توصلت دراسة بحثية حديثة لرصد أثر البيئة العمرانية على انتشار الجريمة وتكوين السلوك الإجرامي إلى أن جودة البيئة السكنية الآمنة تعد مؤشرا على مستوى جودة الحياة واستدامتها, وأن تنمية البيئة السكنية الآمنة تتطلب تحسين مستوى التكامل العمراني ودعم الإحساس بروح المجموعة بين السكان, وتمكينهم من المشاركة في إدارة الحي والعناية به، وتفاعل الجهات الحكومية لتحقيق بيئة عمرانية صحية وآمنة. وتكمن أهمية الدراسة التي قام بإعدادها المهندس فهد بن عبدالرحمن الصالح في التعريف بأهمية الحي السكني في بناء شخصية الإنسان السلوكية منذ طفولته، فهي تتعرض إلى الأدبيات ذات العلاقة بهذا الموضوع وتستعرض الجوانب العمرانية والتخطيطية والأمنية بالحي ودور الجهات المعنية بإدارة المدينة في ذلك. كما أن هذه الدراسة تناقش الأفكار التخطيطية التي يجب اعتبارها لتكوين حي سكني يساعد على الحد من انتشار الجريمة ويوفر الأمن والأمان لأفراد المجتمع. وتناولت محاور الدراسة علاقة تخطيط وتصميم الأحياء السكنية في تحديد مستوى السلوك الإجرامي، وأسباب تفشي الجريمة، ودور الجهات المعنية في معالجة القضية والقضاء عليها، والحلول التخطيطية والتصميمية المساعدة على تحسين البيئة العمرانية ورفع مستوى الأمن بها. وذكرت الدراسة أنه قد تواردت الدلائل التجريبية والتي تؤكد أن ما يتخذ من قرارات بشأن استخدامات الأراضي وشبكات النقل وانتشار المناطق العشوائية قد يتسبب في إضعاف ظهور الأحياء الصحية، وهذا يؤثر على مستوى النشاط الجسدي للسكان والذي ينعكس مباشرة في الأمراض المختلفة، لذلك أكد الباحثون على أن تخطيط الحي وتطويره بطريقة تقلل المخالفات الأمنية فيه يساهم بلا شك في رفع مستوى الصحة للإنسان لأن الصحة مرتبطة بالتفاعلات داخل الحي والتي قد تتلاشى إذا كثرت المخالفات الأمنية فيه. أما من ناحية الكثافة السكانية للحي فلقد أفادت الدراسات والبحوث على وجود علاقة كبيرة بين الجريمة والكثافة السكانية فمعدل الجريمة يزداد بازدياد حجم المدينة، ففي دراسة بريطانية قدمت لقياس معدل الجريمة وعلاقته بحجم المدينة وكثافتها السكانية وجد أن معدل الجريمة في مدينة لندن يزداد بصورة أكبر من المدن الست التي تأتي بعد لندن من حيث الحجم، في حين يبلغ معدل الجريمة في هذه المدن الست ضعف معدلات الجريمة في المناطق الريفية وهذا يدل على أن معدل الجريمة والانحراف والإخلال بالأمن يتدرج من حيث الفاعلية تدريجيا ويتناسب طرديا مع حجم المدينة وكثافة سكانها. وتعد المناطق العمرانية العشوائية ذات النمو غير المنتظم من خلال تركز السكان في أراض تنمو بدون نسق وهوية واضحة، وتضم مباني غير متجانسة تبنى من مواد ضعيفة وغير خاضعة لأي اشتراطات وقائية، غالباً تكون غير متصلة بشبكات المرافق العامة، وشوارعها ضيقة وغير متساوية وغير منتظمة وليس لها تدرج، وتُعد مصدراً للجرائم الأمنية والمشاكل الاجتماعية علاوةً على ما تسببه من تشويه للنسيج العمراني للمدينة. وتسببت المناطق العشوائية والتي تنشأ نتيجةً لتفاعلات سلبية بين السكان والمستثمرين والجهة البلدية المعنية في كثير من الأحيان بالإضرار بالسكان الذين يقيمون في تلك الأحياء لعقود طويلة من الزمن، وساعدت تلك الأحياء على تفكيك العلاقات بين الجيران داخل الأحياء، وساهمت في تفشي مظاهر الإجرام وخاصة السرقة والاعتداء على المشاه خاصة الأطفال والنساء،حيث إن المجرمين يستطيعون الهرب من أي اتجاه وكذلك يستطيع المجرم دراسة المنطقة دون أن ينتبه إليه أحد من السكان. كما أن سوء توزيع المراكز الأمنية في المدينة بشكل عام يؤدي إلى إضعاف هيبة الحي السكني، وارتفاع معدلات الجريمة داخل الأحياء السكنية، وظهور سلبيات مؤثرة على مدى الاستجابة للبلاغات ومباشرتها، لذلك لابد من عمل تقييم لمواقع المراكز المقدمة للخدمات الأمنية، وبالتالي تطوير معايير وضوابط تخطيطية لتوزيع تلك المراكز. وأوردت الدراسة بعض الحلول التخطيطية والتصميمية المساعدة على تحسين البيئة العمرانية ورفع مستوى الأمن بها من أبرزها تطبيق مفهوم الإدارة الحضرية الشاملة عن طريق التخطيط المتكامل وتوفير التجهيزات الأساسية والخدمات العامة ومساهمة القطاع الخاص في ذلك، وتقييم ملاءمة استعمالات الأراضي ومقترحات التنمية بمشاركة السكان، وتفعيل دور الرقابة البلدية في التشريعات الخاصة بالبناء بحيث تكون أكثر فعالية للحد من الاستمرار في إنشاء المباني المخالفة لأحكام التنظيم ومتطلبات التراخيص وتحقيق العدالة في توزيع الخدمات. بالإضافة إلى إعادة تخطيط مناطق الإسكان العشوائي بعد إزالتها وإعادة تخطيطها لتضاف للنسيج العمراني للمدينة وتكون جزءاً متجانساً منه، وتحقيق الأمان في المجاورة من خلال التصميم العمراني الذي يوفر ترابطا بين عناصره المختلفة على مستوى المجاورة والحي ويضفي الحيوية على الشوارع والساحات الداخلية للمجاورة، ويزيد من مستوى الترابط الاجتماعي بين السكان, ويصعب على المجرمين الدخول والتحرك بحرية في الحي.