القبض على باكستاني يروج الشبو بالشرقية    37 بلدة جنوبية مسحها الجيش الإسرائيلي وأكثر من 40 ألف وحدة سكنية دمرت    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    الولايات المتحدة تختار الرئيس ال47    مع سباق البيت الأبيض.. من يهيمن على الكونغرس الأمريكي؟    سيناريو التعادل .. ماذا لو حصل كل مرشح على 269 صوتاً؟    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    اليوم الحاسم.. المخاوف تهيمن على الاقتراعات الأمريكية    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    إشكالية نقد الصحوة    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    12 تخصصاً عصبياً يناقشه نخبة من العلماء والمتخصصين بالخبر.. الخميس    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    تنوع تراثي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس        مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمير عبدالعزيز بن سلمان.. فارس الطاقة الجديد
نشر في الجزيرة يوم 29 - 09 - 2019

خلال القرن المنصرم وهذا القرن برزت أزمة الطاقة بقوة على حافة جميع الصراعات الدولية في مناطق عديدة من العالم، وخصوصًا في منطقة الخليج العربي التي تسيطر على أكبر محيط نفطي مؤكد عالميًّا.
والعالم يعيش اليوم حالة تسيطر عليها الطاقة، خاصة النفط شريان الحياة لمعظم دول العالم، الذي يمثل الثروة والسلطة، ويمثل الرفاهية للبشرية والتطور والنماء في جميع مناحي الحياة بدون استثناء.
النفط أصبح بدون منازع قوة السياسة والاقتصاد، بل الشعوب في قرن النفط المنصرم وفي هذا القرن.
وبلاد الحرمين الشريفين لها تاريخ عريق مع سلعة النفط بدءًا من العشرينيات من القرن المنصرم عندما فتح الملك عبد العزيز -رحمه الله- امتياز التنقيب والبحث عن البترول لشركة (النقابة الشرقية الإنجليزية) (Eastern and General Syndicater) التي تعثرت في دفع الإيجار السنوي على قلته البالغ ألفَي جنيه إسترليني؛ وهو ما جعل الملك عبد العزيز يلغي العقد، ويفتح الباب لشركات أخرى لتفوز في النهاية شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا Standard OIL OF California (سوكال)) بعقد الامتياز عام 1933. وقد مرت مرحلة التنقيب والاستكشاف للنفط بعقبات وخيبات أمل عدة، قبل أن يتدفق البترول بكميات كبيرة في الثاني من شهر محرم 1357ه، الموافق مارس 1938 بشكل تجاري؛ ليعد ذلك التاريخ من أهم الأحداث في جزيرة العرب، بل في عالم القرن المنصرم. وقد بدأ تصدير البترول السعودي في العام نفسه.
ومع بزوغ شمس هذه المادة السحرية على أرض بلادنا الطيبة المباركة، واستمرار تصديرها، تم تضخ الأموال في عروق الاقتصاد السعودي؛ ليتحول من اقتصاد فقير يقتات من الزراعة البدائية وموارد حج شحيحة إلى اقتصاد طموح، وعمت أيادي النفط البيضاء جميع مناحي فروع الاقتصاد والتنمية المستدامة.
هنا دعت الضرورة لإنشاء وزارة البترول والثروة المعدنية عام 1960 تزامنًا مع ميلاد منظمة الأوبك في أواخر ذلك العام. وخلال خمسة عقود ونصف العقد -وهي مدة طويلة- تولى مهام الوزارة خمسة وزراء، هم (الطريقي رحمه الله، يماني، ناظر رحمه الله، النعيمي والفالح). وجاء دور فارس جديد، هو الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز وزيرًا للطاقة، وهو ابن الوزارة المتسلح بالعلم والخبرة.
فبالعلم لأنه حاصل على درجة البكالوريوس في الإدارة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن عام 1982، ثم الماجستير في الإدارة الصناعية من الجامعة نفسها في عام 1985.
وبالخبرة لأنه بدأ حياته العملية متدرجًا خطوة تلو أختها، ولا يمكن أن تكفي مساحة هذا المقال لذكرها كلها، إنما نكتفي بالقليل منها. ففي عام 1985م شغل منصب مدير إدارة الدراسات الاقتصادية والصناعية بمعهد البحوث في الجامعة نفسها حتى عام 1987م، وفي ذلك العام أصبح مستشارًا لوزير البترول والثروة المعدنية، وقد تدرج في مناصب عدة في الوزارة حتى أصبح نائبًا لوزير البترول والثروة المعدنية، وبعدها وزير دولة لشؤون الطاقة، ثم وزيرًا للطاقة. وإذا عرجنا على مساهماته العلمية والعملية في ميدان الطاقة نجد أنه يعد من أبرز خبراء الطاقة والاقتصاد على المستويَيْن المحلي والدولي؛ فهو عضوٌ في العديد من الهيئات والمجالس والمراكز والجمعيات المتخصصة.
ولا شك في أن اختيار فارس النفط الجديد وزيرًا للطاقة يؤكد أن الدولة تمضي قُدمًا في رؤيتها 2020 - 2030 التي من أهم عناصرها اختيار القيادات المؤهلة لدفع عجلة النمو والتطور؛ فالإنسان المؤهل المسلح بالمؤهلات والخبرات هو أهم عناصر الإدارة، بل هو جوهرها ووسيلتها في تحقيق أهدافها، كما أنه غايتها وعقلها المفكر.. والأمير عبد العزيز مثال حي لهذا.
السؤال المطروح: هل الوزارة الجديدة لها استراتيجية جديدة في منظومة السياسة النفطية السعودية التي بدأت مسيرتها عندما أُنشئت الوزارة عام 1960؟ يمكن القول إن المملكة أخذت على عاتقها سياسة نفطية اتسمت بالمرونة، وسرعة الحركة على محاور عدة، إقليمية ودولية. وقد نجحت السياسة السعودية إلى حد معقول في الستينيات في دعم الأوبك منذ إنشائها، والعمل على استقرار السوق البترولية الدولية، واستمرت على هذا النهج فيما تلا من عقود.
ومن يحلل بدقة بعض تصريحات فارس الطاقة الجديد يدرك أنه عاصر معظم مراحل السياسة السعودية النفطية، وتشبع بها حتى النخاع، وله رؤيته الخاصة به التي أفرج عن بعض مكوناتها على هامش مؤتمر الطاقة العالمي الرابع والعشرين (9- 12 سبتمبر) في أبو ظبي، منها أنه يعتبر المملكة قائدة سفينة الأوبك، تعض عليها بالنواجذ؛ وهذا يعكس بوضوح أن السياسة السعودية تجاه الأوبك ثابتة لا تهزها الرياح مهما كانت عاصفة؛ لذا أكد أن اتفاق أوبك الخاص بخفض الإنتاج (مستمر في ظل إدارة الجميع).
ولأن أسعار النفط تحكمها عناصر سوق العرض والطلب في البورصات العالمية فإن الأمير كان واقعيًّا في تصريحه (لا نتكهن بشأن أسعار النفط)؛ فهذا رأي حصيف؛ فبالإمكان الحديث عن الأسعار في حاضرها لكن تبرز الصعوبة في التوقع الدقيق عن مستقبلها؛ فسلعة النفط -مثلها مثل أي سلعة أخرى- هي محل للارتفاع أو التدني في سوق النفط الدولية، وكل توقعات الأوبك ووكالة الطاقة الدولية ووزارة الطاقة الأمريكية وغيرها من الهيئات والمراكز والخبراء المتخصصين ما هي إلا تنبؤات حول العرض والطلب، والأسعار قد تصدق إلى حد كبير، وقد يحدث العكس.
وهو ما يؤكد رأي الوزير بأن الأسعار كان يسودها التذبذبات التي كان التدني في الأسعار غالبًا عليها، لكن بمجرد أن تلقت سوق النفط الدولية خبر الهجوم الحوثي - الإيراني الإرهابي على بعض المنشآت النفطية السعودية على كل من بقيق وخريص حتى أخذت طريقها للصعود خلال فترة وجيزة؛ لتقفز بنسبة بلغت بين 12 و20 في المئة في لمح البصر.
وعندما سُئل عن دور المملكة والأوبك والمتحالفين معها (أكد التزام بلاده بالعمل مع المنتجين داخل الأوبك وخارجها من أجل استقرار وتوازن الأسواق الدولية للبترول)، وهذا يعكس سياسة المملكة النفطية الثابتة الداعمة بقوة للأوبك، والمشجعة للحوار مع الدول خارجها، وانضمام متحالفين مع الأوبك. وفي هذا ضمان لاستقرار السوق. وكلما زاد عدد المنضمين للنادي النفطي كان ذلك سببًا في تحقيق أسعار عادلة للمنتجين والمستهلكين؛ لذا في ظل هذا التعاون فإنه عبر عن أمله بأن يكون النصف الثاني من هذا العام أفضل من حيث النتائج مقارنة مع النصف الأول.
ومن هنا فإن العمل صفًّا واحدًا هو قارب النجاح، خاصة إذا طال أمد الاتحاد؛ لأن فيه (قوة)؛ لذا ركز الأمير عبد العزيز على أهمية الحلف قائلاً: «سيظل قائمًا على المدى الطويل». وهذا يعني فيما يعني أن على جميع المنتجين في رأيه (الالتزام بأهداف الإنتاج بموجب اتفاق خفض الإمدادات الذي تقوده المنظمة)؛ هذا لأن الالتزام بتلك الخفوضات هو العمود الفقري لتوازن واستقرار الأسعار.
ورغم أن المملكة هي رأس الهرم، والذراع القوية بالنسبة للأوبك بدون منازع؛ فهي الدولة التي يزيد احتياطيها على (266) مليار برميل، ويمكن أن تنتج 12.5 مليون ب/ ي، بل قد يبلغ إنتاجها 15 مليون ب/ ي وأكثر، فهي اللاعب الرئيس، ويمكنها تغطية العجز في سوق النفط الدولية لتفرض النظام والانضباط على استقرار السوق إلى حد كبير.
وقد كان تصريح قائد النفط الجديد: «لا يجوز أن نستأثر بالقرار في أوبك وإن كنا الدولة الأكبر» نابعًا من خبرة طويلة، يتمتع بها؛ إذ إنه يدرك مفاتيح سياسة النفط الدولية؛ فدولته أخذت على عاتقها استراتيجية المحافظة على أسعار نفط معتدلة، واستطاعت أن تقود الأوبك في الفترات الحرجة، ونهجت أسلوبًا مرنًا لجلب الاستقرار لسوق النفط الدولية خلال الهزة النفطية الأولى عام 1973؛ فبذلت جهودًا كبيرة من أجل الحفاظ على أسعار متوازنة.. إلا أن عوامل الاضطراب في إنتاج النفط الإيراني بسبب الثورة الإيرانية، ثم الحرب العراقية - الإيرانية، عجّلت بحدوث هزة نفطية ثانية؛ الأمر الذي جعل المملكة تستمر في استراتيجيتها الرامية إلى التقليل من هذه التغيرات في أسعار النفط؛ فزادت إنتاجها النفطي للحيلولة دون حدوث هزة نفطية ثالثة انطلاقًا من سياسة السعودية النفطية التي تدعم توفير إمدادات نفطية آمنة للدول المستهلكة، والحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية في الوقت نفسه، والحفاظ على النفط كمصدر حيوي للطاقة على المدى الطويل.
وقد كانت الاستراتيجية النفطية السعودية خلال الثمانينيات تتمحور في الحفاظ على البترول كسلعة استراتيجية منافسة من حيث السعر لأي مصدر آخر للطاقة؛ حتى لا تتأثر مواردها النفطية؛ وبالتالي عوائدها المالية بتقلبات أسعار النفط رغم ما شهدته الثمانينيات من تذبذبات حادة في أسعار النفط هبوطًا وارتفاعًا. وفضلاً عن ذلك فقد عدلت من حجم إنتاجها بشكل يوازن تغيرات عرض البترول العالمي لدرجة تغليب مصالح المنظمة وأعضائها على مصالح المملكة؛ والدليل واضح؛ فقد تحملت المملكة بأن تكون المنتِج المرجح لسنوات عدة؛ الأمر الذي جعل حصتها الإنتاجية تنخفض من 7.5 مليون ب/ ي في عام 1983؛ لتبلغ أواخر عام 1985 (2.5) مليون برميل يوميًّا.
وعندما احتل العراق دولة الكويت في الثاني من أغسطس 1990 زادت المملكة إنتاجها للتعويض عن إنتاج كل من الكويت والعراق اللتين فُرض عليهما الحظر، واستمرت هذه السياسة منذ السبعينيات حتى مشارف قرن جديد الذي شهد استمرار السياسة النفطية السعودية نفسها، وزاد عليها قيادة سفينة الأوبك في الحوار والتعاون مع بعض الدول خارج المنظمة؛ لتنضم إلى قافلتها، وتم بالفعل تكوين نادٍ نفطي كبير، هدفه توازن السوق، وتبني أسعار عادلة للمنتجين والمستهلكين.
أنا على يقين بأن وزارة الطاقة باسمها الجديد حظيت بقائد نفطي متسلح بالمؤهلات والخبرة الواسعة في ميدان الطاقة، وهو أول وزير قضى أكثر من عقود ثلاثة متدرجًا من منصب إلى آخر في جسد الوزارة؛ ليخرج من رحمها؛ ليصبح وزيرًا لها، وسينجح - إن شاء الله - بقيادة سفينة النفط، أهم وأغلى سلعة عرفها التاريخ والحضارة الإنسانية.
وليت أسلوب اختياره لتولي حقيبة النفط من داخل وزارته يكون مثلاً يُحتذى في أجهزة السلطة التنفيذية الأخرى؛ فمن يعرف زملاءه ومخارج، ومداخل منظومة العمل، أفضل بكثير ممن لا يعلم. وفي هذا تطبيق للإدارة والقيادة الإدارية بمفهومها الحديث.
والله ولي التوفيق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.