قالها الملك عبد العزيز آل سعود مدوية، منذ زمن طويل، بأنه «لا غنى للعرب عن مصر ولا غنى لمصر عن العرب»، من ثمّ تتميز العلاقات المصرية السعودية بحالة شديدة الخصوصية، ولم لا ومصر تعد العمق الإستراتيجى للمملكة، كما أن السعودية عمق إستراتيجى عربى وآسيوى لمصر. وإذا كانت الثوابت المصرية، تؤكد دوما أن القاهرة لم تتأخر لحظة واحدة عن الرياض، فإن السعودية لم تتوقف يوما عن دعم مصر فى كل الأحداث والتطورات الخطيرة فى إقليم الشرق الأوسط، ولم تتردد فى العون فى كل أزمة تمر بها، حقيقة قاطعة لا مراء فيها، أثبتتها الأحداث، وتدعمها العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين، والتى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، وتشهد عليها معاهدة الصداقة فى عام 1936. وأجزم أن العلاقات المصرية السعودية بلغت أوجها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث تعددت الزيارات بين الجانبين، وتم تطوير التعاون العسكري، والتكامل الاقتصادي، والاستثمارات المتبادلة، إضافة إلى عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وتعزيز الشراكة الإستراتيجية، لتصبح معها السعودية أكبر شريك تجارى لمصر فى الشرق الأوسط، إضافة إلى التعاون السياسي؛ بحكم أنه يقع على البلدين العبء الأكبر فى تحقيق التضامن العربي، وهو ما جعل العلاقات التاريخية تصمد فى وجه كل العقبات، وتتوفر لها الحصانة ضد أى اختلافات فى وجهات النظر بشأن بعض القضايا، وأهلها لتكون نموذجا يحتذى به فى العلاقات بين الأشقاء، ويجعل لها خصوصية ناتجة من الروابط التاريخية والشعبية القوية والمصالح المشتركة والتعاون بين مصر والسعودية ضرورة لا تفرضها التحديات التى تهدد المنطقة المشتعلة، باعتبارهما صمام الأمان للعالم العربى بفضل سياستهما الخارجية المتزنة، وإنما أيضا على المستوى الثنائي، وما تتطلبه التجربة التنموية ضمن رؤى 2030، بما توفره من فرص استثمارية تعود بالنفع على البلدين، فهناك مشروعات قومية عملاقة فى مصر، تمثل بيئة جاذبة للاستثمارات السعودية، إضافة إلى فتح أبواب التعاون فى مجالات الاقتصاد الأخضر والاستثمار فى التكنولوجيا والمعرفة وإنتاج الطاقة المتجددة. وأستطيع أن أقول، بملء الفم، إن العلاقات المصرية السعودية ثابتة وراسخة، بوصفهما القلب النابض للأمة العربية، ولما يتمتعان به من قدرة غير عادية على حلحلة أزمات الشرق الأوسط التى ارتفع منسوبها إلى أقصى درجة، واقتربت من الانفجار بحرب إقليمية، نتيجة عبث جيش الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية وجنوب لبنان، وهو ما يعنى أن هناك زخما واقعيا وملفات مشتركة تجعل البلدين مؤهلين لترفيع العلاقات النموذجية، وتعكس عمق الوشائج والروابط والأسس الصلبة التى ترسم معالم المستقبل المشرق للطرفين. ويقول التاريخ إن البلدين الكبيرين يحرصان على التشاور والتواصل الدائم والتنسيق المستمر فى كل القضايا والمواقف والملفات الثنائية والإقليمية؛ ما يجعل تعزيز الشراكة الاقتصادية، ونقلها إلى آفاق أوسع ضرورة ملحة، وبإدراك تام أن هناك أيدى تحاول دائما، دون كلل أو ملل، أن تفسد العلاقة بأى ثمن وأية طريقة، لإضعاف البلدين، بل العرب كلهم؛ وهو ما يتطلب سد هذه الأبواب، وتحصين العلاقة، فى ظل التحديات الحالية. ولأن مصر والسعودية، حجر الأساس للأمن العربى والإقليمي، فإن التحركات الأخيرة التى تعكس نضجا سياسياً ودبلوماسيا، فى هذا التوقيت العصيب، تعكس الرغبة فى تعميق العلاقات أكثر مما هى عليه، وتوجيه رسالة واضحة بقوة ومتانة العلاقات، وقدرة البلدين على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، ومواجهة الجرائم الإلكترونية المتزايدة، وتبادل الخبرات وتعزيز القدرات. ومن هنا كان استقبال الرئيس السيسى، الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي، والدكتور عصام بن سعيد وزير الدولة عضو مجلس الوزراء السعودي، بحضور اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، بالإضافة إلى السفير صالح بن عيد الحصينى سفير السعودية بالقاهرة؛ ما يدلل على عمق العلاقات الأخوية والتاريخية، ومحورية دور الدولتين كركيزة أساسية لاستقرار المنطقة، لاسيما فى ظل التحديات الجسيمة والمتصاعدة التى تتطلب مواصلة وتكثيف التعاون، وتأكيد الأهمية التى يكتسبها التعاون المشترك فى مواجهة التحديات والمخاطر الأمنية التى تفرزها ظروف المنطقة، وهو ما اتفق عليه الجانبان فى مجالات تبادل الخبرات، وتعزيز قنوات الاتصال، وآليات تبادل المعلومات من خلال تعميق أواصر التعاون مع الأجهزة الأمنية العربية. وتحركت الدبلوماسية فى الدولتين، من خلال لقاء الدكتور بدر عبد العاطى، وزير الخارجية، مع نظيره السعودى الأمير فيصل بن فرحان، الذى تناول المراحل النهائية لتدشين مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى، برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى وولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، وما يمثله هذا المجلس التنسيقى من مظلة شاملة للمزيد من تعميق العلاقات الثنائية، كما تناولا أيضا الأوضاع الكارثية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، سواء فى قطاع غزة أو فى الضفة الغربية أو فى القدسالشرقيةالمحتلة؛ بما يعكس الرغبة الملحة فى تعزيز العلاقات فى العديد من المجالات. ويأتى التحرك الأخير فى اتجاه تعزيز التعاون مع السعودية؛ ليتواكب مع إجراءات اقتصادية واستثمارية تتخذها الحكومة المصرية؛ من أجل فتح الأبواب على مصاريعها أمام العرب والأجانب للاستثمار فى مصر، وأطلقت رسائل إيجابية لمجتمع الأعمال، من خلال حزمة تسهيلات ضريبية كخطوة أولى فى طريق ضبط وتحسين العلاقة بين المستثمرين ومصلحة الضرائب، والجدية فى تلبية احتياجات الشركاء من المجتمع الضريبي، والتحرك الفورى بحزم أخرى من التيسيرات لتحفيز مجتمع الأعمال؛ بهدف أن يشعر مجتمع الأعمال بجودة الخدمات المقدمة لهم، والإسهام فى تذليل العقبات الضريبية أمام الأنشطة الاقتصادية، وجهود رفع معدلات الإنتاجية، من أجل تشجيع الاستثمار، وتعزيز بنية الاقتصاد الكلي، وتحسين هيكل النمو؛ ليعتمد بشكل أكبر على الإنتاج والتصدير والتجارة الخارجية. وأخلص إلى القول بأن تعظيم العلاقات المصرية- السعودية، وفتح شرايين جديدة لها فى هذه الفترة التاريخية من عمر إقليم الشرق الأوسط، هو النجاح السياسى والدبلوماسى بعينه، وهى الرؤية الثاقبة للقيادة السياسية فى البلدين، التى تنتهج فلسفة واضحة، وتتعقب كل طاقة نور، وتتعامل بشفافية، تحت شعار أخوى، ألا وهو «مصر والسعودية يد واحدة». نقلا عن بوابة الاهرام المصرية