تخيل أن العالم وصل لمرحلة متقدمة من التطور حتى صارت جميع الخدمات من أكل وشرب وسكن وعلاج متوفرة مجانا والبنية التحتية على أعلى مستوى والروبوتات تقوم بكل الأعمال المطلوبة والبشر لا يحتاجون للقيام بأشغال لطلب العيش، حيث اختفى تماما مفهوم التعاملات المالية، ما هو مستقبل ذلك العالم، وما الذي ستفعله لو عشت هناك؟ هذا السؤال يطرحه صديقي د. جينتو موجي من جامعة طوكيو في الامتحان النهائي لمادة الهندسة المالية كل عام.. مقالة اليوم تبحر بكم في ذلك العالم.. في تقرير منشور لصحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 14/11/2017م بعنوان (هل سيختفي الكاش؟) تبين الصحيفة أن هنالك مجتمعات مثل السويد وصلت فيها نسبة من يتعاملون بالمال غير الملموس من بطاقات ائتمانية وجوالات وغيرها إلى 99 % من إجمالي الشعب بينما وصلت هذه النسبة إلى 97 % في بريطانيا وحوالي 92 % في أميركا، ومع ذلك فيرى التقرير أن المال الملموس (الكاش) لن يختفي بسرعة، حيث ما يزال يحتل مكانة مميزة في التعاملات البنكية، وبالنسبة للحكومات فمن أهم الأسباب التي تشجعها على دعم التعاملات الإلكترونية للأموال هو إمكانية توثيق ومراقبة ورصد تحركات الأموال خاصة لتلك الخاصة بالمنظمات الإرهابية والعصابات الإجرامية. وبالعودة إلى السؤال في مقدمة المقالة، فلو حصل واختفت الأموال تماماً سواء مادياً أو افتراضياً وانتهى مبدأ التعاملات المالية وأصبح كل شيء مجاناً، فإن أول تغيير متوقع سيحصل في المجتمعات هو أن طلاب الجامعات لن يدرسوا إلا المواد والتخصصات التي يعشقونها، حيث لن يكون هنالك داعٍ لأن يعمل المرء في مهنة لا يحبها، ولا داعٍ لأن يدرس الطالب تخصصاً لا يميل إليه لضمان وظيفة ذات دخل معقول. أما الحياة العملية فمن المفترض أن تتعزز الروابط الأسرية والاجتماعية والصداقات لوجود أوقات أكثر لدى الناس الذين سيرتبطون أكثر بالنشاطات الخيرية والتطوعية بعيداً عن الحسابات المادية، ولعل ذلك يفسر لك اتجاه عدد غير قليل من قادة قطاع المال والسياسة إلى العمل التطوعي والنشاطات الخيرية بعد أن حازوا المجد من أطرافه في مجالات أعمالهم. وعلى الجانب الآخر، ففي عالم تختفي فيه التعاملات المالية لن يكون جميع الناس خيرين ويسعون للعمل التطوعي، بل ولا شك أن فئة أخرى على النقيض ستسعى لتعيث فساداً وتخريباً بممارسات غير سوية. وفي ذلك العالم وبالنظرة المادية ورغم اختفاء الأموال فسيكون الاهتمام والإعلامي والجماهيري وجذب الأضواء هو أحد الحوافز والدوافع المهمة للأشخاص في تلك المجتمعات. طبعاً في ثقافتنا سيظل مبدأ الخير والشر والحسنات والسيئات عاملاً حاسماً في هكذا عالم، خاصة في ظل الإيمان بأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة والتبسم صدقة.. ومع التسليم بأهمية المال في مجتمعاتنا المعاصرة، فقد صدق أحمد خالد توفيق رحمه الله في قوله: «أريد أن أجمع قدراً من المال يكفي لعلاج الأمراض التي أصابتني أثناء جمعه!». Your browser does not support the video tag.