يدفع التعصب لفريق رياضي إلى الرفض القاطع للآراء التي تشكك في بطولاته، أو أداء نجومه، عبر الميل لتذكر الوقائع التي حقق فيها الفريق المفضل الانتصارات والبطولات، وتجنب تلك العثرات والتراجعات، ناهيك عن تفسير كل شيء من وجهة نظر فريقه المفضل! وبالتأكيد ما نمارسه في مجال الرياضة نمارسه بشكل أوسع في معظم القضايا التي تواجهنا. في الحقيقة نكاد جميعاً نميل لتذكر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقداتنا وافتراضاتنا، بينما نميل لتجاهل تلك المعلومات المناقضة لها، مما يؤدي إلى الخروج بتفسير متوافق مع معتقداتنا وقيمنا، وهو ما يعتبر انحيازاً معرفياً لأحكامنا المسبقة، وخطأ منهجياً في الاستقراء، وبالتألي التأثير على موضوعية وجهة النظر. يعتقد علماء النفس أننا نميل دوماً إلى اختبار الفرضيات من منظور واحد، عبر البحث عن أدلة تتناسب مع معتقداتنا الحالية، بدلاً من تمحيص كافة الأدلة ووجهات النظر المرتبطة بالموضوع، وغالباً ما نطرح أسئلة تهدف للحصول على إجابات تؤكد الافتراضات المسبقة، وليس بهدف الخروج برأي جديد، أو حتى نوع ما مختلف! جزء من العوامل المؤثرة على تحيزنا التأكيدي هي الذاكرة الانحيازية، حتى لو جمع الشخص الأدلة المختلفة وفسرها بطريقة حيادية، فإنه يستمر في التذكر الانتقائي لدعم توقعاته المتوافقة مع اتجاهه، وهو ما يطلق عليه بذاكرة التأكيد، ويعتقد أن سببها هو أن تخزين واسترجاع المعلومات المتوافقة مع التوقعات المسبقة أسهل وأسرع على الدماغ، مما يجعلها هي ما تظهر أمامنا وليس غيرها. الأسوأ لا يحدث فقط حين الانحياز التأكيدي من خلال تفسير المعلومات بل يحدث أثناء البحث عن المعلومات وتمحيصها، حتى يصر الشخص على صحة معتقداته حتى بعد إثبات فشل دلائله التي استند عليها لتبني تلك المعتقدات، ليظهر انحيازاً معرفياً شبيهاً بالانحياز التأكيدي يطلق عليها "الإصرار على المعتقدات"، وهو ما يظهر جلياً في التعصب الرياضي والتحزب السياسي، حيث تشير مثلاً إحدى الدراسات الأميركية إلى أن السياسيين الأميركيين يزداد تعصبهم لآرائهم الحزبية وتفسيراتها مع ازدياد مستواهم التعليمي! وهو ما يفسر أن المهارات العلمية المتقدمة والحصلية المعرفية الواسعة تستغل بواسطة الانحياز التأكيدي، لتكون جميع المخرجات متوافقة مع المعتقدات السابقة وليس خارجها. نؤمن دوماً أننا على حقٍ مطلق في جميع الموضوعات، مما يجعلنا عرضة للوقوع في فخ الانحياز التأكيدي، وهو ما يسبب كثيراً من خلافتنا الفردية والجماعية، التي قد تكون مبنية على تبنينا لوجهة نظر خاطئة بسبب هذا الانحياز، لكن يمكن تجنب هذا الفخ بالترصد له مسبقاً، عبر أخذ وجهات النظر المختلفة بالحسبان، والابتعاد عن إطلاق الأحكام المسبقة، واختبار الأدلة التي تدعم وجهات النظر الأخرى وليس فقط تلك التي تؤيد وجهة نظرنا.