في انتصار جدير بالذكر لاهتمام المملكة بجودة المورد البشري كاستثمار مضمون الجدوى، تتواصل للعام الرابع على التوالي فعاليات برنامج تطوير الخريجين، والذي شهد على مدار الأعوام السابقة إقبالاً متزايدًا، ما يعكس درجة وعي لدى شريحة الخريجين تتلاقى ورؤية صندوق الاستثمارات العامة في دعم وبناء قدراتهم، والكشف عن الكوادر الجديرة بالتوجيه واكتساب المهارات مُبكرًا، تمهيدًا لمسارات مهنية مُشرقة، ومبنيّة على أساس من الخبرة المنقولة بشكل ممنهج من لحظة التخرج ومن كوادر وطنية مشهود لها بالكفاءة والمهارة والرؤية، بديلاً عن نموذج اكتساب المهارات العشوائي الشائع. في العام الماضي، استهدف البرنامج 80 خريجًا، لكنه استقبل في النهاية ضعف العدد المستهدف، إذ وصل عدد المتقدمين زهاء 11 ألف متقدم! عدد كهذا من المتقدمين في مجالات مُعقدة كالاستثمار وإدارة الأعمال وإدارة المشاريع في مرحلة ما بعد الدراسة الجامعية مُباشرةً يعكس حصاد الصندوق لسنوات من تنفيذ برنامج تطوير الخريجين، ورجع صدى إيجابي لاستهداف تطوير الخريجين وتقديم كبسولة تمهيدية لهم قُبيل الولوج إلى سوق العمل، نتمنى أن يتواصل مداه، ويمتد ليشمل المزيد من المسارات، ورُبما أن يتحوّل لظاهرة تختص بها المملكة في المزيد من المسارات المهنية، لا سيما بعد شمول البرنامج هذا العام مسارات أكاديمية جديدة. من بين الملاحظات الأبرز على إطارات برنامج تطوير الخريجين لعام 2020 هي الإضافة المثمرة لمسارات أكاديمية جديدة، مرتبطة أشد الارتباط بالقضايا الجدلية والفكرية المطروحة في الفترة الماضية، فعلى سبيل المثال أضاف البرنامج مسار مخصص للأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات، أي دراسة معمقة في كواليس الحاضر الرقمي، تتضمن مفاتيح معالجة آثار طغيان وجهه القبيح. المسارات الأخرى تتضمن المالية والسياسات العامة، وهي فروع علمية شديدة الخصوصية والعراقة بالتأكيد، وأُرسيت قواعدها على مدار عقود وعقود من الزمن، خلاف الفروع العلمية الأكثر حداثة، التي ربما تتطلب اهتمام شديد كي تُصقل أولًا وتُعزز شعبية بين الدارسين ثانيًا، خاصة وأن محتوياتها تتمتع بديناميكية لافتة، نظرًا لتطور المفردات التكنولوجية بشكل دائم. بالتوازي مع المسارات المُستحدثة بالطبع ما يزال هناك مسارات أكثر كلاسيكية، كالاستثمار وإدارة الأعمال وإدارة المشروعات، والتي ربما تُمثل لأحد الخريجين طريقًا ممهدة يسير خلالها بخطوات ثابتة على درب إثبات الذات والتفرد عن طريق تدشين مشروع متميز كبديل براق عن الانضمام لوظيفة مكتبية اعتيادية، فالاستقلال وبناء عمل خاص حلم يراود العديد من الشباب، واليوم أصبح مدعومًا بخدمات تكنولوجية وترويجية غير اعتيادية، تختلف تمامًا عن تجارب الترويج والمنافسة وبناء العلامات التجارية منذ ثلاثة عقود على سبيل المثال. إن تشجيعنا لتجربة مثل تلك، ينطلق من سنوات من التعامل مع طُلاب الجامعة القريبين من محطة التخرج، ولمس تلك الفجوة بين الجانب الأكاديمي الذي يتلقونه في قاعات المحاضرات، والتطبيق في سوق العمل، فمهما كانت المقررات نموذجية، وتوازن بين النظريات وتطبيقاتها، ومصممة بالفعل بناءً على مراجعات دورية لاحتياجات سوق العمل، إلا أن الصدمة عادةً ما تكون من نصيب الخريجين بمجرد الاحتكاك بسوق العمل، وبرامج مثل تلك، التي تشتمل على الانضمام لبيئة عمل محمومة، واستقاء الخبرات عبر تدريب ممنهج فيها، من شأنه أن يعصم أبناءنا من الخريجين من مثل هذه الصدمة، ويؤسس لانطلاقة مهنية مُحترمة ومبنيّة على معايير مدروسة.