لا تستطيع الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الغربيون أن يتجاهلوا الموقف الصيني في صراعهم مع روسيا. كما لا يمكنهم أن يخوضوا صراعا مع كليهما في الوقت نفسه، فتحالف الصينوروسيا يشكل قوة علمية هائلة لا يمكن بأي حال من الأحوال التغلب عليها. وعندما توقع الخبراء ان الحرب الاوكرانية الروسية، قد تشجع الصين على مهاجمة تايوان، ظهر التصعيد غير المسبوق بين بكينوواشنطن على خلفية زيارة بيلوسي لتايوان كبروفة لقيام الصين بتحرك عسكري في تايوان خاصة في ظل التشابه بين التحركات الروسية حيال أوكرانيا ومطالب الصين بالسيادة على تايوان في اطار الصين الواحدة.. وقال شارل أبي نادر الخبير الأمني والاستراتيجي، إن تايوان تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للصين، من كافة المستويات، التاريخية والجغرافية، الاقتصادية. وأوضح أن الصين لن تسمح بالخروج من سيادتها، كما أنها لن تقبل بالتدخل الأمريكي في تايوان وتحريضها على الصين. ويتزامن هذا التصعيد مع استمرار الموقف الصيني الرسمي الداعم لروسيا إزاء الصراع في أوكرانيا، وفي نفس الوقت الرفض الصيني المقارنة بين تايوانوأوكرانيا في تصريحات صدرت على لسان الناطقة باسم الخارجية الصينية هوا تشون ينغ في 23 فبراير الماضي. إذ أكدت الناطقة على أن أي مقارنة في هذا السياق تظهر «غياب الفهم الأساسي لتاريخ قضية تايوان»، مضيفة أن «تايوان ليست أوكرانيا، إنها جزء لا يتجزأ من أراضي الصين وهذه حقيقة لا جدال فيها». واتهمت هوا تشون ينغ السلطات في تايوان بمحاولة استغلال الأحداث المتسارعة في أوكرانيا لصالحها. وبغض النظر عن دلالات التصريحات الرسمية الصينية حيال النزاع في أوكرانيا، فإن السلطات التايوانية تتابع بقلق بالغ التطورات في أوكرانيا خاصة وأن الصين لطالما طالبت في عدة مناسبات بسيادتها على تايوان وتعهدت بضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف بما في ذلك التلويح باستخدام القوة إذا لزم الأمر. ويطرح الخبراء تساؤلات حيال كيف سيكون رد فعل الدول والحكومات الغربية على أي هجوم صيني محتمل قد يستهدف تايوان حيث يرجح الخبراء أن هذا الرد سيكون مختلفا عن الطريقة التي ردت بها الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية على غزو روسيالأوكرانيا، حيث فرضت الحكومات الغربية عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا وقامت بتزويد أوكرانيا بالأسلحة لدعمها في صد الهجوم الروسي. وفور بدء روسيا عملياتها العسكرية في شرق أوكرانيا، أدانت حكومة تايوان الغزو الروسي فيما شددت في الوقت نفسه على الخلاف بين الأوضاع في الجزيرة وأوكرانيا. الوضع في أوكرانيا يختلف بشكل جوهري عن الوضع في مضيق تايوان». يشكل مضيق تايوان حاجزا طبيعيا، في حين أن تايوان تحظى بأهمية جيوستراتيجية فريدة من نوعها. ورغم رفض الصين المقارنة بين الأزمة في تايوان بنظيرتها في أوكرانيا، إلا أن بعض الخبراء يؤكدون أن بكين تدرس بشكل دقيق رد فعل المجتمع الدولي على الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما أشارت إليه بونيغلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولاياتالمتحدة مؤكدة أن الصين «ستستخلص الدروس (من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا) للاستفادة من ذلك في استراتيجيتها تجاه تايوان». وأضافت «ستراقب الصين مدى وحدة وتماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالفات الأمريكية الأخرى وأيضا مدى قدرة الحلف والدول الغربية على تحمل تبعات وتكلفة العقوبات على روسيا.» ويرى محللون أمنيون أن الصين تدرك الاختلافات اللوجستية بين غزو موسكولأوكرانيا وأي هجوم محتمل قد تقدم عليه في مساعي ضم تايوان وأن الصين لا يمكنها اجتياح حدود تايوان في سيناريو مشابه لتوغل الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية ستعمل الصين على البحث أين تكمن الفرصة وكيف يمكن الاستفادة من الأزمة الأوكرانية». ليف ناشمان، الباحث في مركز فيربانك للدراسات الصينية بجامعة هارفارد، يسلط الضوء على أن الصين ستحاول تحقيق التوازن في إطار تعاطيها مع تطورات الأحداث في أوكرانيا أن الصين تريد أن تحصل على «فسحة دبلوماسية، حيث لا يتوقع كثيرون أن تتصرف الصين بنفس الطريقة التي أقدمت عليها روسيا على الأقل على المدى القصير». وتابع ناشمان بأن الصين إذا رأت «أن الوقت قد حان لاستعادة تايوان فلن تحذو حذو موسكو». وتقع تايوان على بعد 180 كيلومتراً من البر الرئيس للصين، مما يعطي أفضلية لبكين، لأن الأخيرة تستطيع إطلاق قوتها البحرية بسهولة من قواعدها القريبة، كما أن الطيران الحربي الصيني، نظراً لقرب قواعده من الجزيرة، لا يحتاج للعمل من حاملات طائرات مثل الحال مع الولاياتالمتحدة، الأمر الذي يحدّ من قدرة واشنطن على نشر أعداد كبيرة من الطائرات، ويحد من نطاقات تحليق هذه الطائرات نفسها. بل إن قرب تايوان من الصين يجعلها في مدى الصواريخ الصينية المتوسطة المدى وحتى بعض الطائرات المروحية الصينية وقطع المدفعية، يعني ذلك أنه في مقابل اقتصار قدرة أمريكا على توظيف جزء من بحريتها في أي استعراض محتمل للقوة، قرب تايوان، فإن الصين تستطيع توظيف معظم قوتها البحرية والجوية، وحتى جزء من قدرة جيشها البري خاصة الصواريخ والمدفعية والطائرات المسيرة، الأمر الذي يجعل ميزان القوة في صالح الصين عددياً على الأقل، علماً بأن ميزان القوة النوعي، رغم أنه لا يزال في صالح واشنطن فإن الفجوة تتضاءل بشكل يجعل أمريكا أقل جرأة في أي تحرك عسكري مقارنة بأزمة 1996، عندما شكل التفوق التكنولوجي الأمريكي الساحق في ذلك الوقت رسالة واضحة لبكين أظهرت محدودية قدرتها، ويقال إنها أطلقت جرس إنذار دفع الصين لتطوير جذري لقواتها المسلحة، وخاصة البحرية والجوية. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن رد فعلها العسكري قد يكشف أن موقف واشنطن الواقعي من تايوان قد لا يختلف كثيراً عن موقفها من أوكرانيا، التي شجعتها على الخصام مع روسيا ولوحت لها بعضوية الناتو دون وعود محددة، ودون تعهد قاطع بحمايتها، وفي النهاية عندما غزت قوات بوتين أوكرانيا، كانت واشنطن واضحة في أنها لن تحمي كييف ولن تتدخل عسكرياً، وأنه ليس لديها سوى أن تقدم لأوكرانيا مساعدات اقتصادية وعسكرية قُدرت بمليارات الدولارات، ولكن أغلبها إما أسلحة خفيفة أو معدات قديمة استغنى عنها الجيش الأمريكي ودول الناتو، وحتى الأسلحة المتطورة التي أرسلتها واشنطن لو ساعدت على جعل الأوكرانيين يقاومون الروس بشكل مثير للإعجاب، فإنها لن تؤدي لهزيمة روسيا، القوى العظمى، بل على الأغلب ستؤدي فقط لإطالة أمد الحرب لاستنزاف موسكو. وقد ينتهي الأمر بتايوان إلى تكرار تجربة أوكرانيا، ولو بعد حين، إذا استمرت الولاياتالمتحدة في سياستها بالتضحية بأصدقائها الصغار لمناكفة خصومها الكبار، وخاصة إذا صدقها التايوانيون مثلما فعل الأوكرانيون من قبل. وفي وقت ما زالت الحرب الروسية الأوكرانية تستعر وتهدد الأمن والاستقرار العالميين، وتحدِث أزمة خطيرة في الطاقة والأمن الغذائي العالمي، واستقطابا دوليا لم يألفه العالم منذ الحرب العالمية الثانية، تتأجج أزمة دولية جديدة، ليست أقل خطرا، بين الصينوالولاياتالمتحدة حول تايوان.