عالم متسارع نعيش فيه، حتى تعاملنا مع الأحداث الدرامية أصبح سريعا، تغيرت أنماط وثقافة حياتنا، كنا بالسابق إذا تابعنا عملا دراميا ننتظر حلقات مسلسله من يوم لآخر، جيلنا تعود على أنماط مختلفة، قبل عام 1990 وهو عام ثورة القنوات الفضائية، كنا مرتبطين بالتلفزيون الرسمي، نتفاعل معه حسبما يريد، وهنا تحضرني جملة شهيرة للممثل الراحل محمد العلي بمسرحية تحت الكراسي، عندما وصف جهاز (الفيديو) وهو الجهاز الذي لا يعرفه إلا من عاصره، أنه قال - رحمه الله - (الفيديو تشاهد فيه على كيفك وليس بكيفهم وحسب مزاجهم) ويقصد التلفزيون الرسمي في تلك الفترة، الذي كان الوسيلة تقريبا الوحيدة في موضوع الترفيه التلفزيوني. ولأننا في عالم متسارع سأنتقل إلى آفاق أعلى ولمستقبل مختلف في مجال الترفيه التلفزيوني، حاليا نعيش ثقافة نتفليكس أو بمعنى عام ثقافة المنصات التلفزيونية الرقمية، بعد أن انتقلنا من ثورة الفضائيات التي عشنا تفاصيلها بذهول وإعجاب وتخويف وصل أيام سيطرة الصحوة لاعتبار أن الفضائيات هي الشيطان الذي سيتغلغل داخل بيوتنا وينثر الفساد والسموم، ووصل الأمر لمحاربته لاستخدام بنادق الصيد للجهاد ضد الصحون الفضائية وإصابة رؤس بثها من على أسطح المنازل واعتبار أن الشارع الذي تباع به مستلزمات البث الفضائي هو رسميا بمدينة الرياض (شارع إبليس)! نحن في زمن أصبحنا ومنذ تقريبا ثورة نتفليكس لا نتعامل مع الدراما بصورة هادئة وسلسة، تعودنا مع اقتصار المسلسلات الدرامية التي تعرض على المنصات التلفزيونية بعدد محدود من الحلقات وليس التمطيط الذي تعودنا عليه بالتلفزيون بمتوسط حلقات 30 حلقة، أن نشاهد حلقات درامية لا تتجاوز بمتوسط عشر حلقات تقريبا، فنجد أنفسنا مع عصر السرعة والتحكم بهذه المنصات، نشاهد عددا كبيرا من ساعات الأعمال الدرامية وبدون مبالغة خلال يوم أو يومين، وهذه ناحية تؤكد العصر المتسارع الذي نعيش فيه وعدم انتظارنا والصبر وأحيانا نفتقد الكثير من المتع الفنية بهذا الخصوص. ربع مليار مشترك في منصة نتفليكس ويقابله 3 ملايين مشترك بمنصة شاهد الأحدث والأبرز عربيا بالوقت الحاضر، مبالغ مالية مقابل المشاهدة وأسهم ترتفع وتهبط، وأفكار متعددة وتخطيط مستقبلي لشاهد للوصول إلى 6 ملايين مشاهد عام 2026، جميعا دراسات تسويقية، ولكن هل بالفعل ستصمد هذه المنصات أمام المشاهدة المجانية أو الاشتراكات للقنوات المشفرة، الواقع يقول إن حالة نتفليكس تعطينا مؤشرا غير إيجابي مع انسحاب الكثير من المشتركين، والحال ينطبق على المنصات العربية، فالملاحظ أن (الكم) يطغى على (النوعية الجيدة) صحيح فيه تلهف على المشاهدة ولكن أكثر الأعمال الدرامية على (شاهد) نجدها ضعيفة جدا ولا تعطي مؤشر إيجابي بالمستقبل، من المهم عند عمل الدراسات التسويقية أن يكون المحتوى هو الأساس، الأمر ليس مجرد منصة تعرض الأعمال الدرامية، هي وسيلة من الكثير من الخيارات للمشاهدين والتخلي عنها ليس صعب، لذا أرى أن المؤشرات بالوقت الحالي لا تعطي تفاؤلا بالمستقبل إذا لم يحصل التطوير بالمحتوى.