مررت بالعديد من التجارب القاسية في حياتي، وجملة من العثرات والسقطات والفشل. وإني لأعتبر نفسي محظوظاً جداً بهذا الطريق الذي اختاره الله لي. فلقد استكشفت نفسي، وتعلّمت كثيراً من أخطائي وتجاربي، وأصبح للحياة معنىً لم أتذوقه قبل كل تلك المحن. ولكن أكبر التحوّلات في حياتي كانت قدوم (ابنتي قمر) من ذوي متلازمة داون، ومن الأشخاص ذوي الإعاقة. لقد علّمتني (قمر)، تماماً، مثل أختها (رغد)، معاني جديدة للأشياء، وأعطتني منظوراً جديداً للأمور، ووهبتني الصبر، والهدوء، وقدّمت لي أكثر مما قدمت لها. لقد جعلتني أكثر إنسانية، وقناعة. وغرست فيّ العطاء، والتأمّل، والحب بالرغم من الصعوبات التي يواجهها الوالدان في تربية الأشخاص من هذه الفئة والعمل على توفير احتياجاتهم المادية والمعنوية وحملهم لهموم مستقبلهم مثل الزواج، والتوظيف، والدراسة والعمل. هذه المعاناة التي عشتها مع طفلتي جعلتني أشعر بألم لما يحدث لإخوتنا اليمنيين من إعاقات سببها لهم الحوثي؛ فقد شاهدت أفلاماً وصوراً يقشعرّ لها البدن؛ فالإعاقات التي يشهدها أبناء أشقائنا بسبب استهداف ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران للمدنيين، وذلك من خلال الألغام المزروعة في كل طريق، وكل قرية، وبجوار كل مدرسة ومنشأة حكومية وحيوية موجعة وتثير الأسى. وعلى الرغم من مبادرة (مسام – حياة بلا ألغام) التي أطلقها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالتعاون مع خبراء ومؤسسات يمنية ودولية، وعلى الرغم من إزالة المشروع لحوالي 400 ألف لغم وعبوة ناسفة، إلا أن الجماعات الإرهابية الحوثية المدعومة من إيران، تستهدف الأطفال برصاص القنّاصين من أجل التسلية فقط، وقد سمعت عن قصة طفل استهدفه القنّاصون الحوثيون برصاصة في حبله الشوكي، فلم يعد قادراً على الحركة بعدها، بل إنه لم يستوعب حالته نفسياً بعد، حيث بات يردد باستمرار تساؤله " متى سأستطيع المشي؟"، وذلك أثناء تأهيله في أحد برامج مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. ولقد احتوى موقع مشروع ومبادرة (مسام) مقاطع وتقارير تستفز إنسانية -كل إنسان سويّ- لديه ذرة إنسانية. ولم يكتف مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بمبادراته مثل (مسام) بل قدم العديد من المساعدات الإنسانية التي تمسّ حياة المواطن اليمني بدعم وتوجيه من القيادة السعودية، وخصوصاً للأطفال الذين تعرّضوا لمثل هذه الصدمات التي تتسببت بها جماعة الحوثي لهم بشكل يومي وروتيني. ومن هذه البرامج إعادة تأهيل الأطفال من ذوي الإعاقة، وأهاليهم، ببرامج تأهيلية ونفسية وعلاجية متخصصة في اليمن وفي المملكة وخارجها. وفي الوقت الذي تقوم المملكة فيه بواجبها تجاه الشعب اليمني، ويسلط فيه الإعلام السعودي، والمثقف السعودي الإنسان هذه الأزمة الإنسانية، تسيّس الصحف الغربية والصحفيون الغربيون والناشطون اليساريون حقوق الإنسان في اليمن، وقد عرفت من بعض معارفي أنهم في بعض الصحف العالمية كلهم يتهربون بطرق دبلوماسية من تسليط الضوء على الوضع الإنساني اليمني، وحقوق ذوي الإعاقة في اليمن. كنت أعلم بتحيز هذه الصحف الغربية التي تعمل ليل نهار على تشويه سمعة بلادنا، الدولة الوحيدة التي أخذت زمام المبادرة لتحرير الشعب اليمني بقرار أممي لاستعادة الشرعية والإرادة الشعبية اليمنية والسلطة المسلوبة من جماعة الحوثي، بقوة السلاح، والإرهاب، والتجويع، والقتل، ولكن قلت في نفسي، لعل بعضهم يشعر بعروبته قليلاً، لكنهم يكتفون بالشعارات الإنسانية الزائفة؛ ولذلك أتمنى من المثقف العربي دعم حقوق أطفال اليمن من ذوي الإعاقة بكل السبل المشروعة، فبينما العام يشاهد الأوضاع صامتاً أو موزعاً لصكوك الإنسانية والإرهاب بحسب أهوائه، تقوم المملكة وتحالف استعادة الشرعية بجهود إنسانية عظيمة لا ترجو من ورائها إلا حياة أفضل لشعب اليمن وأطفاله الذين ارتفعت أرقام الإعاقة فيه بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث والقديم، حتى في ظلّ عدم وجود تقارير دقيقة وحديثة. إن إدانة المجتمعات العربية والمجتمع الدولي لما يقوم به الحوثي من جرائم إنسانية ضد الأطفال والنساء والشعب اليمني، واجب إنساني لا يجب التهاون فيه. علينا كمسلمين وعرب أن نكون صوتاً لهم وتعرية الإعلام الكاذب الذي يزيف الوقائع لصالحه ولا يصدع بكلمة الحق للجهود التي يبذلها المخلصون لإخوانهم. محمد بن علي الزهراني