بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا بوضع قوة الردع النووي لبلاده في حالة تأهب تزامنا مع الهجوم العسكري لبلاده في أوكرانيا، يظل التساؤل الذي يطرح نفسه، هل تلجأ موسكو بالفعل إلى استخدام هذا السلاح في مرحلة ما، أم أن هذا مجرد تصريح يهدف لردع الغرب فحسب؟ حول ذلك ويقول المحلل بيتر هويسي، أحد كبار الأعضاء الزائرين في "المجلس الأطلسي" في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست: "بعد نحو ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، تواجه الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) مخاطر حرب نووية محتملة، وهو تطور قد ينتهي به الأمر إلى منافسة أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1982 على الدراما العالية. والأمر المهم بالنسبة للنتيجة المستقبلية للصراع الحالي حول أوكرانيا هو الإجابة عن السؤال التالي: ما مدى خطورة التهديدات النووية الروسية ضد الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي؟ ووفقا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النووية هي مجرد خدعة، وهو ما ردده أيضا رئيس وزراء روسي سابق حيث قال أيضا إن بوتين ليس جادا بشأن التهديد باستخدام القوة النووية في المسرح الأوكراني. ومع ذلك، فإن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بدا أقل تفاؤلا، ويقول إن الحرب العالمية الثالثة ستكون حربا بالأسلحة النووية، مما يعني أن الصراع الحالي يمكن أن يخرج بسهولة عن نطاق السيطرة، كما كانت العديد من التصريحات الرسمية الأخرى للحكومة الروسية صريحة في أن رد روسيا على أي دولة من دول الناتو التي تتدخل في الصراع على أوكرانيا سيؤدي إلى "عواقب لم يسبق لها مثيل من قبل"، مما يعني ضمنا أن موسكو سوف تستخدم الأسلحة النووية. وأيضا، هذا الأسبوع، اعترفت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز بأنه عندما يتعلق الأمر بردع أو محاربة حلف الناتو، فقد تبنى بوتين بالفعل الاستراتيجية النووية المتعلقة ب "التصعيد من أجل الفوز". ويقول هويسي إن مارك شنايدر، الخبير الأميركي البارز في القضايا النووية الروسية في المعهد الوطني للسياسة العامة، كتب مذكرة يشرح فيها أن كل من الإدارات الأميركية الثلاث الأخيرة (إدارات باراك أوباما ودونالد ترمب والآن جو بايدن) اعترفت بأن روسيا تبنت سياسة استخدام ضربة محدودة بالأسلحة النووية لإ نهاء أزمة أو صراع تقليدي بشروط مواتية لروسيا. وقد ركز كل هذا الانتباه على الردع النووي، مع التركيز على الردع الأميركي الموسع لحلفاء الناتو وكذلك حلفاء الولاياتالمتحدة في غرب المحيط الهادئ، بما في ذلك كوريا واليابان وتايوان. وتشير مصادر حكومية روسية أيضا إلى أن موسكو لديها مزايا نووية في أنواع الأسلحة النووية التي يمكن أن تجلبها إلى المسرح الأوكراني، خاصة من حيث السرعة التي يمكن بها إطلاق هذه الأسلحة. وخلال شهادته في الكونغرس، صرح رئيس القيادة الاستراتيجية الأدميرال تشارلز ريتشارد بأن التحديث النووي المخطط له للولايات المتحدة يضع في الاعتبار الحد الأدنى من القدرة المطلوبة لمواجهة التهديد التعاوني المتزايد من كل من الصين المسلحة نوويا وروسيا، وهذا يعني ضمنا أن جهود التحديث النووي الإضافية يمكن أن تكون مبررة لردع التهديدات الروسية بشكل أفضل. وقيل إن أحد المؤشرات على جدية موسكو هو ما إذا كان بوتين قد أمر بالفعل قواته النووية بحالة تأهب أعلى، وعلى الرغم من أنه من غير الواضح إلى أي مدى غيرت روسيا عمليا نشر قواتها النووية، إلا أنه يمكن بالفعل إطلاق معظمها من مواقعها الحالية أو العادية في وقت السلم دون إعادة نشرها بالضرورة من حامياتها الصاروخية المتنقلة أو موانئها البحرية أو مطاراتها. وبالتالي، فإن السؤال لا يتعلق بالتحركات الروسية بقدر ما يتعلق بما إذا كانت قدرات الردع الأميركية، سواء كانت تقليدية أو نووية، لا تزال ذات مصداقية كافية لمنع موسكو من تصعيد الصراع إلى المستوى النووي. وفي المسرح الأوروبي، تمتلك الولاياتالمتحدة أقل من 200 رأس حربي على طائرات متمركزة في دول أوروبية مختلفة من أعضاء الناتو. وليس لدى الولاياتالمتحدة صواريخ كروز مسلحة نوويا في البحر، وقد تم استبعادها من منذ ما يقرب من عقد. والمؤسف أن السيطرة على الأسلحة ليست مفيدة هنا أيضا، وعلى عكس الأنظمة الاستراتيجية الروسية بعيدة المدى، فإن مخزونها من الأسلحة النووية التكتيكية، الذي يقال إن قوامه نحو ألفين، ليس مقيدا بأي حدود للحد من التسلح. وعلاوة على ذلك، ونظرا لتهديد موسكو باستخدام عدد محدود فقط من هذه الأسلحة، فإن روسيا لديها أكثر مما يكفي من الأسلحة النووية في متناول اليد للانخراط في الاستخدام النووي في أوروبا. ويرى هويسي أنه إذا فشلت الولاياتالمتحدة في الرد على تهديدات بوتين النووية خوفا من إثارة "معركة نهاية العالم"، فقد يهلك حلف شمال الأطلسي حينها وسوف يسعى أعضاؤه المؤسسون بشكل فردي إلى إبرام صفقات أمنية مع موسكو لمنع المزيد من الصراع. والنتيجة النهائية الجديرة بالدراسة هي ما ستخلص إليه الصين ردا على العجز المحتمل لحلف الناتو، فهل ستعتبر قيادة الحزب الشيوعي الصيني تقاعس الحلف انعكاسا لاستعداد الولاياتالمتحدة للدفاع عن تايوان؟ ويقول هويسي في ختام تقريره إنه هكذا، وبعد ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة، أصبحت الولاياتالمتحدة الآن في مكان أكثر خطورة مما كانت عليه من قبل، ذلك أن واشنطن لم تعد تواجه خصما شموليا واحدا مسلحا نوويا، بل تواجه خصمين اثنين، وباتت مسألة ما إذا كانت تطلعات قادتهما إلى الهيمنة قابلة للردع من خلال احتمال سقوط آلاف القتلى، أكثر غموضا من أي وقت مضى.