شهدنا مؤخراً خللاً تقنياً غير مسبوق أثّر بشكل كبير على الأنظمة الإلكترونية في قطاعات حيوية مثل المستشفيات والمطارات والبنوك والشركات، مما أثار قلقاً عالمياً. جاء هذا الحادث في وقت يشهد فيه الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية نمواً متسارعاً، مما يبرز الحاجة الملحة لتعزيز استراتيجيات الأمان وزيادة القدرة على مواجهة الأزمات. متخصصات بالتقنية أكدن أنه رغم أن هذا الخلل لم يكن ناتجاً عن هجوم سيبراني، ولم يتسبب في أضرار كبيرة للمملكة على صعيد الخدمات الحكومية والشركات والأفراد، تظل الحاجة ماسة لليقظة السيبرانية الدائمة واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية أنفسنا من الحوادث السيبرانية، سواء كانت خللاً تقنياً غير مقصود أم هجوماً سيبرانياً متعمداً. كما أكد الحادث على أهمية وجود خطط طوارئ فعالة واستراتيجيات متعددة لمواجهة الأزمات غير المتوقعة، ويبرز هنا الدرس المستفاد في ضرورة تنويع مزودي خدمات الأمن السيبراني لتعزيز الحماية وتوفير طبقات أمان إضافية، يتعين على المؤسسات تبني استراتيجيات شاملة للأمن السيبراني، بما في ذلك تحسين الإجراءات الأمنية وتعزيز التدريب والتوعية بين الموظفين، فضلاً عن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتبادل المعلومات والخبرات في إدارة الأزمات، لضمان استمرارية العمل وتقليل الأضرار إلى أدنى حد ممكن. حادثة غير مسبوقة للحديث عن هذه الأزمة وأبعادها أوضحت هدى الشملان اختصاصية أنظمة وتقنية المعلومات، بقولها «في حادثة تكنولوجية غير مسبوقة، شهد العالم خللاً كبيرًا تمثل في ظهور «الشاشة الزرقاء» على الأجهزة الإلكترونية، مما أدى إلى توقف العديد من العمليات الحيوية، بدأت الأزمة في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء الماضي، حيث فوجئ المستخدمون في مختلف أنحاء العالم بظهور الشاشة الزرقاء على أجهزتهم، وتوالت التقارير من القارات كافة حول تعطل الأنظمة في المؤسسات الحكومية والخاصة، وحتى الأجهزة الشخصية». تشرح الشملان تأثيرات هذه الأزمة بقولها: «تسبب هذا الخلل في توقف عمليات السحب والإيداع البنكية، وتعطل الرحلات الجوية، وتأجيل العمليات الجراحية في المستشفيات، كما تأثرت الأنظمة التعليمية التي تعتمد على التعليم الإلكتروني، مما أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة». تشير الشملان إلى أن السبب الذي تبين وراء هذه الظاهرة هو ثغرة أمنية في تحديث النظام التشغيلي المستخدم على نطاق واسع. وتضيف: «تعمل الفرق التقنية حاليًا على البحث عن حلول سريعة لإعادة تشغيل الأنظمة المتضررة وتفادي تكرار هذه الكارثة». وتضيف «عالميا أثارت هذه الواقعة تساؤلات حول كيفية قيام شركة كبيرة مثل «كراود سترايك»، التي تحقق إيرادات بالمليارات، بتحديث برامجها بطريقة غير احترافية. ألم يكن من المفترض اختبار التحديثات بدقة لضمان عملها بشكل سليم قبل تطبيقها على الأنظمة الرئيسة والحيوية؟ توضح الشملان أن الشركات التكنولوجية والحكومات عملت خلال أيام بشكل مكثف لاستعادة الأنظمة وإصلاح الخلل، وتقول: «أعلنت بعض الشركات عن نجاحها في إعادة تشغيل الأنظمة جزئيًا، بينما تواصل الفرق الفنية العمل على مدار الساعة لضمان عودة العمليات إلى طبيعتها». وعبرت الشملان عن تفهمها لغضب المستخدمين وإحباطهم بسبب توقف أعمالهم ومشاريعهم. وتضيف: «انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات تحَّمل الشركات التكنولوجية مسؤولية ما حدث، وتطالب بتعويضات عن الخسائر التي لحقت بهم». تختم الشملان حديثها بقولها: «تعد هذه الحادثة درسًا مهمًا حول أهمية الاستثمار في الأنظمة الأمنية والتحديثات الدورية للأجهزة الإلكترونية. ومن المتوقع أن تزيد هذه الأزمة من الوعي بأهمية الأمن السيبراني وتعزيز التدابير الوقائية للحيلولة دون تكرار مثل هذه الكوارث في المستقبل». العالم الرقمي هو الواقع الفعلي عن تداعيات هذه الأزمة وكيفية التعامل معها أوضحت سارة العواد -متخصصة بالأمن السيبراني- بقولها «شهد يوم الخميس الماضي أحداثاً حبست أنفاس الملايين حول العالم نتيجة خلل تقني واسع النطاق وأوضحت «علينا الإقرار بأن العالم الرقمي أصبح هو الواقع الفعلي وعلينا التعامل معه على هذا الأساس. منذ صبيحة ذلك اليوم، كانت وسائل الإعلام مليئة بالأخبار التي تنذر بالخطر. فقد الطيارون البوصلة، واضطر الأطباء للعودة إلى استخدام الورق والقلم بعد فقدان الوصول إلى ملفات المرضى، وتعطلت أعمال المحاكم بسبب الأعطال التقنية، هذه الأحداث أظهرت بشكل جلي مدى هشاشة اعتمادنا على التكنولوجيا». وأضافت العواد: «لم تكن هذه المرة الأولى التي يواجه فيها العالم مثل هذه المخاطر. ففي عام 2016، تسبب خلل في أنظمة شركة كبيرة في حجب مئات الآلاف من المواقع الإلكترونية. وفي عام 2020، أدى خلل في منظومة التحقق لدى فيسبوك إلى شلل ملايين الحسابات. وفي العام التالي، تسببت مشكلة تقنية في فقدان بيانات الملايين من مستخدمي الهواتف الذكية في الولاياتالمتحدة، وتعرضت مراكز بيانات أمازون لانقطاع شامل أثر على العديد من الشركات الكبرى. هذه الحوادث تجعلنا نتساءل: هل استخلص العالم الدروس اللازمة من هذه الوقائع؟» وأشارت العواد إلى أهمية الاستعداد لمثل هذه الأزمات قائلة: «ما حدث يوم الجمعة أظهر مدى اعتمادنا الكبير على التكنولوجيا ومدى هشاشة هذا الاعتماد. لذا، يجب أن نكون مستعدين لمواجهة مثل هذه الأزمات من خلال اتخاذ خطوات عدة، مثل تنويع مزودي الخدمات، وضمان بيئة رقمية قوية، وتحديث خطط الطوارئ الرقمية بانتظام.» وأكدت العواد على أهمية التعاون العالمي قائلة: «كما أظهرت تداعيات الخلل التقني العالمي أهمية التعاون العالمي في مواجهة الأزمات الرقمية. لا يمكن لأي بلد أو مؤسسة، مهما كانت كبيرة، التعامل مع هذه الطوارئ بمفردها. وعلى الرغم من الحاجة إلى خطط وطنية للطوارئ الرقمية، فإن هذه الخطط يجب أن تكون متسقة مع السياسات العالمية». واختتمت العواد حديثها بالتأكيد على أهمية الشفافية والتوجيهات الواضحة: «من حسن الحظ أن آثار ‹جمعة الشاشات الزرقاء› لم تكن شاملة، نأمل أن يتفهم العالم أهمية الاستعداد والتعاون لمواجهة مثل هذه الأزمات في المستقبل.