أحد الأدوات الهامة للحد من حصول الجريمة في المدن هو تطوير الضوابط العمرانية للبيئة المبنية، فالحلول الأمنية والإجراءات الجزائية والدراسات السلوكية والاجتماعية لن تكفي لوحدها في تقليل معدلات حصول الجريمة، إذ يلزم أن يواكب ذلك عمل منظم على مستوى تخطيط وتصميم البيئة الحضرية. إن الاهتمام بجوانب واعتبارات التخطيط العمراني يساعد في وضع رؤية شاملة لمعالجة قضايا وتحديات المدن، عبر تحديد عوامل التكامل ما بين استخدامات الأراضي، والتنقل، والهجرة السكانية وغيرها، بالإضافة إلى ربط تحسين مستويات البيئة الحضرية بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تراعي خصائص معينة كالاندماج، التماسك المجتمعي، والتمكين. لأهمية هذا الأمر قامت بعض المدن العالمية بتبني إعداد خطط وبرامج لرفع مستوى التخطيط العمراني والأمن المجتمعي، حيث ركزت معظم الخطط على جانبي التمكين والتنوع الاجتماعي كأحد أهم المرتكزات للتأكد من التوازن ما بين التنمية والبيئة المبنية والأمن. من المدن الرائدة في هذا الجانب والتي أعدت خطة واضحة المعالم ذات أثر إيجابي في خفض معدلات الجريمة مدينتا تولوز في فرنسا، وكوينزلاند بأستراليا، حيث تناولت الخطة الحضرية التي تم إعدادها لتلك المدينتين المعايير التخطيطية لعناصر تعزيز الأمن والسلامة، وتقليل فرص الجريمة خاصة في المناطق والأماكن الحرجة والخطرة التي تهدد الأمن المجتمعي، وركزت الخطة على الضوابط العمرانية التي تساعد في ضبط استعمالات الأراضي، وتحديد نسبة المساحات العامة والخاصة، وأماكن الرقابة والضبط الأمني التي تسهم في ضبط جوانب المراقبة الأمنية بشكل يخفف الخطر على سكان المدينة؛ كما حددت العناصر الأكثر أهمية في رفع مستويات أمن البيئة العمرانية، ومن أبرزها: * الحيز المكاني (العام والخاص) وضوابط المساحات المشتركة التي تساعد في الاندماج الاجتماعي لتخفيف التجاوزات الأمنية. * سهولة الوصول والربط المكاني لعناصر الطرق والنقل لتساعد في معرفة المناطق وسهولة التنقل في المدينة وأحيائها المختلفة وتحديد مداخلها ومخارجها ومسارات الطوارئ في حال وجود أي حدث. * التركيز على السلامة والأمن كمبدأ أساسي للإدارة الحضرية خاصة في تحديد الاستخدامات والأنشطة المختلفة. * اعتماد تقديم دراسة تحليل المخاطر من الناحية التخطيطية والبيئية والعمرانية قبل إقرار مواقع بعض الأنشطة كأنشطة الترفيه والصرافة ومواقع الازدحام والاكتظاظ السكاني، وغيرها. * استخدام التقنية في تعزيز جوانب المراقبة والإدارة الحضرية، لا سيما في المواقع العامة التي تشهد ارتياداً عالياً. * وضع مؤشرات يومية لتحليل المخاطر من الناحية التخطيطية والبيئية والعمرانية والأمنية لتحديد مكامن الضعف من الناحية المكانية والبيئية ودراسة السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تعرض الأمن العام للخطر، وبالتالي وضع الحلول والإجراءات المناسبة لها.