لا شك أن الفلسفة هي أم العلوم وقد ساعدت الإنسان منذ بزوغه على اكتمال عقله في تحقيق غاياته العلمية، وهي التي أوجدت الحداثة بمادياتها التي نعيش اليوم تحت كنفها. لكن الفلسفة في عصرنا اليوم باتت مجهولة الهوية وقلة من يتعاطاها ويفهم محتوياتها خاصة في المملكة. فقد رفُضت كمادة منهجية تُدرس في المدارس. وجل هذا الضياع الفكري كان على غرار أحكام من قبل البعض، الذين لم يقرؤوا أو يستنبطوا وجهة نظر مجمل الفلاسفة في كتبهم، فجل هجومهم على رأي قليل من الأفكار المختلفة؛ مما اختلط فيه الفهم ومدى حجم الاستيعاب، وباتت الفلسفة هي شيطان الفكر والخطر المهدد للعقيدة الإسلامية. والكارثة تكمن بسبب قراءة كتاب (تهافت الفلاسفة) لأبي حامد الغزالي الذي كان يعاني من بعض الالتباسات في عصره مما أوقعه في الحكم السريع وفهمه الخاطئ على كثير من الفلاسفة، خاصة أرسطو. ومن حسن الحظ أن فيلسوف قرطبة ابن رشد الحفيد قام بالرد على مهاترات الغزالي بكتاب عنونه ب(تهافت التهافت) ونعت صاحب كتاب (تهافت الفلاسفة) بالجهل العقيم، حيث وضح لمثقفي عصره أهمية الفلسفة. ولكن المؤسف والمخجل هُجم فيلسوفنا من رجال الدين آنذاك مما عانت الفلسفة الإسلامية من شللية، بحيث تم رفض فهم بواطن النص المقدس والأخذ بظاهريّة النص فقط. وهذا التقنين المتشدد أودى بنا اليوم لجهلٍ مقيت ساهم في ضعف الأمة وجعلها تتخبط بين البلادة والكسل الفكري، الذي أنتج الإرهاب والتطرف. العقل بحاجة إلى التفلسف؛ لكي يبحر في عالم الفضاء الكوني، فالعقل من خلال الفلسفة يستطيع الإبحار بين الأكوان المترامية الأطراف وجزيئات المادة؛ وهو فضاء واسع الكلمة، فقد اهتم كثير من العرب بالفلسفة الإغريقية إبان الفتح الإسلامي لمناطق الشرق ودعم ترجمة الكثير من الكتب، ولكن كما هو الواقع بدعاة التضليل دائماً فهمهم قاصر الطرف مما ساهم الضغط على عامة الناس بما فيهم الحاكم أو الخليفة بالحكم القاصر حول المتفلسفين. الفلسفة هي التي أوجدت الشعوب وجعلتها تدرك الحقائق من حولها سواء في علم اللاهوت أو تحليل المادة كواقع ملموس أو التطرق بالمثالية العليا بوجودية الكون وعدميته مع قدم العالم الأزلي السحيق. وأيضاً قادت الفلسفة الإنسان لفهم الظواهر المادية والكونية والتفكير والتحليل بمجريات الأحداث؛ وفهم الأديان واستنباط وجودها الفلسفي عند الشعوب البدائية، قد يعيش الإنسان حالة من الفلسفة الاجتماعية وهي ذكر الأساطير والحياة بجو من روح الميثولوجيا الإنسانية التي انبثقت من خلالها المعتقدات. إذاً الفلسفة هي حياة الإنسان منذ أن ميز نفسه عن باقي المخلوقات الحية. فأصل فلسفة الفيلسوف؛ أنه اكتشف الكثير من المفاهيم من خلال تصرفات المجتمع البشري أمامه، وهي دراسة وملاحظات أجهد نفسه فيها حتى فهمناها اليوم كجزء من الحقيقة والبحث مستمر بمجرياتها من خلال أفكارهم.