ما إن تهل أيام الحج، ويبدأ ضيوف الرحمن في التوافد نحو مكةالمكرمة، وتدشن وسائل الإعلام تغطياتها المكثفة للمشاعر المقدسة تواكب فيها آخر الاستعدادات لاستقبال مواكب الحجيج إلا وتحضر قصيدة «يا راحلين إلى منى بقيادي» تحمل معها أشواق ملايين المسلمين وتهفو بأفئدتهم وذكراهم نحو أداء فريضة الحج، ممنين أنفسهم بتكرار التجربة الفريدة، أو خوض غمارها لمن لم يسبق لهم الحج من قبل. القصيدة الشهيرة للشاعر عبدالرحيم البرعي المتوفى في بدايات القرن التاسع الهجري أنشدها مودعا قافلة الحج بعد أن أعياه المرض وأقعده عن مواصلة الرحلة الخالدة نحو مكةالمكرمة؛ فلم يجد ما يؤنس وحشته ويروي نهمه سوى أبيات عبّر بها عمّا يدور في خلده، وبقيت منذ ذلك الحين سلوانا لكل المتيمين بالشعيرة السامية والفريضة المقدسة، إذ يقول فيها: يا راحلينَ إلى منىً بقيادي هيجتُمو يومَ الرحيل فؤادي سرتم وسار دليكم يا وحشتي والعيس أطربني وصوت الحادي حرمتمُ جفني المنام لبعدكم يا ساكنين المنحنى والوادي فإذا وصلتُم سالمينَ فبلّغوا منّي السلام أهيلَ ذاك الوادي وتذكّروا عند الطواف متيماً صبّاً فني بالشوق والإبعادِ لي من ربا أطلال مكّة مرغبٌ فعسى الإلهُ يجودُ لي بمرادي ويلوحُ لي ما بين زمزم والصفا عند المقام سمعت صوت منادي ويقول لي يا نائماً جدَّ السُرى عرفاتُ تجلو كلّ قلبٍ صادي تالله ما أحلى المبيت على منى في يوم عيد أشرفِ الأعيادِ الناسُ قد حجّوا وقد بلغوا المنى وأنا حججتُ فما بلغتُ مرادي حجوا وقد غفر الإلهُ ذنوبَهُم باتوا بِمُزدَلفَة بغيرِ تمادِ ذبحوا ضحاياهُم وسال دماؤُها وأنا المتَيَّمُ قد نحرتُ فؤادي حلقوا رؤوسَهمو وقصّوا ظُفرَهُم قَبِلَ المُهَيمنُ توبةَ الأسيادِ لبسوا ثياب البيض منشور الرّضا وأنا المتيم قد لبست سوادي يا ربِّ أنت وصلتَهُم وقطَعتني فبحقِّهِم يا ربّ حل قيادي باللَه يا زوّارَ قبرِ محمّدٍ من كان منكُم رائحٌ أو غادِ لِتُبلغوا المُختارَ ألفَ تحيّةٍ من عاشقٍ متقطِّع الأكبادِ قولوا له عبدُالرحيم متيِّمٌ ومفارقُ الأحبابِ والأولادِ صلّى عليكَ اللَهُ يا علمَ الهدى ما سارَ ركبٌ أو ترنَّمَ حادِ..