استأذنكم اليوم في استعارة نكتة فلكية ذكرتها في مقال قديم بعنوان ألف حياة في الكون لم أجد أفضل منها للبدء بفكرة اليوم : فقد اتفق اثنان من علماء الفلك على الذهاب للصحراء والتخييم هناك .. وفي منتصف الليل أيقظ احدهما الآخر وقال له بلهجة جادة : افتح عينيك وقل لي ماذا ترى !؟ قال الثاني : ملايين النجوم !! وماذا تستنتج من هذا !؟ فرك عينيه واعتدل في جلسته وقال : همممم إذا افترضنا أن في مجرتنا بليون نجم ، وأن واحداً من كل الف نجم يدور حوله كوكب واحد فقط فهذا يعني أن في مجرتنا ( 1000,000,000) كوكب . وإذا افترضنا أن واحداً من ألف كوكب يضم نوعاً من الحياة فهذا يعني ان هناك (1000,000 ) كوكب حي في مجرتنا فقط ! حسنا يازميلي العزيز : رؤيتك للنجوم تعني أن هناك من سرق خيمتنا !! ... نعم أيها السادة .. فحين ننام في الصحراء بلا خيمة فمن الطبيعي أن ننظر للنجوم ونبدأ بعدها . وما يشجعنا على ذلك أنها تبدو ساطعة وكثيرة لاختفاء التلوث الضوئي والكربوني الذي يميز مدننا الحديثة وبالتالي امكانية رؤية أكثر من ألفي نجمة بالعين المجردة فقط (وأكثر من 6000 يمكن رؤيتها من كافة مناطق العالم) .. وفي الماضي البعيد كان يعتقد أن ما تراه عين الانسان هو ما يوجد فعليا في كون الله الفسيح . غير أن الحال تغيرت عام 1610 حين وجه الايطالي غاليليو جالي منظاره إلى السماء فرأى لأول مرة نجوما أكثر وأبعد مما رآه أي بشر (وكان كلما صنع منظارا أقوى شاهد نجوما أكثر عددا وبعدا) ... فاختراع التلسكوب البصري والراديوي لاحقا أضاف لحصيلتنا أعدادا خرافية من النجوم (كما أضاف المزيد من الأسئلة المحيرة بدل تقديم اجابة بسيطة عن عدد النجوم في السماء). وفي القرن العشرين أصبح لمعظم الدول المتقدمة تلسكوبات وطنية ضخمة تتيح لعلمائها مراقبة السماء ورصد حركة الكون .. غير أنها جميعها كانت تعاني (بحكم وجودها أسفل الغلاف الجوي) من تشوش الرؤية وانكسار الضوء واحتمال التداخل مع البث اللاسلكي . وفي عام 1990 أطلقت وكالة ناسا أول تلسكوب فضائي ضخم لرصد السماء (من خارج الغلاف الجوي) أطلق عليه اسم هابل تيمنا باسم الفلكي "إدوين هابل" الذي اكتشف توسع الكون عام 1924 .. ويمكن القول ان هذا التلسكوب بالذات قدم الى معارفنا الفلكية في العشرة أعوام التالية مالم تقدمه العشرة قرون الماضية مجتمعة .. ليس هذا فحسب ؛ بل عمل كآلة زمن تسافر عبر الماضي كون أغلب الصور التي يلتقطها تعود لنجوم تبعد عنا ببلايين السنيين الضوئية .. وحين يلتقط صورا على هذا البعد فإنه يرى تلك النجوم كما كانت في الماضي قبل بلايين السنين حين انطلق ضوئها باتجاهنا لأول مرة (وليس في لحظتها الراهنة) .. وبفضل هذه الصور البعيدة أعلن العلماء في مايو 1999 ان عمر الكون لايقل عن 13 بليون سنة ضوئية حسب أقدم جرم فضائي تمكن التلسكوب من رؤيته على حافة الكون !! ... وهذه الأيام يمكن القول ان معارفنا البشرية أتاحت لنا رؤية ورصد أكثر من 400 بليون نجمة في مجرتنا فقط (المسماة درب التبانة) .. وإذا ضربنا هذا الرقم ب 100 مليون مجرة أخرى أمكن رصدها في الكون يصبح لدينا أكثر من 40 مليون مليون مليون نجمة على الأقل في السماء !! ... وبطبيعة الحال حتى هذا الرقم لا يجيب عن السؤال (الذي عنونا به المقال) ولا يجب الاعتماد عليه لفترة طويلة لأن هناك معادلة بسيطة تقول : كلما كبر حجم تلسكوبك زاد عدد نجومك في السماء ..