في مثل هذا اليوم من أبريل 1990 أطلقت وكالة ناسا تلسكوب «هابل» كأول تلسكوب بصري يخرج عن نطاق الأرض.. قدم في أول عشرة أشهر (من تركيب عدسته الجديدة) ما لم يقدمه علماء الفلك في العشرة قرون الماضية.. ولا أبالغ في هذا الادعاء لأن مجرد نقل أي تلسكوب إلى الفضاء يعد نقلة نوعية لم يحلم بمثلها علماء الفلك في العصور القديمة.. ولا أتردد في القول إن علم الفلك ينقسم في نظري إلى عصرين: الأول منذ رفع أبونا آدم رأسه ليراقب الكواكب والنجوم.. والثاني منذ رفعت ناسا تلسكوب هابل الفضائي قبل 28 عاماً!! فكثيراً ما حلم الفلكيون بنقل تلسكوباتهم البصرية إلى الفضاء الخارجي للحصول على صور أكثر صفاء للكون. فمراقبة السماء من سطح الأرض أشبه بمراقبة مصابيح الشارع من قعر مسبح ملوث؛ فالغلاف الجوي -الذي نعيش تحته- ملوث ومضطرب وغير شفاف ويتسبب بانحراف أضواء النجوم.. لهذا السبب توضع التلسكوبات الأرضية المشهورة فوق الجبال العالية طمعاً بصفاء الأجواء والبعد عن الأضواء.. ولكن؛ حتى هذا الإجراء لا يمنحها دقة ووضوح أي تلسكوب صغير يتم رفعه فوق كامل الغلاف الجوي للأرض.. أضف لهذا أن عمليات الرصد الأرضية تمنعنا من رصد الأشعة الكهرومغناطيسية التي تصدرها الأجرام السماوية ويتم امتصاصها في الجو قبل وصولها إلينا. لهذا السبب تبنت وكالة ناسا منذ الستينيات فكرة إطلاق تلسكوب فضائي (دعي هابل تيمناً بالفلكي الأميركي إدوين هابل) ونجحت في إطلاقه فعلاً في 24 أبريل 1990.. والحقيقة هي أن أقماراً اصطناعية متخصصة برصد الأشعة الكونية (البنفسجية، والسينية، والراديوية، وتحت حمراء) سبقت هابل في محاولات الرصد الفضائي؛ غير أن هابل أضاف لميزة الرصد الإشعاعي ميزة (التصوير البصري) التي تتيح لأعيننا رؤية الصور التي يلتقطها للكون.. وبالإضافة لوجوده خارج الغلاف الجوي (وتزويده بكاميرات تصوير متطورة) يتمتع تلسكوب هابل بميزتين لا يمكن لتلسكوبات الأرض مجاراتهما: الأولى إمكانية تحريكه وتوجيهه لمراقبة هذه المجرة أو تلك النجمة (بل وحتى لرؤية الأرض ذاتها).. وهذه الميزة أتاحت له خلال السنوات الماضية اكتشاف مجرات ونجوم وكواكب في كل موقع واتجاه - وعلى أبعاد كونية سحيقة لم يتخيل العلماء وجودها.. أما الميزة الثانية فهي أن هابل يعمل كعين تخترق الزمن وترى من الماضي ما قد يكون اندثر بالحاضر.. فبعض الصور التي التقطها تعود لنجوم تبعد عنا بلايين السنيين الضوئية؛ وحين يلتقط صوراً على هذا البعد فكأنه يرى حال تلك النجوم قبل بلايين السنين (حين انطلق ضوءها باتجاهنا لأول مرة).. وبفضل هذه الصور أعلن العلماء في مايو 1999 أن عمر الكون لا يقل فعلاً عن 13 بليون عام هي أقصى مسافة تمكن هابل من رؤيتها.. الجميل أن صور هابل أصبحت اليوم متوفرة على الإنترنت.. يكفي أن تضع في غوغل كلمتي Hubble images لترى صوراً للكون لم يحلم برؤيتها نيوتن وكوبرنيكوس والبيروني في زمانهم!. Your browser does not support the video tag.