منتج مسرحي سعودي، مخرج أفلام سعودي، مدرب تمثيل سعودي، وحتى أمين متحف سعودي.. كلها جمل مُعبرة عن مهن ومجالات لم نعتد أن تقترن بأبناء المملكة، لكننا على ما يبدو في الأيام المُقبلة سننعش قاموس يوميّاتنا بثمانين مهنة ثقافية جديدة سعت وزارة الثقافة السعودية لإدراجها في التصنيف السعودي للمهن، ليبدأ السعوديون في امتهانها والاشتغال بها، ويشرع الشباب وحديثو السن في وضعها كخيارات وبدائل مستقبلية معتبرة ومحتملة لمستقبلهم المهني والوظيفي، والحقيقة أنني لا أعتبر نفسي مُبالغًا، إذا اعتبرت هذه الخطوة بمقدورها أن تحدث زلزلة مجتمعية إيجابية في المجتمع السعودي على أكثر من صعيد، لعل في مقدّمتها إنعاش المجتمع الثقافي السعودي بعناصر وكفاءات محليّة موهوبة، تحمل هموم الوطن وآماله على عاتقهم وفي دواخلهم. وعلى صعيد آخر، مد المسار الذي بادر إليه رواد في مجالات عدة كالإنتاج الفني والإخراج السينمائي على استقامته وتمهيده لأجيال جديدة بصفة أوسع وأشمل وأكثر أريحية، وعلى نحو تكفله المملكة وتشجع عليه وتضمن لمرتاديه درجة معتبرة من الأمان الاجتماعي. لا شك إذن في أن إدراج المهن الجديدة في التصنيف الموحد يعد خطوة فارقة في سبيل تغيير وتطوير خريطة الإنتاج الفني بالمملكة، التي لها أن تستقر وتبرز ملامحها الحقة، بعد أن أصبح للقائمين عليها وجود راسخ على نحو مهني قانوني يؤمن لهم ظروف عمل مرضية، فكلما كان هناك إطار مهني منضبط للعمل الفني، تمكن الفنان من تطوير أدواته، وتعزيز شعوره بالأمن، إذ هو لا يعمل في مهب الريح، بل يمكنه التواصل مع قنوات رسمية والحصول على التسهيلات الإدارية الملائمة لإنجاز العمل على النحو الصحيح، الأمر الذي يختلف تمامًا عن التوجه للجهات المختصة بطلب دعم عمل فني دون مهنة مثبتة، ما قد تعتبره الجهة طلبًا بدون وجه حق، وقد يمتد الأثر لظهور استثمارات فنية محلية جديدة، ومنابر حداثية يعبر شباب الفنانين خلالها عن ذواتهم، ويقدمون أنماطًا جديدة من الأعمال أو الخدمات الفنية كانت لتعتبر مجازفة اقتصادية قبل بضعة أعوام، فربما نسمع قريبًا عن إطلاق شركة لتدريب الممثلين المحترفين، أو ورش عمل احترافية في أحد الفنون للهواة، وغيرهما من الأنماط الاستثمارية التي تمنح المجتمع بأكمله حيوية وتدعم مواهبه الناشئة. بالتأكيد ينتظر سوق التوظيف السعودي انتعاشة كُبرى، وتمددًا في حجم الفرص المتاحة لأبناء المملكة من الراغبين الالتحاق بالمهن الجديدة فور إدراجها واطمئنانهم لرعاية الدولة لها، ولكن أعتقد أن الأمر في البداية سيخلّف فجوة ما يستلزم أن يكون هنالك خطة لاستيعابها، وتأهيل الخريجين لها، يبدأ ذلك بالتأكيد بمطابقة التصنيف الموحد السعودي للمهن في نسخته المحدّثة بالأقسام والمقررات الجامعية لتعزيزها وتدعيمها بما يؤهل للاشتغال بهذه المهن، الأمر الآخر الذي ينبغي الاهتمام به، هو توفير قسط وافر من الوعي بهذه المهن في الأجيال الأصغر سنًا، قد يكون ذلك عبر حملات طوافة لأبنائنا في المدارس، أو حتى حملة إعلانية تبث على نطاق واسع للتعريف بالآفاق الجديدة المتاحة لأبنائنا واستكشاف ولعهم المبكّر بهذه المناطق البكر لتنميتها منذ الصغر، كل هذه خطوات، ربما تساعد على توطين سوق التوظيف السعودي على ما ينتظره من فرص.