تعد الانحيازات النفسية من أكثر ما يهدد جودة اتخاذ القرار في حياتنا اليوم. والانحيازات النفسية ميل في الحكم على الأشياء بعيدًا عن الصواب. وقد يختلف الناس حول الصح والخطأ نسبة إلى المبادئ التي يعتمدها الفرد في اتخاذ القرار. من أجل ذلك تصبح المبادئ وسيلة للحكم على الأشياء إذا عرّفت كما يجب واتفق عليها. وكما ذكرت في المقالة السابقة، إن تدوين المبادئ المؤسسية يسهم في تمكين الأفراد من الحكم على القضايا، فتكون المؤسسة إلى حد كبير ذاتية القيادة. ومع وجود مبادئ لدى الجميع سواء داخل المؤسسة أو خارجها إلا أن الانحيازات النفسية تبقى مؤثرة في تطبيقها. في مؤسساتنا اليوم كما هو معروف، لا تدون المبادئ المؤسسية في وثائق تسهب في وصفها باعتبارها مرجعًا معتمدًا، إنما تذكر في صورة عبارات مقتضبة. التحدي أن الوصف المختصر غير كاف لترسيخ المبادئ حتى تصبح منهجًا يحمي الأفراد من الانحراف عنها. والانحيازات النفسية التي تهدد المبادئ المؤسسية عامة لا تخص أفرادًا دون آخرين، بل إنها لا تخص ثقافة دون أخرى، إنما قد تتركز في مواقف يتوقع ظهورها عادة. ففي حالات اختيار شخص لمنصب أو مهمة يشيع الانحياز نحو تهويل الانطباع الإيجابي بسبب صفة واحدة تنسحب على صفات أخرى ليست لها علاقة بالمنصب. كأن ينسحب الإعجاب بقدرة المرشح على حل المسائل الرياضية بالاعتقاد بقدرته على القيادة في منصب إداري. إن الانحياز الذي يسمى الهالة الإيجابية يؤدي إلى اختيارات خاطئة في الموارد البشرية حين تعين القيادات للسبب الخاطئ اعتمادًا على مهارات لا تمت بأي صلة للدور المنوط بها. لمعالجة خطر الوقوع تحت تأثير الهالة الإيجابية، توجه المؤسسة منتسبيها بإعطاء تعليمات مبدئية تعين على تجنب الوقوع في الخطأ، كأن يعتمد مبدأ الاختبار المعياري في الحكم على الشخصية. ربما لا يتعرض المبدأ إلى نوع الاختبار أو منهج تطبيقه إنما سيؤدي إلى تجنب الاختيار الانطباعي الذي تقع فيه أكثر المؤسسات. يذكر راي دايلو في كتاب (المبادئ) عددًا من المنهجيات التي تعالج انحيازات نفسية محددة مثل الانحياز المعرفي. ففي الانحياز المعرفي يميل الإنسان إلى الاعتماد على أدلة تؤكد معتقداته المسبقة، فيصبح في دائرة مغلقة معزولاً عن الحقائق الخارجية التي لا تلائم معتقداته. ونتيجة الخضوع تحت تأثير الانحياز المعرفي هو اتخاذ قرارات خاطئة تكلف المؤسسة خسائر باهظة؛ لأنها بُنيت على معرفة خاطئة؛ لذلك يعالج الانحياز المعرفي في كتاب (المبادئ) للتحقق من صدقية القرار أو المعلومة أن يتحقق متخذ القرار من معلوماته باعتماد ثلاثة مصادر مستقلة. بتطبيق مبدأ المصادر الثلاثة، يمكن تجنب الوقوع في الانحياز المعرفي؛ لأن الوعي بالانحياز نفسه موجود ومنهجية تجنبه معتمدة. ومع وجود مجموعة من المبادئ المعتمدة يمكن الحد من الوقوع في الانحيازات النفسية إذا آمن منتسبو المؤسسة بها وطبقوها.