إذا زرت موقعاً إلكترونياً لإحدى الشركات، ستجد في أكثر الأوقات صفحة مخصصة للتعريف بالشركة، سيكون في صفحة التعريف نبذة عن المؤسسة، بدءًا من تاريخ تأسيسها والمراحل التي مرت بها، كما ستجد في الصفحة ذاتها أو قريباً منها وصفاً لرؤية المؤسسة وقيمها. قد تكون صفحة الرؤية والقيم أقل الصفحات إمتاعاً وفائدة، وقد تكون أكثرها غموضاً لدى زائر الموقع سواء كان الزائر من منتسبي المؤسسة أو من عملائها، ومع أن هذا الشعور موجود لدى الكثير إلا إنه خلاف الواجب، فأهمية الرؤية والقيم هو ترسيخ المبادئ التي تجمع موظفي الشركة وعملائها، حيث تلقي المبادئ بظلالها على قرارات المؤسسة بكل درجاتها، إلا إن هذه العبارات المختصرة غالباً، والتي يتوقع منها أن تؤثر في اتخاذ القرار غير كافية في نظر البعض في تشكيل شخصية المؤسسة. إن من المتوقع، كما ذكرت في المقالة السابقة، أن تتصرف المؤسسة بكل أعضائها كما لو أنها شخص واحد، ويلجأ قائد المؤسسة إلى وسائل مختلفة لتحقيق متطلب شخصية المؤسسة التي منها الإدارة المركزية. والإدارة المركزية من أكثر وسائل تحقيق شخصية المؤسسة ذيوعاً واستخداماً وأقلها احتفاءً، فعيوبها أشهر من أن تعرف، لكنها وسيلة بدهية عند من يواجه مشكلة توزع اتخاذ القرار عند أكثر من طرف في المؤسسة، فيذهب قائد المؤسسة إلى معالجة الخلل في شخصية المؤسسة بمتابعة التفاصيل وحبس القرارات، وقد كان المنظور الذي تسعى المؤسسات إلى تحقيقه هو ترسيخ قيم مشتركة منها التي يجدها عادة كل زائر للمؤسسة ممثلة في الرؤية والقيم، ومع وجود القيم مدونة ومعلنة في كثير من المؤسسات إلا أنها لا تؤدي إلى النتيجة التي نرجوها، وإن كانت الوسائل الأخرى تعمل لتحقيق الهدف نفسه، إلا أن القيم تمثل القاعدة الأساس لمعالجة مشكلة تشظي شخصية المؤسسة. إن معالجة تشظي شخصية المؤسسة يأتي باعتماد قائمة من المبادئ الإرشادية بدلاً من المتبع اليوم من تدوين قائمة قصيرة من القيم المعلنة في عدد من الكلمات المختصرة. إن وجود مبادئ إرشادية تدون في مرجع يعتمد ليمثل المؤسسة بكل منتسبيها ويقتدي به الجميع في عمليات اتخاذ القرار على جميع المستويات هو البديل الذي يرسخ شخصية المؤسسة الواحدة. يقول راي دايلو مؤسس أحد أكبر صناديق الاستثمار في نيويورك: إن مدونة المبادئ كانت الوسيلة التي حققت لمؤسسته الخاصة مستويات عالية من جودة اتخاذ القرار، كانت جميع القرارات التي اتخذها القياديون والمستجدون في ضوء المبادئ التي سنها هو باعتباره مؤسس الشركة، ودونها على مدى سنوات طويلة من التجارب والأخطاء بمساهمة من أعضاء آخرين عبر تاريخ المؤسسة. كانت الإرشادات المبدئية وسيلة لترسيخ المبادئ التي يؤمن بها والتي يبني عليها رؤيته للأمور وحكمه عليها، وبوجود مدونة المبادئ فقد أصبح لدى المؤسسة قاعدة لاتخاذ القرار تغني عن اللجوء إلى المركزية.