مملكتنا الغالية حباها الله بأرض واسعة الأرجاء مترامية الأطراف وأفاء عليها بخيرات كثيرة ونعم وفيرة، وفوق هذا وذلك حظيت بأن تكون خادمة وسادنة لبيته العتيق ومسجد نبيه الكريم تنعم بين ربوعها بنعمة الأمن والأمان والسلامة والسلام، جمع شملها ووطد دعائمها ورسخ أركانها أسطورة المجد وأسد الجزيرة المؤسس الفذ الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه وأكرم مثواه-. وسيكون مجال الحديث هنا عما تمخض عنه مؤتمر التعدين الدولي في نسخته الثالثة الذي عقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- يوم الأربعاء العاشر من شهر يناير وعلى مدى يومين في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض، والذي حضره جمع كبير من القادة وصناع القرار في القطاعات الصناعية من مختلف دول العالم، والمعادن هي إحدى الثروات التي حباها المولى جل وعلا لهذه المملكة السعيدة الخيِّرة الآمنة المطمئنَّة بجانب الثروات النفطية والغازية والسمكية والحيوانية والزراعية، وكانت محاور المؤتمر تركز على الثروات المعدنية الثمينة المخزونة في باطن أراضيها وصخور جبالها وأغوار بحارها والتي جعلتها تتبوأ مكانة علية وتنال شهرة واسعة، ما جعل قطاع التعدين إلى جانب القطاعات الأخرى بالمملكة يسهم إسهامًا حيويًا بارزًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتطوُّر الصناعي بالمملكة. ويوجد الكثير من تلك الثروات الثمينة مثل الذهب والفضة والزنك والبوكسيت والنحاس والكوبالت الفوسفات والنيكل والحجر الجيري والبوتاس هذا إلى جانب الرواسب الأرضية النادرة في الدرع العربي غرب المملكة، حيث يصل حجم الموارد المعدنية بها لما يقرب من 20 مليون طن سواءً من الذهب أو المعادن النفيسة الأخرى، كما يوجد بها نحو 60 مليون طن من النحاس، ومن هنا نلاحظ أن أراضي المملكة تزخر بفضل الله بالكثير من الثروات المعدنية النفيسة التي تدخل في صناعة الكثير من المعدات الصناعية التي لا يمكن حصرها أو تحديدها. وفي المؤتمر تم الإعلان عن أن قيمة الثروات المعدنية المقدرة في المملكة ارتفعت بنسبة 90 % لتصل إلى ما يعادل 9.375 تريليونات ريال، وذلك مقارنة بما تم الإعلان عنه من تقديرات في عام 2016، والبالغة في ذلك الوقت ب5 تريليونات ريال، وهذه الزيادة تمثل كميات إضافية تشمل اكتشافات جديدة للعناصر الأرضية النادرة والمعادن الانتقالية، إضافة إلى زيادات هائلة في خامات أخرى كالفوسفات والنحاس والزنك والزنك والرصاص والقصدير والألمنيوم وفلزات حديدية مثل: الحديد والنيكل والكوبالت والكروم، وفلزات ثمينة، مثل: الذهب والفضة والبلاتين، وغيرها من المعادن، كما تشمل الزيادة إعادة تقييم الأسعار العادلة. كما تم الإعلان إلى أن النتائج التي تم الإفصاح عنها أتت نتيجة للجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية من خلال عمليات المسح والتنقيب والاستكشاف الجيولوجي التعديني، إضافة إلى الجهود الكبيرة التي بذلت في إصدار تراخيص الاستكشاف عن المعادن التي تضاعفت خلال السنوات الثلاث الماضية بأربعة أضعاف مقارنة بعدد التراخيص خلال السنوات الست التي سبقت صدور نظام الاستثمار التعديني الجديد الذي أسهم في رفع حجم الإنفاق على الاستكشاف من 70 ريالاً إلى 180 ريالاً لكل كيلومتر مربع، الأمر الذي يؤكد جدوى وفعالية الاستثمار في عمليات المسح والاستكشاف التعديني. ومن الجدير بالذكر أن تاريخ المناجم والثروات المعدنية في المملكة تاريخ عريق ممتد منذ مئات السنين حيث تم اكتشاف الكثير من مناجم الذهب المختلفة، ومن الملاحظ أن أعمال المناجم والتعدين بدأت منذ عهد المغفور له الملك عبد العزيز، حيث تم استغلال منجم مهد الذهب الذي يُعد من أكبر المناجم التي تحتوي على كميات وفيرة من معدن الذهب ما جعل المملكة هي الأكثر إنتاجًا له، والدليل على ذلك أن بها خمسة مناجم هي من أكبر مناجم الذهب في العالم، ومن أشهرها مهد الذهب (المدينةالمنورة)، والصخيبرات (القصيم)، وبلغة (جنوبالمدينة)، والحجار (عسير)، والأمار (منطقة الرياض). ولا شك أن تطوير قطاع التعدين سيكون أحد مصادر التمويل الرئيسة ضمن إستراتيجية المملكة لتنويع مصادر الدخل، بإطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الذي يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية، وهذا من شأنه أن يجعل المملكة بوصفها مركزًا تجاريًا عالميًا أن تصبح بوابة للاستفادة من مواردها المالية والبنى التحتية المتطورة والسوق المحلية القوية والاقتصاد المتنوع مع الطلب المتزايد على المعادن الخالية من الكربون، وهذا بلا شك سيمكن المملكة من تنفيذ مبادرات الإستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات التعدينية واستكمال مسيرة النهوض بقطاع التعدين على مدى الأعوام المقبلة ليصبح -بحسب مستهدفات الرؤية- الركيزة الثالثة للاقتصاد والصناعة الوطنية، وتأتي أهمية التعدين استشعارًا من المملكة بأهمية قطاع التعدين في العالم وتأثيره في الانتعاش الاقتصادي، وأثره الكبير في مستقبل العديد من الصناعات التي تمثّل أولوية كبيرة وذلك بالعمل على إبراز الإمكانات الكبيرة والواعدة في مجال التعدين والمعادن والصناعات التعدينية التي تنعم بها مناطق الشرق الأوسط، وغرب ووسط آسيا، وقارة أفريقيا، وتحتلّ المملكة موقعًا إستراتيجيًا بين هذه الدول مجتمعة. وأخيرًا، إن ما عمل من أنظمة وتشريعات ستسهم بلا شك في نمو قطاع التعدين بالمملكة وجذب الاستثمارات النوعية فيه، بدءًا بنظام الاستثمار التعديني الجديد الذي يتميز بالشفافية العالية ويسهم في تعزيز وتنمية المجتمعات، وتقليل الآثار على البيئة وحمايتها، وتحفيز الصناعات المرتبطة بالمعادن، ووصولًا إلى تحقيق بيئة محفزة تراعي احتياجات الاستثمارات التعدينية التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة، ورؤية استثمارية طويلة، وحاجة لثبات الأنظمة والتشريعات، ووضوح السياسات المالية بما يضمن تقليل المخاطر لهذا النوع من الاستثمارات، ويكون قادرًا على إحداث التأثيرات المطلوبة منه. ومن المعروف أن وزارة الصناعة والثروة المعدنية -في سبيل تحقيق مستهدفاتها بقطاع التعدين- قد حققت العديد من المكتسبات لعل من أبرزها بدء العمل بنظام الاستثمار التعديني الجديد، وتدشين منصة "تعدين" الإلكترونية، لتوفير البيانات الجيولوجية وتيسير إجراءات إصدار الرخص التعدينية وإطلاق قاعدة البيانات الوطنية لعلوم الأرض والبدء في تنفيذ مشروع المسح الجيولوجي العامّ الذي يغطي 600 ألف كيلومتر مربع وإطلاق مبادرة الاستكشاف المسرّع لإجراء المسوح وتقييم مواقع المعادن الإستراتيجية واستكشاف وتطوير مناطق المعادن الواعدة وتأسيس شركة لخدمات التعدين بهدف الارتقاء بالخدمات المقدّمة للقطاع وتعزيز قدراته التنافسية وتحقيق متطلبات الامتثال والاستدامة. * جامعة الملك سعود