بما أن الحياة لعبة كما هي دلالات الآيات القرآنية، فما بالنا نجعلها تعيش فينا ولا نعيش فيها! نعم إنها تعيش فينا من دون أن نعيش من خلالها! وهنا فرق كبير بين المقامين، فمن عاشت الحياة فيه يتحول بنفسه إلى إيقاع تلك الحياة، فمثلا إن عاش حالة فرح عاشه بكل ما أوتي من قوة، وذلك أمر منهي عنه، وإن عاش حزنا عاشه أيضا بالقوة ذاتها، وهذا كذلك أمر منهي عنه، وأما من عاشت الحياة من خلاله، فإنه يقف شاهدا ومراقبا لكل ما يمر به من أحوال ومقامات وأحداث، فإن عاش حال فرح استبشر قلبه من دون أن يقع في المبالغة المذمومة، وإن عاش ترحا عاشه من دون أن ينغمس فيه انغماسا ينقطع فيه عن كل أحد - طبعا هذا لا يعني الإيجابية البادرة كما أسميها، ولكن الفكرة ألا تنقطع كلية على حزنك - هي هكذا تكون لعبة. وأما من كان يتعامل معها بتعاملات الأول نفسها، فإنه يعيشها فتكون بؤسا ولعنة تلاحقه، ولا يستطيع أن ينفك عنها. والسؤال الآن: لماذا نحن ننسى أنها لعبة؟ أليس أمرا محزنا أن تكون حزينا!؟ ثم يا لعقولنا المشفقة علينا جدا، الأمر الذي يجعلها تستورد الكثير والكثير من داعمات الحزن. أتعلمون ما الذي يصيبنا؟ إننا ننسى فننغمس؛ فنحزن وتضيق بنا الأرض بما رحبت. وكي أوضح الأمر أكثر فإن الذي ننساه هو انتباهنا، نعم نحن ننسى انتباهنا فنتوه في الطريق ونتشتت، وأما الذي ننغمس فيه فهو شيئان اثنان؛ الأول: سيناريو ليس لنا به علاقة؛ بمعنى أنه يخص الآخرين، فنتصارع مع طاقة ذلك السيناريو مرة باسم الدين ومرة باسم العروبة ومرة باسم الوعي ومدارسه ومرة باسم الأمانة والقيم الجميلة ومرة باسم الغيرة على المعرفة والعلم حتى لو كانت حدود معرفتك هي الاستعانة بترجمة جوجل الفورية. حضرت برنامجا تدريبيا للميزة تاتيانا سامارينا، ولمن لا يعرفها هي مديرة مركز الترانسيرفينج في روسيا والمعتمد من المفكر فاديم زيلاند تقول التالي: (إياك أن تنغمس في شاشة الآخر ولما تفعل ذلك فأنت تعطيها الإذن لتتجلى في عالمك). والأمر الآخر الذي ننغمس فيه: السباحة باحترافية منقطعة النظير في مجموع ظنونك القاتمة وأفكارك السوداء. وكأني الآن أسمع سؤالكم: فما الحل؟ الحل - عزيزي القارئ - هو بتطوير عادة الانتباه وتعقب الانتباه ثم الانتباه وتعقب الانتباه، وأي شيء آخر هو أقل فاعلية. يقول فاديم زيلاند في كتابه العميق التنزه حيا في اللوحة السينمائية: (ينبغي عليك إعادة تطوير عادة إرجاع الانتباه إلى مركز الوعي)، وكلما كنت كذلك كنت إلى السلامة أقرب. والآن - عزيزي القارئ - تعقب انتباهك أين هو منغمس!؟ ولا تقع في نفق النسيان الأكبر.