريًا في كيفية عمل قطاع إدارة النفايات، حيث تنتقل من استراتيجيات الإدارة التفاعلية إلى استراتيجيات استباقية تتوقع التحديات وتعالجها قبل ظهورها. إن آفاق الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع لا تقتصر على تعزيز الكفاءة التنفيذية فحسب، بل تتعلق أيضًا بخلق عالم أكثر نظافة ومسؤولية للأجيال القادمة. يُبشر هذا التحول بعصر تكون فيه كل عملية في مراحل إدارة النفايات خطوة نحو تحقيق الاستدامة. * الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال، شركة اتحاد سلام للاتصالات.