هل يمكن لمباراة كرة قدم أن تحمل من المعاني والدلالات ما يتخطى حاجز أرض الملعب والجماهير؟ الإجابة نعم، بالطبع وهذا ما سوف نشهده جميعًا مع انطلاق صافرة الحكم لبدء مباراة الخميس، بين نجوم الهلال والنصر في مواجهة باريس سان جيرمان. المباراة تاريخية بلا شك، وتمثل ثمرة جهد طويل ومضنٍ من الأجهزة التنظيمية والإدارية في المملكة التي تسعى دائمًا لتقديم فعاليات رياضية وثقافية وفنية تليق بالوطن وتُعبر عنه دون الالتفات لصور نمطية عفا عليها الزمن. الجميع يترقب مباراة الليلة، وخاصة متابعي كرة القدم الواثقين تمامًا من الأداء المميز الذي سيقدمه لاعبونا مشهودو البراعة، من تجذب مواسمهم الرياضية أنظار العالم وتستقطب أسماء كُبرى للمشاركة في اللعبة والالتحام مع دوري المحترفين، لتُصبح لعبتنا المحلية المتقنة متعة عالمية بحق. لكن الإنجاز الرياضي لا يعد بأي حال الدلالة الوحيدة الممكن استنباطها من عقد المباراة في هذا التوقيت بالذات؛ علينا أيضًا النظر للمباراة بوصفها تجليا لقوتنا الناعمة، ودليلا قاطعا على براعة وثقل أعضاء فرق العلاقات العامة لدينا وقدرتهم على اتخاذ قرارات وعقد شراكات تمكننا من طرح رؤية حقيقية وصادقة للمملكة. يمكننا بلا شك أن نصف تلك المباراة بأنها مباراة موسم الرياض بامتياز، حيث إنها لا ترتبط بفعالية رياضية أعم وأشمل أو بطولة محددة، ولكنها تُرسخ للاحتفاء بمدينتنا وأوجهها المتعددة؛ الثقافية والرياضية والعلمية والثقافية، ونؤكد هنا على احترافية فريق العلاقات العامة لموسم الرياض الذي أدى أداء غير اعتيادي أسفر عن مباراة تاريخية ننتظرها جميعًا خلال ساعات لا أكثر. عقد المباراة بالتزامن مع موسم الرياض ليس كل شيء، بل هناك حس ابتكاري في استغلال الفعالية بشكل مثالي لصالح المملكة والعاصمة ولصالح المشهد الرياضي لدينا بشكل عام، إذ تم تنسيق بث المباراة التي تتضمن أسماء كبيرة ك (كريستيانو رونالدو، وميسي، وراموس، ونيمار، وغيرهم) عبر شبكات بي إن سبورت، المعروفة بجمهورها الكبير. الجمهور ذاك ما يزال ينبض بحماسة اللعبة التي لم تبارحه منذ انتهاء مباريات كأس العالم، وما يزال متعطشًا لأداء كروي مميز سوف يجده بلا شك في منافسة نجوم الهلال والنصر وباريس سان جيرمان، لا بالعربية فقط، إنما كذلك بالإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى استديوهات تحليلية تضع المشاهد العالمي إلى جوار مشجعنا السعودي وتساعده على إدراك عمق وتفرد المشهد الرياضي لدينا. لنظره أكثر اتساعًا علينا أن نضع الجمهور السعودي ذاته في عين الاعتبار، فجمهور الرياضة في المملكة وجمهور كرة القدم على وجه الخصوص أصبح أحد عناصر ارتكاز وقوة أي مشهد رياضي يحدث على أرضنا، إذ أنه يتمتع بوعي كبير وذائقة رفيعة المستوى للعبة الاحترافية بصرف النظر عن الانتماء الرياضي أو حتى الوطني، وندلل هنا على نضج هذه الجماهير ووعيها بمباراة نهائي السوبر الإسباني التي عقدت ها هنا وكأنها تُلعب على الأراضي الإسبانية. في مباراة السوبر الإسباني، الملاعب كاملة العدد والجماهير في حماسة شديدة، تفاعل واعٍ وصادق مع الكرة الاحترافية بصرف النظر عن الخلفيات أو أي تعقيدات أخرى، جمهورنا ذاك هو الضمانة الراسخة والجواد الرابح لا محال في تحدي نجاح الفعاليات الرياضية، فالحماسة مُعدية، والمشهد المبهر للمدرجات في مباراة إسبانيا متوقع تكراره في المناسبات الرياضية القادمة، وكل لُعبة جيدة تستحق عن جدارة الاهتمام والتشجيع. نحن نشهد بالتدريج عملية تحول محورية تحدث في الصورة الذهنية المحلية والعالمية لمدينة الرياض، من مدينة سياحية وعاصمة ذات ثقل عالمي إلى وجه رياضية كذلك، سوف يرتبط اسمها تاريخيًا بعدد من المواجهات الرياضية غير المسبوقة، كما لها أن تتحول لوجهة كذلك للاعبين الدوليين والأسماء البراقة، كريستيانو رونالدو بالتأكيد ليس الاسم الأخير في قائمة لاعبي الصفوف الأولى ممن قد ترتبط أسماؤهم بأندية دوري المحترفين ويخطوا لأنفسهم فصولا جديدة لامعة وخالدة في المسيرة الكروية. ذلك التحول هو النتيجة الطبيعية للكفاءة والمثابرة والجدية والالتزام والمعايير القياسية التي تلتزم بها المملكة في شتى القطاعات لتخلق مناخا رياضيا اجتماعيا ملائما للمنافسة العالمية، في الرياض وخارج الرياض وما نأمله اليوم أن نظل على الدرب، خطوة تلو الأخرى نقدم أفضل ما لدينا، خاصة خلال المرحلة المقبلة، إذ بتنا بحاجة إلى ملاعب أكثر تطورًا وأكثر جاهزية لاستقبال مثل هذا الزخم، وجهود للتخطيط والتنفيذ تضمن كفاءة مخرجات خُطط التوسع في البُنى التحتية الرياضية، بما يليق بنا وما يليق بجمهورنا وزوارنا.