نحمد الله سبحانه وتعالى أن حبانا بمملكة واسعة الأرجاء مترامية الأطراف أفاء الله عليها بنعم كثيرة وخيرات وفيرة، أرض أنعم الله عليها بدين الإسلام وسدانة بيته الحرام ونشر في ربوعها نعمة الأمن والأمان، جمع شملها ووطد دعائمها ورسخ أركانها المؤسس الفذ وأسطورة المجد وأسد الجزيرة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وأكرم مثواه. وسيكون مجال هذا المقال الحديث عن إحدى الثروات التي حباها المولى جل وعلا لهذه المملكة السعيدة الخيِّرة الآمنة المطمئنَّة بجانب الثروات النفطية والغازية والسمكية والحيوانية والزراعية، وهي التركيز هنا على الثروات المعدنية الثمينة المخزونة في باطن أراضيها وصخور جبالها وأغوار بحارها والتي جعلتها تنال شهرة واسعة وتتبوأ مكانة عالية محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا مما جعل قطاع التعدين إلى جانب القطاعات الأخرى بالمملكة يسهم إسهامًا بارزًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتطوُّر الصناعي بالمملكة، ويوجد الكثير من تلك الثروات الثمينة مثل الذهب والفضة والزنك والبوكسيت والنحاس والكوبالت الفوسفات والنيكل والحجر الجيري والبوتاس هذا إلى جانب الرواسب الأرضية النادرة في الدرع العربي غرب المملكة، حيث يصل حجم الموارد المعدنية بها لما يقرب من 20 مليون طن سواء من الذهب أو المعادن النفيسة الأخرى، كما يوجد بها نحو 60 مليون طن من النحاس، ومن هنا نلاحظ أن أراضي المملكة مليئة بفضل الله بالكثير من الثروات المعدنية النفيسة التي تدخل في صناعة الكثير من المعدات الصناعية، التي لا يمكن حصرها أو تحديدها. ومن الجدير بالذكر أن تاريخ الثروة المعدنية والمناجم في المملكة تاريخ عريق ممتد منذ مئات السنين، حيث تم اكتشاف الكثير من مناجم الذهب المختلفة، ومن الملاحظ أن كلاً من أعمال التعدين والمناجم بدأت منذ عهد المغفور له الملك عبدالعزيز حيث تم استغلال منجم مهد الذهب الذي يُعد من أكبر المناجم التي تحتوي على كميات وفيرة من معدن الذهب يجعل المملكة هي الأكثر إنتاجًا له، والدليل على ذلك أن بها خمسة مناجم هي من أكبر مناجم الذهب في العالم كله، كما أن من الملاحظ أيضًا أن نشاط التعدين في المملكة بدأ بشكل عملي واضح في الستينات من القرن الماضي، وقد جاء بهدف الرغبة في تنويع اقتصاد المملكة وتوزيعه، كما ويلاحظ أيضًا أن المملكة قامت قبل نحو أربعين عاما بإصدار نظام سعودي يخص التعدين، وقامت على إثر ذلك بإنفاق نحو 8.8 بلايين ريال في عام 2002 حيث تم صرف هذه المبالغ على عمليات الاستكشاف والمسح والتنقيب بالإضافة لرسم الكثير من الخرائط الجيولوجية والجيوكيميائية والتنقيب بشكل مكثف عن المعادن، وكما شمل أيضًا على أعمال الحفر في جميع مناطق وأنحاء المملكة، وفي نطاق عملية تطوير وتحديث قطاع التعدين والثروة المعدنية في المملكة تم إنشاء الشركة السعودية للتعدين (معادن) بموجب مرسوم ملكي صادر برقم 17 وتاريخ 14 /11/ 1417، وتُعد هذه الشركة إحدى الشركات السعودية التي تتسم بشخصية معنوية ولديها ذمة مالية مستقلة وتمتلك رأسمال خاص بها يبلغ مقداره نحو أربعة مليارات ريال، ويرتكز اهتمام هذه الشركة في الأساس على تشغيل مجموعة كبيرة من المناجم التي يصل عددها لنحو خمسة مناجم للذهب ومن أشهرها مهد الذهب (المدينةالمنورة) والصخيبرات (القصيم) وبلغة (جنوبالمدينة) والحجار (عسير) والأمار (منطقة الرياض)، وتسعى هذه الشركة أيضًا لتوسيع عملياتها وأنشطتها التعدينية من أجل تطوير الفوسفات ولكي يشمل مشروع الألمنيوم وغيره من المشاريع الأخرى التي تشتمل على معادن الأساس، وكذلك المعادن النفسية، ومن الجدير بالذكر أن شركة «معادن» تتعاون مع الحكومة من أجل القيام بوضع إطار تنظيمي ليقوم بإدارة وتنظيم صناعة التعدين في المملكة، ولا شك أن تطوير قطاع التعدين سيكون أحد مصادر التمويل الرئيسة ضمن إستراتيجية المملكة لتنويع مصادر الدخل، بإطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة، ومنصة لوجستية عالمية، وهذا من شأنه أن يجعل المملكة بوصفها مركزًا تجاريًا عالميًا إلى أن تصبح بوابة تمكين للتنمية والاستفادة من مواردها المالية والبنية التحتية المتطورة والسوق المحلية القوية والاقتصاد المتنوع مع الطلب المتزايد على المعادن الخالية من الكربون، وهذا بلا شك سيمكن المملكة من تنفيذ مبادرات الإستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات التعدينية، واستكمال مسيرة النهوض بقطاع التعدين على مدى الأعوام المقبلة ليصبح، بحسب مستهدفات الرؤية، الركيزة الثالثة للاقتصاد والصناعة الوطنية، وتأتي أهمية التعدين استشعارًا من المملكة بأهمية قطاع التعدين في العالم وتأثيره في الانتعاش الاقتصادي، وأثره الكبير في مستقبل العديد من الصناعات التي تمثّل أولوية كبيرة وذلك بالعمل على إبراز الإمكانات الكبيرة والواعدة في مجال التعدين والمعادن والصناعات التعدينية التي تنعم بها مناطق الشرق الأوسط، وغرب ووسط آسيا، وقارة إفريقيا، وتحتلّ المملكة موقعًا إستراتيجيًا بين هذه الدول مجتمعة. وأخيرًا، إن ما عمل من أنظمة وتشريعات ستسهم بلا شك في نمو قطاع التعدين وجذب الاستثمارات النوعية فيه، بدءًا بنظام الاستثمار التعديني الجديد الذي يتميز بالشفافية العالية، ويسهم في تعزيز وتنمية المجتمعات، وتقليل الآثار على البيئة وحمايتها، وتحفيز الصناعات المرتبطة بالمعادن، ووصولًا إلى تحقيق بيئة محفزة تراعي احتياجات الاستثمارات التعدينية التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة، ونظرة استثمارية طويلة، وحاجتها لثبات الأنظمة والتشريعات، ووضوح السياسات المالية بما يضمن تقليل المخاطر لهذا النوع من الاستثمارات، ويكون قادرًا على إحداث التأثير المطلوب منه، ومن المعروف أن وزارة الصناعة والثروة الممعدنية - في سبيل تحقيق مستهدفاتها بقطاع التعدين - فقد حققت العديد من المكتسبات لعل من أبرزها بدء العمل بنظام الاستثمار التعديني الجديد، وتدشين منصة «تعدين» الإلكترونية، لتوفير البيانات الجيولوجية، وتيسير إجراءات إصدار الرخص التعدينية، وإطلاق قاعدة البيانات الوطنية لعلوم الأرض، والبدء في تنفيذ مشروع المسح الجيولوجي العامّ، الذي يغطي 600 ألف كيلومتر مربع، وإطلاق مبادرة الاستكشاف المسرّع، لإجراء المسوح، وتقييم مواقع المعادن الإستراتيجية، واستكشاف وتطوير مناطق المعادن الواعدة، وتأسيس شركة لخدمات التعدين بهدف الارتقاء بالخدمات المقدّمة للقطاع وتعزيز قدرته التنافسية، وتحقيق متطلبات الامتثال والاستدامة. *جامعة الملك سعود