موضوع التشويق إلى أداء فريضة الحج لم يظهر بوضوح إلا في القرن السادس الهجري، ومن الأوائل كتاب "مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن" لابن الجوزي يومنا هذا من الأيام الغراء في حياة الفرد الذي منّ الله سبحانه وتعالى عليه بأداء فريضة نسك الحج إلى بيته الحرام، وهو اليوم الذي اصطلح الناس على تسميته بيوم التروية لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء في مكةالمكرمة، ويخرجون به إلى مشعر منى ليكفيهم حتى اليوم الأخير من أيام الحج، وقيل سمي بذلك لأن الله جل وعلا أرى سيدنا إبراهيم عليه السلام المناسك في ذلك اليوم. هذا اليوم الجميل خلده كثير من الناس نظمَا ونثرَا، وممن خلده في أبيات صادقة العالم والشاعر اليمني الشيخ عبدالرحيم بن أحمد بن علي البرعي (اليماني) أحد فحول شعراء القرن الثامن الهجري، ولد وعاش في قرية من جبل (برع) أحد جبال تهامة تدعى (النيابتين) من محافظة (الحديدة) حاليا.. يذكر المؤرخون وأهل التراجم أنه كان مفتيا، وعلى قدر رفيع في الأدب واللغة والسيرة النبوية، وأنه وفي رحلة له للحرمين الشريفين، أحس بدنو أجله لما صار على بعد 50 ميلا من مكة، وتوفاه الله، ودفن رحمه الله ب(خيف البرعي) جهة (وادي الصفراء) ب(محافظة بدر) الغنية بالمعالم والشواهد والقيم التاريخية، وأن ذلك كان عام 803ه.. الشيخ عبدالرحيم البرعي له ديوان شعر مشهور البعض يرى في بعضه بعض الغلو يرى فيه النقاد أنه يمثل درجة عالية من فن الشعر، ومن نظمه الدال على هذه البراعة والموهبة قوله: "كلامٌ بلا نحو طعامٌ بلا ملحِ ونحوٌ بلا شعر ظلامٌ بلا صبح".. من أشهر قصائد ديوان البرعي قصيدة (يا راحلين إلى منى)؛ نظمها شوقا إلى الحج، يقول في بعض أبياتها: "يا راحلين إلى منىً بقيادي هيجتموُ يوم الرحيل فؤادي حرَّمتمو جفني المنام لبعدكم يا ساكنين المنحنى والوادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتي العِيسُ أطربني وصوت الحادي فإذا وصلتم سالمين فبلغوا مني السلامَ أُهَيْلَ ذاك الوادي وتذكروا عند الطواف متيمًا صبّا براه الشوقُ والإبعاد لي في ربى ظلال مكة مرهمٌ فعسى الإلهُ يجود لي بمرادي ويلوح لي ما بين زمزم والصفا عند المقامِ سمعت صوت منادي يَقُولُ لِي يَا نَائِمًا جُد السُّرَى عَرَفَاتُ تجلو كل قلب صَادِي من نال من عرفات نظرة ساعة نال السرور ونال كل مراد.. يا رب أنت وصلتهم وقطعتني فبحقهم يا رب حل قيادي بالله يا زوار قبر محمد من كان منكم رائحا أو غادي فليبلغ المختار ألف تحية من عاشق متقطع الأكباد..".
وختاماً وللفائدة العلمية؛ أذكر أن موضوع التشويق إلى أداء فريضة الحج لم يظهر بوضوح إلا في القرن السادس الهجري، ومن الأوائل كتاب "مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن" لابن الجوزي، و(تشويق الساجد إلى زيارة أشرف المساجد) لابن سلطان الدمشقي، و(القرى لقاصد أم القرى) للمحب الطبري المكي، و(التشويق إلى حج البيت العتيق) للجمال الطبري المكي، و(إثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة والبيت العتيق) لابن إسحاق المكي، و(شفاء الغليل ودواء العليل في حج بيت الرب العظيم الجليل) لابن ظهيرة، و(مثير شوق الأنام إلى حج بيت الله الحرام) لمحمد علان بن عبدالملك بن علان المكي.. اللهم اقسم لنا مما يتنزل على حجاج بيتك، وتولهم بحفظك، وتمم لهم مرادهم، وردهم إلى أوطانهم بعد قضاء أوطارهم مبرورين مسروين.