على مدار العقود الماضية، ومنذ اكتشاف النفط في المملكة عام 1933، حينما وقّع الملك عبدالعزيز - رحمه الله - اتفاقيةً التنقيب مع شركة ستاندرد أويل أوف الأميركية، والتي أصبحت فيما بعد نواة لأكبر شركة نفط في العالم (أرامكو)، وحتى الوقت الراهن، تؤدي المملكة دورًا محوريًا ومهمًا في سوق الطاقة العالمية، فهي أكبر مصدّر للنفط عالميًا، وأكبر عضو منتج للخام في منظمة أوبك، رغم أن بدايات المملكة اللاعب الرئيسي والمحوري في سوق الطاقة العالمية حاليًا لم تكن سهلة في الوصول إلى الذهب الأسود بباطن صحرائها، إذ استغرق العثور على الخام منذ توقيع أول اتفاقية للبحث والاستكشاف سنوات عديدة.. الملك عبدالعزيز والعناية بالتنقيب وأولى الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، عنايته بمشروع التنقيب عن الزيت في المملكة، بعد توحيدها، دعمًا للاقتصاد الوطني، إذ تابع بنفسه تطوّر أعمال شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا في المنطقة الشرقية.. وبعد نحو 92 عامًا من التنقيب والتكرير والتصدير، تقود السعودية سوق النفط العالمية، بالتعاون مع منظمة أوبك، وأوبك + بامتياز، إذ حرصت على استقرار السوق النفطية العالمية وإمداده بالنفط بشكل منتظم رغم التحديات التي واجهت عالم الطاقة.. وبعد تدفّق النفط في المملكة بكميات تجارية من بئر الدمام رقم 7، والتي يطلق عليها بئر الخير، صدّرت المملكة أول شحنة من الخام عام 1939، على متن الناقلة "د. جي. سكوفيلد"، والتي أدار الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الصمام بيده لتعبئتها. نشأة الصناعة النفطية وعندما تحتفل المملكة باليوم الوطني ال92 وينعم الشعب برغد العيش والأمن والطمأنينة، لا بد من استرجاع، نشأة الصناعة النفطية والجهود التي بذلها المؤسس عبدالعزيز وسعيه رحمه الله، في وضع اللبنات الأولى لتلك الصناعة الحيوية ومراحل تطورها. ورغم نجاح المملكة في قيادة أسواق النفط والحفاظ على الاستقرار النوعي، طوال على مدار ال92 عامًا، إلّا أنها بدأت بعد اطلاق الرؤية 2030، في تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط مصدرًا رئيسًا ووحيدًا للإيرادات. وتعاملت المملكة في ظل المتغيرات الطارئة في الأسواق النفطية العالمية، بعقلانية من خلال إمكانياتها النفطية الهائلة، حفاظا على استقرار تلك الأسواق، دعما لمصالح كافة الدول المستهلكة والمنتجة للنفط. وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن مجلة أويل آند غاز، ارتفعت احتياطيات النفط للسعودية خلال العام الماضي إلى 261.6 مليار برميل خلال 2021، مقابل 258.6 مليار برميل في 2020. البداية عام 1938 وبدأت المملكة أكبر دولة مصدّرة إنتاجها النفطي عام 1938، عندما بدأ حقل بئر الدمام رقم 7 بضخّ ما يحتويه في أعماقه من النفط السعودي وهو ما كان إيذانًا ببدء تغيير شامل في بُنية الاقتصاد السعودي حيث سعت المملكة وفق سياستها المبنية على التغلب على الأزمات ومواجهتها وحلحلتها بالطرق الآمنة والعقلانية؛ لتجنيب أسواق النفط العالمية الأضرار الناجمة لأي سبب طارئ ومن ثم المحافظة على اقتصاديات دول العالم ومنع اهتزازها، وتلك السياسة الراجحة، ما زالت تحظى بإعجاب دول العالم، وتثمينها لتلك المواقف الثابتة التي تستهدف المحافظة على أسواق النفط واستقرارها، وتستهدف في ذات الوقت المحافظة في إدارة سوق الطاقة العالمي إلى بر الأمان والاستقرار المستدام. حكمة النفط وتؤكد كافة الاجتماعات العادية والاستثنائية والمصيرية ل«أوبك» وشركائها للعالم، حكمة المملكة وبعد نظرها، بعد أن قادت شركاءها في اتفاق «أوبك+» لتبني جهود إيجابية، باعتبار البترول محركا رئيسا للاقتصاد العالمي، حيث ركزت استراتيجية الطاقة السعودية على تعزيز استقرار سوق البترول العالمية وتحقيق التوازن فيها، مع الالتزام بالتطبيق الكامل لاتفاقية باريس، والحفاظ على البيئة، ومكافحة التغيُّر المناخي. المملكة و"أوبك+" وتقود المملكة شركاءها في اتفاق «أوبك+» لتبني جهود إيجابية غير مسبوقةٍ، تشمل خفض الإنتاج والتعويض عن أي زيادة فيه، لتحقيق الاستقرار والتوازن في السوق البترولي العالمي، رغم ما يستدعيه هذا من التزاماتٍ وتضحياتٍ تُحمل المملكة أعباء مالية وفنية لذلك فكانت هذه الطاقة الإنتاجية عنصراً فاعلاً في دعم استقرار الأسواق البترولية ومنع حدوث هزات عنيفة فيها عند الأزمات. ووضعت تصريحات سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان لوكالة بلومبيرغ مؤخرا، والتي كشف فيها أن تذبذب أسواق البترول وضعف السيولة يعطيان إشارات خاطئة للأسواق في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى الوضوح، وضعت النقاط على الحروب، إذ شخّص الامير عبدالعزيز بن سلمان المعضلة النفطية، وطرح الحلول خصوصا عندما تحدث من أن مجموعة أوبك+ أكثر التزاماً ومرونة، ولديها وسائل ضمن إطار آليات إعلان التعاون تمكنها من التعامل مع هذه التحديات، التي تشمل إمكانية خفض الإنتاج في أي وقت، وبطرق مختلفة، وهو ما أثبتته المجموعة مراراً وبوضوح خلال عامي 2020 و2021. وكان سمو وزير الطاقة واضحاً وشفافاً عندما قال إن سوق البترول الآجلة في حلقة سلبية مفرغة ومتكررة تتكون من ضعف شديد في السيولة وتذبذب في الأسواق، تعملان معاً على تقويض أهم الوظائف الأساسية للسوق، ألا وهي الوصول بفاعلية إلى الأسعار المناسبة والصحيحة، وتجعل تكلفة التحوط وإدارة المخاطر كبيرة جداً على المتعاملين في السوق الفورية، ولهذا الوضع تأثيره السلبي الكبير في سلاسة وفاعلية التعامل في أسواق البترول، وأسواق منتجات الطاقة الأخرى، والسلع الأخرى لأنه يُوجِد أنواع جديدة من المخاطر والقلق، وهنا لم يحلل سمو وزير الطاقة وضع الاسواق البترولية فحسب، بل حدد الأسباب بكل صراحة التي أدت للوصول إلى هذه السلبية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أوضح سموه أن هذه الحلقة تزداد سلبية مع المزاعم التي لا تستند إلى دليل في الواقع حول انخفاض الطلب في السوق، والأخبار المتكررة بشأن عودة كميات كبيرة من الإمدادات إلى الأسواق، والغموض وعدم اليقين بشأن الآثار المحتملة لوضع حد سعري على البترول الخام ومنتجاته، وإجراءات الحظر، وفرض العقوبات. البترول العنصر العالمي وترى المملكة أن البترول كان ولا يزال عنصراً مهماً، وحاجة دول العالم له ستستمر لفترة من الزمن في المستقبل، ويقتضي استقرار الاقتصاد العالمي تطوير أساليب تُعزز كفاءة إنتاج البترول واستهلاكه، وتُخفض الانبعاثات التي تصدر عنه، وليس على وقف الاستثمارات فيه. ورغم المحاولات المستميتة من قبل الدول المتقدمة للبحث عن وسائل متجددة لتوليد الطاقة، إلا أن النفط ما زال المصدر الأساسي للطاقة في العالم. الحفاظ على حقوق المستهلكين والمنتجين ونجحت المملكة في قيادة تحالف أوبك بلس والعبور به إلى بر الأمان، وساهمت في استقرار أسعار الطاقة العالمية، وحافظت على حقوق المستهلكين والمنتجين، محققة توازنًا بين العرض والطلب في أسواق النفط في الفترة الماضية. فوفقا لأحدث الأرقام فإن النفط ما زال يشكل أهم مصدر للطاقة في العالم ويوفر أكثر من ثلث احتياجات العالم من الطاقة. ومنذ بداية نشوب حرب روسيا ضد أوكرانيا في 24 فبراير، قاطع الغرب النفط الروسي كسلاح استراتيجي ضمن سلسلة أوسع من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها من أجل ردع الدب الروسي عن مواصلة حربه ضد أوكرانيا، ولعبت المملكة من خلال أوبك بلس جهودا مضاعفة لاستقرار الأسواق وتعويض النقص في الإمدادات. وتضاعفت أهمية منطقة الخليج والمملكة تحديدا في حسابات الدول الكبرى، بخاصة بعد نهاية مرحلة الحرب الباردة وبروز أقطاب جدد على المسرح الدولي واندلاع الحرب في أوكرانيا. الذهب الأسود وكان النفط هو العامل الأهم في مشهد الاقتصاد العالمي، كون النفط قوة سياسية تتطلب الشجاعة والحكمة لإدارة الذهب الأسود، فمن يمتلك النفط بكميات هائلة يتحكم في دورتي السياسة والاقتصاد في العالم. ويرتبط النفط بعلاقة وطيدة منذ زمن بعيد مع الأزمات والصراعات السياسية، حيث أضحت سلعة النفط محركًا أساسيًا ومهمًا في وقائع الأزمات والصراعات الدولية، وتنامت الحاجة إلى تأمين مصادر الطاقة للعمليات العسكرية والإنتاج الصناعي، وأصبح النفط أحد أهم المقومات الأساسية في رسم الجيوستراتيجات السياسية والاقتصادية. السياسة الواقعية ويُمكن وصف السياسات النفطية السعودية بالعقلانية والرصانة والعمق والتفاعل مع الأحداث وسرعة إعادة التموضع الجيو- نفطي طوال العقود الماضية، بما يتماشى مع مُعطيات الواقع السياسي الاستراتيجي ويُعزز السيادة والمصالح السعودية الاستراتيجية النفطية العليا فضلا عن الحفاظ على القيم والقرار، ومنطق القوة.. وكون المملكة أدركت تذبذب المواقف الغربية، مضت بقوة لتكريس جهودها لبلورة مواقف متوازنة للحفاظ على اسعار النفط العالميةً ومضت بخطوات جادة وراسخة لتوطيد تأثيرها الاستراتيجي على امتداد مداها الإقليمي والعالمي وتعظيم علاقاتها مع الشرق والغرب من موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي كنقطة التقاء بين شرق والغرب، كونها تملك اكبر احتياطات النفط عالميا في هذه المنطقة، إضافة إلى ريادتها للعالم العربي والاسلامي، كل ذلك يجعل من السعودية مرتكزا ماليًا وسياسيًا ونفطيًا عالميا هامًا تلعب من خلال أدوار متنوعة لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة والحفاظ على مصالحها في المحيط الاقليمي والعالمي الذي يمر بمرحلة انتقالية حساسة، في ظل ضبابية النظام الدولي وصراعات الدول الكبرى. مواقف حصيفة ولم يكن مفاجئاً للمتابعين مواقف المملكة الحصيفة في التعامل مع ملف الطاقة، كونه يعكس حصيلة سنوات طويلة من التجربة النفطية التراكمية القائمة على قراءة موازين القوى العالمية بدقة وتنويع الشركاء والحلفاء. ومن الأهمية الوضع في الاعتبار التفاهم السعودي الروسي حيال استقرار النفط حيث بذلت المملكة جهودا كبيرة للتوصل إلى اتفاق أوبك بلس التاريخي من أجل دعم استقرار أسواق البترول والحرص على تماسك هذه الاتفاقية التي تتبنى أسلوب إعادة الإنتاج بشكل يتماشى مع تعافي الطلب العالمي على البترول بما يخدم المنتجين والمستهلكين. استقرار أسواق البترول وتوفر الإمدادات كما أسهمت هذه السياسة في استقرار أسواق البترول وتوفر الإمدادات مقارنة بالغاز الطبيعي والتي تعاني من تذبذب كبير ونقص في الإمدادات والاستثمارات مما تسبب في تفاقم أزمة الطاقة الأوروبية الحالية، خصوصا أن عام 2020م شهد ظروفا استثنائية في ظل جائحة كورونا وتداعياتها من أزمات اقتصادية واجتماعية أدت مجتمعة إلى حدوث خلافات بين دول أعضاء أوبك من جهة والدول المنتجة من خارجها حول كمية الإنتاج والاستراتيجية المناسبة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا مما نتج عنها فشل تمديد اتفاق (أوبك+) وما تلاه من انهيار أسعار الطاقة العالمية في أواخر شهر مارس 2020، إلا أن أعضاء أوبك بقيادة المملكة وروسيا نجحا لفترة قياسية بإعادة حلف (أوبك+)، انعكست إيجاباً على أسعار الطاقة العالمية، وعززت وتيرة الاتصالات الثنائية بين المملكة وروسيا ليس على مستوى وزراء النفط، وهي الأكثر نشاطاً، بل على مستوى القيادة في البلدين حيث بارك الطرفين الاتفاق الجديد. وتحتفظ المملكة والأعضاء الآخرون في أوبك بلس بقدرة احتياطية كبيرة من النفط للحفاظ على استقرار الأسواق في مواجهة الانقطاعات أو اضطرابات السوق الأخرى. وتعتقد مجموعة أوبك بلس أن المخاطر الجيوسياسية الحالية في سوق النفط خارجة عن سيطرتها. ونجحت السعودية في تثبيت عقود طويلة الأجل مع كبار مستوردي الخام حول العالم، خاصة الصين ومع الهند (ثالث أكبر مستورد للنفط). وعززت السعودية موقعها كأكبر مورد آمن ومستدام للنفط الخام لمختلف المستهلكين، ضمن جهود تقودها المملكة لاستعادة كامل الاستقرار للاقتصاد العالمي من خلال الوصول لأسعار عادلة للخام. سياسة متناسقة ونهج نفطي متوازن سياسة المملكة النفطية جاءت متناسقة مع سياسة المملكة بشكل عام، الممتد من النهج المعتدل والمتوازن حيث يتم مراعاة مصالح جميع الأطراف والقوى، والتوازن بين الحاضر والمستقبل. هذا النهج المعتدل للمملكة يرتكز على التعاون الدولي، التنمية الاقتصادية، وتحقيق الرخاء للعالم أجمع. أهم السياسات النفطية للمملكة، المحافظة على طاقة إنتاجية فائضة في جميع الأوقات، الحزم في الاتفاقيات النفطية وتضييق الخناق على المضاربين. التعاون مع الدول المنتجة تحرص السعودية دائما على أهمية التعاون المشترك بين الدول المنتجة للنفط للمحافظة على استقرار أسواق الطاقة، وتنظيم وترتيب جسور الحوار والتعاون بين الأطراف التي لها علاقة بإنتاج النفط كافة، بمافيها منظمة أوبك، وذلك من أجل دعم نمو الاقتصاد العالمي. ولم تتخذ المملكة على مدى عقود أي موقف على الصعيد النفطي، يمكن أن يؤدي إلى اضطراب السوق النفطية، أو تذبذب أسعار النفط بصورة خطيرة، فالسياسات النفطية للسعودية، راسخة ومتزنة وتستند إلى التعاون الدولي، ومصلحة الاقتصاد العالمي، في زمن الانفراجات أو الأزمات. سيناريوهات توافقية للنفط إن عالم النفط، أمام سيناريوهات عديدة من أبرزها، ولادة توافق جيو- نفطي عالمي سيقود أسواق البترول، تجاه مزيد من الاستقرار، وفق المعطيات الجيو-ستراتيجية والمتغيرات الجيو-سياسية المضطربة؛ على ضوء حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي العالمي، وتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية التي غيّرت قواعد اللعبة النفطية بالكامل، وأضحى العالم يرتهن لارتفاع أو انخفاض لسعر البرميل الواحد من النفط في تحديات ميزانياته وتضخمه وغناه وفقره. لا يمكن فصل النفط عن الماء وشكّل النفط على مدار عقود مضت، نقطة انطلاق وثيقة بين المملكة والعالم النفطي، وبقدر أنه لا يمكن فصل النفط عن الماء، يستحيل فصل النفط عن السياسة.. والمملكة اليوم تقود سياسية النفط ونفط السياسة. إنها 92 عاما من التنقيب والتكرير والتصدير.. قصة المملكة مع النفط بدأت من بئر "رقم 7.. واليوم المملكة تتصدر صناعة قرار عصب العالم بامتياز. وزير النفط الأمير عبدالعزيز بن سلمان يقود المشهد النفطي عالمياً من خلال أوبك+ حقل شيبة النفطي أبرز ملامح الربع الخالي يضخ 750 ألف برميل يومياً لمدة 70 عاماً