مملكتنا الغالية تتمتع بأرض واسعة الأرجاء، مترامية الأطراف أفاء الله عليها من فضله بنعم وفيرة وخيرات كثيرة، وفوق هذا وذلك شرفها المولى - جل وعلا - بأن تكون سادنة وخادمة لبيته العتيق ومسجد نبيه الكريم، وأن تنعم بين ربوعها وتخومها بنعمة الأمن والأمان والسلامة والسلام، جمع شتاتها ورسَّخ أركانها ووطد دعائمها أسطورة المجد وموحد الجزيرة المؤسس الفذ الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه وأكرم مثواه -. ومن جملة النعم والخيرات التي أفاء بها الرب تبارك وتعالى على هذه البلاد الخيّرة الآمنة المطمئنَّة بجانب الثروات النفطية والغازية والسمكية والحيوانية والزراعية لهي الثروة المعدنية المخزونة في باطن أراضيها وصخور جبالها وأغوار بحارها والتي جعلتها تنال شهرة واسعة وتتبوأ مكانة عالية بين دول العالم أجمع، ما جعل قطاع التعدين إلى جانب القطاعات الأخرى بالمملكة يسهم إسهامًا حيويًا بارزًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتطوُّر الصناعي بالمملكة. ويوجد الكثير من تلك الثروات الثمينة مثل الذهب والفضة والزنك والبوكسيت والنحاس والكوبالت الفوسفات والنيكل والحجر الجيري والبوتاس إلى جانب الرواسب الأرضية النادرة في الدرع العربي غرب المملكة، حيث يصل حجم الموارد المعدنية بها لما يقرب من عشرين مليون طن، سواءً من الذهب أو المعادن النفيسة الأخرى، ومن هنا يلاحظ أن أراضي المملكة تزخر بفضل الله بالكثير من الثروات المعدنية النفيسة التي تدخل في صناعة الكثير من المعدات والآلات الصناعية التي لا يمكن حصرها أو تعدادها أو تحديدها، وهذا بالطبع ما يُحوِّل المملكة لتكون مركزًا عالميًا رئيسًا لإنتاج وتصنيع المعادن وذلك انطلاقاً من رؤية المملكة 2030 وخططها لتنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة حيث حددت الرؤية أن التعدين هو الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية. وللعمل على تنمية القطاع الصناعي وتطويره فقد تبنت المملكة مجموعة من المبادرات الفاعلة والخطوات السريعة من أجل تطوير قطاع التعدين، تضمنت تنفيذ العديد من الخطط الرامية لإيجاد بيئة نشطة ومحفزة تساعد على تطوير قطاع التعدين منها إصدار قانون الاستثمار التعديني لتسهيل عملية الحصول على التراخيص، وتقليل التأثير البيئي لعمليات التعدين، وتعظيم الاستفادة من الفوائد للمجتمعات المحلية، وإطلاق برنامج المسح الجيولوجي لتوفير معلومات وبيانات جيولوجية شاملة على مدى ثمانين عامًا، حيث يتم تحميلها على الفور من برنامج المسح إلى قاعدة البيانات. كما أن ثمَّة خطواتٍ جادة وحثيثة تمثلت في جذب الاستثمارات العالمية عالية الجودة من خلال توفير حوافز قوية جاذبة وتشجيع المستثمرين المؤسسين على تمويل استكشاف الثروات المعدنية وإنتاجها، والتفكير على المدى الطويل من أجل جلب مستثمرين جدد مثل صناديق الثروة السيادية، حيث أطلقت المملكة شركة منارة للمعادن، بالشراكة بين شركة التعدين الوطنية "معادن" وصندوق الاستثمارات العامة؛ للاستثمار في الأصول المعدنية عالميًا لتوفير المعادن المطلوبة لتحقيق التحول الصناعي ومتانة سلاسل التوريد. كما أن صندوق التنمية الصناعية السعودي يُموِّل مشاريع الاستكشاف والتعدين المتقدمة لجميع المعادن بنسبة تصل إلى 75 ٪ من تكاليف المشاريع المؤهلة، ويقدم منتجات تمويل للتصنيع المتوسط والأدنى والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والرقمنة والطاقة المتجددة، وزيادة المحتوى المحلي. كما أن التوسع السريع في تطوير البنية التحتية مثل وسائل النقل والطرق والموانئ والمطارات سيسهم في تحفيز الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، هذا فضلاً عن أنَّ الموقع الإستراتيجي للمملكة على الخريطة العالمية كبوابة للتجارة والاستثمار بين الشرق والغرب يوفر للمستثمرين الأجانب وصولاً سهلاً ويسيرًا إلى سوق واسع ومتنوع في المنطقة. ولقد ذكر مصدر مسؤول في وزارة الصناعة والثروة المعدنية أن الاستثمارات في التطورات التقنية في قطاع التعدين أمر حاسم للغاية، فالتقنية كانت دائمًا الحل الأمثل لمواجهة الطلب المتزايد على المعادن، وستسهم الشراكة الأخيرة بين شركة "معادن" الرائدة في صناعة التعدين في المملكة وشركة "إيفانهو إلكتريك" وهي شركة أمريكية تجمع بين تقنيات التنقيب عن المعادن المتقدمة ومشاريع استكشاف المعادن الكهربائية وذلك لغرض تسريع استكشاف أراضي المملكة والمساهمة في تحقيق مستهدفات الرؤية. وأخيرًا، إن ما عمل من أنظمة وسُنَّ من تشريعات سيسهم بلا شك في نمو قطاع التعدين بالمملكة وجذب الاستثمارات النوعية فيه بدءًا بنظام الاستثمار التعديني الجديد الذي يتميز بالشفافية العالية ويسهم في تعزيز وتنمية المجتمعات وتقليل الآثار على البيئة وحمايتها، وتحفيز الصناعات المرتبطة بالمعادن، ووصولًا إلى تحقيق بيئة محفزة تراعي احتياجات الاستثمارات التعدينية التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة، ورؤية استثمارية طويلة، وحاجة لثبات الأنظمة والتشريعات، ووضوح السياسات المالية بما يضمن تقليل المخاطر لهذا النوع من الاستثمارات، ويكون قادرًا على إحداث التأثيرات المطلوبة منه. ومن المعروف أن وزارة الصناعة والثروة المعدنية - في سبيل تحقيق مستهدفاتها لقطاع التعدين - قد حققت العديد من المكتسبات لعل من أبرزها بدء العمل بنظام الاستثمار التعديني الجديد، وتدشين منصة "تعدين" الإلكترونية، لتوفير البيانات الجيولوجية والجيوفيزيائية وتيسير إجراءات إصدار الرخص التعدينية وإطلاق قاعدة البيانات الوطنية لعلوم الأرض والبدء في تنفيذ مشروع المسح الجيولوجي العامّ الذي يغطي 600 ألف كيلو متر مربع، وإطلاق مبادرة الاستكشاف المسرّع لإجراء المسوح وتحديد مواقع المعادن الإستراتيجية واستكشاف وتطوير مناطق المعادن الواعدة، وتأسيس شركة لخدمات التعدين ترنو نحو الارتقاء بالخدمات المقدّمة للقطاع وتعزيز قدراته التنافسية وتحقيق متطلبات الامتثال والاستدامة. * جامعة الملك سعود