تتكون الحياة الدنيا من مجموعة تجارب وبمجموعها يتشكل خط حياتك وبطبيعة الحال فإن تلك التجارب ستكون متنوعة وبدرجات متعددة كما هي تماماً طبيعة حركة الكون حيث الازدواجية هي الأصل فكما أن هناك ليلاً وشتاء ووفاة وحزناً وحرباً فهناك نهار وصيف وولادة وفرح وسلام. والعجيب أننا ميالون بطبيعتنا إلى تصنيف تلك التجارب التي نمر بها فنقول عن أحدها بأنها ناجحة والأخرى فاشلة أو مفرحة وتلك حزينة فهل هذا صحيح!؟ إنني لا أظن أن ذلك صحيح إذ لا توجد تجربة ناجحة وأخرى فاشلة وإنما غاية الأمر مرتبط بك أنت وليس في التجربة بحد ذاتها ودعني أوضح لك الأمر أنني عندما أقول إن الأمر مرتبط بك أقصد مرتبط بنموذجك الفكري/الباراديم أو كما يسميه المفكر فاديم زيلاند بيت الحلزون والذي يتعاطى مع تلك التجارب فيقوم مباشرة بتصنيفها ومن ثم يعطيها القبول والاستحسان أو الصراع والرفض. إذن مشكلتنا نحن ليست مع التجربة أياً كان نوعها بل مع نموذجنا الفكري الكامن فينا والآن: ما هو هذا النموذج يا ترى؟ إنه أشبه ما يكون بقوقعة السلحفاة التي تحيط بها وتتحرك من خلالها ويصعب عليها الخروج منها ونفس الشيء يحدث معنا نحن بنو الإنسان إذ يصعب علينا الخروج من نموذجنا الفكري ولذلك فكل قيمنا وأحكامنا واختياراتنا تتأثر بنموذجنا وبوضوح نحن نقرأ ونشاهد ونفكر ونشعر ونأكل ونتصرف بل حتى عبادة الله تتم من خلاله. ولعلي أشارك عزيزي القارئ بهذا المثال الواقعي لإحدى الحالات التي وقفت عليها: شاب لم يمض على زواجه سوى شهرين وتم ترشيح زوجته لإكمال الدراسة خارج البلد ولمدة سبع سنوات لم يعارض حيث كان ذلك مشترطاً عليه في العقد ولأنه موظف فلا يستطيع مرافقة زوجته ولقد حققا قدراً من الانسجام والتفاهم وفجأة وجد نفسه وحيداً وأصبحت اللحظات ثقيلة والأيام بطيئة والتوتر يزيد عليه حتى مرّ علي في الأسبوع الماضي وقد كان فعلاً منكسر الخاطر حزين النظر ويطرح الأسئلة ومن ذلك: هل زواجي كان خطأ؟ هل موافقتي على الشرط كانت خطأ؟ لم أستطع أن أركز في دراستي حيث إنه في مرحلة الدراسات العليا! فكان مما ذكرته له أن المشكلة ليست في التجربة بل في نموذجه الفكري الذي من خلاله يرى هذه التجربة بمعنى أن نموذجه الفكري يرى تجربة الزواج بأن تكون زوجته ملازمة له بشكل دائم ولا يستطيع تقبل فكرة أن تكون بعيدة عنه ما يجعله ينحبس في تذكر بعض اللحظات واستعادة بعض الذكريات وهذا الانحباس هو ما يجعله ثقيل الحركة نفسياً إنه أشبه بمن يحمل عبئاً فوق ظهره ولا يكاد يطيقه. فلماذا تريد الإصرار على رؤية التجربة من خلال غرفتك الفكرية؟ لماذا لا تنتقل من غرفتك إلى السطح وترى من هناك، وصدقني ستجد ما يدهشك وأن الأمر في صالحك ما انفتحت على ذلك وتقبلته واستفدت منه أما إن بقيت منحبساً في غرفتك/ألمك رافضاً تقبل هذا السيناريو الجاري فصدقني ستتذوق ما لم تذقه من قبل ذلك أن الأفكار والمشاعر غير الموجهة عبء كبير لحاملها. وفي النهاية نماذجنا الفكرية تعيش بعض الصراع لما هو خارج مألوفاتها فاستيقظوا لذلك وتعاملوا معها بشكل صحيح.