"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" ﴿الحج: 27﴾. يحل علينا موسم حج هذا العام في عمق الصيف وسيظل على هذا المنوال لسنوات عديدة قادمة متزامنًا مع هذا الفصل ذي الجو اللاهب والحرارة العالية أعان الله حجاج بيته العتيق والقائمين فيه وأعظم لهم الأجر والثواب. ولقد تأهبت واستعدت حكومة خادم الحرمين الشريفين كما هو نهجها الثابت ودأبها المعتاد في كل عام لتوفر كافة الاستعدادات والإمكانات والمتطلبات والخدمات لحجاج بيت الله الحرام ليقضوا مناسكهم بكل يسر وسهولة وأمان واطمئنان، وليعودوا إلى أوطانهم وقد غمرتهم البهجة والحبور وعمهم الفرح والسرور بتأدية فروضهم وقضاء مناسكهم. ومن الخدمات الهامة والضرورية المقدمة في موسم الحج والتي تضمن الراحة والرفاهية لضيوف الرحمن لهي الطاقة الكهربائية حيث من المعروف أنه من خلال سجلات شركة الكهرباء أن استهلاك الطاقة الكهربائية يتعاظم في موسم الحج بما يتجاوز 30% من نسب الاستهلاك في أيِّ فترة أخرى (مهما تزامن مع فصول باردة أو معتدلة أو حارة)، لذلك تقوم الجهات ذات العلاقة بمسؤولية توفير الطاقة الكهربائية وضمانها والعمل على عدم تدنيها أو انقطاعها ومنها وزارة الطاقة وشركة الكهرباء، فبالنسبة لوزارة الطاقة فقد تفقّد وزيرها سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان مع نائب أمير مكةالمكرمة سمو الأمير سعود بن مشعل، ووزير الحج والعمرة ووزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان الاستعدادات والخطط التشغيلية المتعلقة بتقديم الخدمة الكهربائية للمشاعر المقدسة في مكةالمكرمة والمدينة المنورة لموسم حج هذا العام 1445ه. وجاءت تلك الجولة التفقدية استكمالاً للمتابعة المباشرة والمستمرة التي توليها وزارة الطاقة لمشاريع ومتطلبات تقديم خدمات الطاقة، ورفع موثوقية واستمرارية إمدادات الطاقة للمشاعر المقدسة في منى وعرفات من أجل التيسير على ضيوف الرحمن في هذه البقاع الطاهرة المباركة بشكل يليق بمكانة المملكة وتطلعات ضيوف الرحمن، وفقاً لتوجيهات حكومة خادم الحرمين وولي العهد. وشملت الزيارة مرافق الطاقة في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة. ومن ضمن المشاريع التي اطلع عليها سموه ومرافقوه مشاريع تعزيز الخدمات الكهربائية لحجاج بيت الله الحرام في المشاعر المقدسة، وزيارة عدد من المواقع التي نفذت فيها الشركة السعودية للكهرباء عددًا من المحطات والمرافق الحديثة لتوفير الخدمات الكهربائية لضيوف بيت الله الحرام، بما في ذلك مشروعات التحوُّل الرقمي وأتمتة الشبكات الكهربائية وذكاء شبكات النقل والتوزيع، هذا بالإضافة لتجهيز محطات متنقلة مرتبطة مباشرة بالشبكة الكهربائية. شبكة الألياف الضوئية وتسهم مشروعات شبكة الألياف الضوئية، في ضمان سرعة ومرونة التجاوب مع المستفيدين والتعامل مع البلاغات ومعالجتها في حينها عن بعد، من خلال مركز التحكم الرئيس الذي يمكنه المتابعة ومراقبة الشبكة الكهربائية في جميع أنحاء المشاعر المقدسة، كذلك نشر محطات شحن للسيارات الكهربائية في المناطق المقدسة ومواقف السيارات، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على استخدام هذه السيارات من قبل الحجاج. وبالنسبة للشركة السعودية للكهرباء فقد أعلنت عن استكمال استعدادات وجاهزية الشبكات الكهربائية في كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة لموسم حج هذا العام وذلك من خلال تنفيذ 20 مشروعًا جديدًا بتكاليف تجاوزت 700 مليون ريال لإنشاء خطوط نقل وشبكات توزيع وربطها بالشبكة القائمة، إضافةً إلى ربط مركز التحكم بالمشاعر بالألياف الضوئية من قبل شركة "ضوئيات المتكاملة للاتصالات وتقنية المعلومات" التابعة لشركة الكهرباء. ولعل هذا يبرز دور الشركة السعودية للكهرباء في أعمال الحج وحرصها واهتمامها بالمساهمة في توفير سبل الراحة والطمأنينة لضيوف الرحمن عبر تطبيق خطتها التشغيلية لهذا الموسم التي تهدف إلى الاستمرار في تقديم خدمات كهربائية عالية الجودة في المشاعر المقدسة من خلال مشروعات التحديث والتذكية والأتمتة الجديدة للشبكات الكهربائية (توليدًا ونقلا وتوزيعًا). كما أن الشركة شرعت في التجهيز والإعداد لموسم حج هذا العام بدءًا من نهاية حج العام الماضي وذلك من منطلق دراسة وتحليل مؤشرات الأداء وحصر الدروس المستفادة بغية تحقيق التطوير المتتابع والتحسين المستمر لجودة وفاعلية الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله، حيث نتج عن ذلك اعتماد الشركة للعديد من المشاريع والبدء في تنفيذها، إضافةً إلى إجراء الشركة السعودية للكهرباء اختبارين شاملين لمحاكاة الأحمال الفعلية في موسم حج هذا العام للتحقق من جاهزية الشبكات الكهربائية ومتانتها وموثوقيتها، وقد تبدَّى ذلك جليًا من خلال أكثر من مئة مركز انطلاق موزعة على المشاعر المقدسة والمنطقة المركزية ومناطق إسكان الحجاج بحيث تعمل على مدار الساعة يعمل فيها أكثر من ألفي موظف من المهندسين والفنيين والمتخصصين الوطنيين من ذوي الكفاءات العالية تدريبًا وتأهيلا ترافقهم فرق ميدانية فنية من الطوارئ والصيانة لمحطات التوليد وخطوط النقل تستخدم أنظمة معلوماتية وجغرافية وتقنية متطورة. ومن أجل تيسير التنقل والحركة وتنظيم انتقال ضيوف الرحمن بين المشاعر المقدسة فلا بد أن يأتي قطار المشاعر ودوره الذي يسهم به في إثراء تجربة الحجيج وتنظيم تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة ويجعل أداء مناسكهم أكثر سلاسة وراحة وطمأنينة ومرونة ويسرًا، وهذا القطار يقف في تسع محطات موزعة في المشاعر المقدسة، ترتبط بخط حديدي مزدوج يبلغ طوله ثمانية عشر كيلومترًا، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للقطار حوالي إثنين وسبعين ألف راكب في الساعة في الاتجاه الواحد ويقوم بأكثر من ألفي رحلة في اليوم، وتبلغ سرعته حوالي ثمانين كيلومترًا في الساعة، ويقطع المسافة بين منى وعرفات خلال قرابة عشرين دقيقة مما يعتبر وقتًا قصيرًا مقارنة بوسائل النقل الأخرى إذ يسهم في إزاحة ما يقارب الخمسين ألف حافلة ركاب من الطرق أثناء موسم الحج، وهو ما يقلل من الازدحامات والاختناقات المرورية من جهة ويسهم في تخفيض الانبعاثات الكربونية الملوثة من جهة أخرى. ومن الجديد بالذكر ونحن بصدد الإشارة لإسهامات ودور الجهات المعنية في نجاحات مواسم الحج فقد قامت وزارة الحج من جانبها في العام الماضي بعدة إجراءات لتحسين البنية التحتية الكهربائية لخدمة الحجاج في مواسم الحج لهذا العام والتحسب لأعوام قادمة، ومنها: زيادة حجم القدرات الكهربائية الإجمالية في المواقع الرئيسة للحج مثل مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، إلى جانب إنشاء محطات توليد وتطوير شبكات توزيع من أجل ضمان الطاقة الكهربائية وتحسين موثوقيتها وجودتها وتلافي انقطاعاتها، كذلك تركيب أنظمة إنارة محسنة ومرشدة في المناطق الحيوية وفي المساجد والطرق والمخيمات والمرافق الصحية من أجل تسهيل حركة الحجاج وتنقلاتهم، كذلك تركيب ألواح شمسية كهرضوئية في بعض المواقع كمصدر طاقة متجددة نظيفة ومستدامة. كما عملت الوزارة على خطط طوارئ لتفادي أي انقطاعات كهربائية محتملة قد تحدث أثناء موسم الحج. وفي الختام، نجد أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ومتابعة ولي عهده الأمين لم تأل جهدًا ولم تدخر وسعًا في توفير كافة الإمكانات والسبل لجعل الحج في كل عام أكثر طمأنينة وسلامة وأمنا وأوفر سهولة وراحة ويسرا. * الأستاذ في جامعة الملك سعود