المشكلة التقنية التي ظهرت قبل أيام وتسببت في حدوث خلل تقني، نتج عنه توقف خدمات كثيرة على مستوى العالم تقنياً، من بينها: خدمات المطارات والبنوك والمستشفيات والإعلام، والذي وصف بأكبر عطل تقني في تاريخ التكنولوجيا الحديثة والقديمة معاً، هذا الخلل التقني عاد بي بالذاكرة إلى الوراء بمشكلة عام 2000 (Y2K) التي أوقفت العالم بأسره، وكما يقولون على أصابع أرجله، تحسباً لما قد يمكن أن يحدث من توقف وشلل تام لأجهزة الكمبيوتر والحواسيب الإلكترونية، بسبب وكما وصف بخطأ الألفية. تبعاً لذلك الخلل الافتراضي لمشكلة عام 2000 هلع العالم بشكل غير مسبوق، وأنفقت آلاف الملايين من الدولارات لتحديث وترقية برامج أجهزة الحواسيب بغية تفادي انهيار الخدمات الأساسية التي تقدمها تلك الحواسيب، ولكن رغم ذلك الإنفاق الهائل، تم الانتقال بسلاسة للعام 2000 دون حدوث مشكلات تذكر تم الإفصاح عنها، كما واستمرت أجهزة الحواسيب في عملها وتقديمها للخدمات الأساسية كالمعتاد، مما جعل البعض يعتقد بأنها مؤامرة ومشكلة مفتعلة من شركات البرمجيات العالمية لتحديث أنظمة الحواسيب وجني الأموال والأرباح من خلفها. ولكن وكما يبدو المشكلة التقنية التي حدثت مؤخراً، مشكلة حقيقية وليست وكما كان واقع حال مشكلة عام 2000 الافتراضية، والتي يعود سببها وفقاً للتحليلات الأولية والمبدئية، إلى تحديث أجرته شركة كراود سترايك CrowdStrike على المنصة التابعة لها "فالكون Falcon"، التي تتفاعل مع أجزاء متعددة من أنظمة الحاسوب وبرامجه، مثل الويندوز التابع لشركة مايكروسوفت، وهذا ما تسبب في حدوث خلل أدى إلى تعطيل أنظمة وبرامج كثيرة تستخدم على نطاق واسع في العالم. هذا الخل التقني الناتج عن تحديث الأنظمة والبرامج، تسبب في حدوث شلل تام بالعديد من أنظمة وبرامج الحواسيب التي تعتمد على استخدام برامج ويندوز، حيث تأثرت تبعاً لذلك التحديث العديد من أنظمة المطارات والأنظمة الصحية على مستوى العالم، ما تسبب في إلغاء وتأخير العديد من الرحلات الجوية على مستوى العالم، والعودة إلى الأسلوب القديم "الورقي واليدوي" لضبط حركة المسافرين والمغادرين بعدد من مطارات العالم. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فلله الحمد والشكر لم نتأثر لا بمشكلة عام 2000 أو بالمشكلة الحالية، حيث أكدت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" أن أنظمتها التقنية والأنظمة الحكومية التي تستضيفها لتقديم الخدمات الحكومية للمواطنين والمقيمين في المملكة تعمل دون انقطاع -ولله الحمد-، ولم تتأثر بالعطل التقني الذي ضرب اليوم معظم الجهات في دول العالم. كما وأكد البنك المركزي السعودي "ساما" على سلامة أنظمته وأنظمة المدفوعات الوطنية والأنظمة البنكية في المملكة وعدم تأثرها جراء العطل التقني، الذي تعرضت له العديد من الجهات حول العالم، حيث أفاد البنك أنه يطبق أعلى المعايير والممارسات التشغيلية والسيبرانية المتعارف عليها عالميًا لأنظمته وأنظمة المدفوعات الوطنية، إضافة إلى الأنظمة التقنية المرتبطة مع المؤسسات المالية الأخرى. لم أهدف من مقالي هذا التعمق في تحليل أسباب مشكلة عام 2000 أو أبعادها وخسائرها الاقتصادية والمالية أو حتى المشكلة الحالية، بقدر التأكيد على سلامة أنظمتنا الحكومية والمالية التقنية، والذي يدل على حكمة القائمين على إدارتها، ولا غرابة في ذلك بتحقيق المملكة للمرتبة الثانية عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني ضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2022 الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا IMD. كما أن اعتماد المملكة على بناء شبكة وطنية لاتصالات التقنية وتكنلوجيا المعلومات، يُعد طوق نجاة بعد توفيق الله من تعرض المملكة للأزمات والكوارث والحوادث التقنية، ولعل نظام المدفوعات السعودية التي تبنت بناءه جهة تابعة ل "ساما" لخير دليل وشاهد على قوة انظمتنا التقنية، سيما وأن النظام يهدف إلى تطوير بنية دفع وطنية آمنة. كما أنه برأيي من المهم جداً عدم الاعتماد على مزود واحد لخدمة البيانات والحفظ والتشغيل وإدارة الخوادم، حيث إن الاعتماد على أكثر من مزود لتلك الخدمات، إضافة إلى وجود أكثر من نظام احتياطي يلجأ إليه وقت الحاجة، سيُمكن من تفادي المشكلات والأزمات التقنية العالمية في حال حدوثها -لا سمح الله- وتحييد تأثيرها والتقليل من مخاطرها.