منذ القدم والمرأة موصوفة بالغيرة الشديدة وبحبها للتملك وبأنها تحب أن تحيط الرجل الذي تحبه بالكثير من الحب والرغبة في تملكه، وذلك يقودنا إلى الكثير من حالات الغيرة التي خرجت عن معدلها الطبيعي لدى بعض السيدات والتي كانت خلف دافع الجريمة مع الرجل، إلا أنه يبدو أن تلك الغيرة القاتلة والتي تدفع إلى الجريمة لم تكن فقط في عالم المرأة تجاه الرجل، بل إنها موجودة لدى بعض الرجال مع زوجاتهم حينما يتملكهم الشعور بالملكية والغيرة القاتلة وحب السيطرة.. وعلى الرغم من أن الجريمة تحدث وتمثل أمام القضاء كجريمة إلا أن ذلك يقودنا إلى السؤال الأهم.. هل يمكن أن تكون الغيرة سبباً حقيقياً خلف حدوث الجريمة؟، وهل تلك الغيرة تدل على اختلالات نفسية موجودة في الأصل في نفس الفاعل فلا تظهر إلا حينما تتضافر أمامه مجمل من الظروف تدفعه إلى أن يخرج تلك الاختلالات النفسية في صورة غيرة تدفع للجريمة؟ تأتي هذه الأسئلة على خلفية حادثة حرق زوجة لزوجها بعد أن اكتشفت أنه تزوج من امرأة أخرى وهي الحادثة التي تشابه الكثير من الحالات والتي تدفعنا إلى تأمل نوع تلك الغيرة التي قد تدفع المرأة أو الرجل إلى الجريمة، وكيف يمكن لنا أن نحمي أنفسنا من غيرة قد تقدمنا يوماً للقضاء بتهمة محاولة القتل؟ الخيانة ترى اعتدال محمد -ربة بيت- أن المرأة تشعر بخيبة أمل كبيرة حينما تكتشف أن الرجل الذي تزوجت منه لسنوات طويلة قد تخلى عنها وتزوج بامرأة أخرى خاصة حينما تكون قد حرصت على تقديم سبل المحبة والراحة له، وعلى الرغم من أن تلك المشاعر ليست مبرراً للجريمة أو الانتقام إلا أنها تتفهم مشاعر امرأة أخرى تقترف أي عمل من أجل الانتقام من زوجها الذي غدر بها من وجهة نظرها، فشعور الخيانة مؤلم حتى وإن كان حقاً شرعياً، مبينة أن هناك بعض الرجال في المقابل يعانون من الغيرة الشديدة التي تدفعهم إلى حصار الزوجة بشكل خانق فيراقبها، وربما وضع الكاميرات لمعرفة ما تفعل فقط لأنه يغار عليها بشكل مجنون مستشهدة بحادثة القتل الذي ارتكبه زوج ضد زوجته فقط لأنها طلبت الطلاق منه، فلم يتحمل رفضها له فقتلها، فالغيرة شعور مشترك بين الرجل والمرأة، ويتفاقم بذات الدرجات بين الجنسين وهو ليس حصراً على المرأة. العاطفة وترى ابتهال عطية -معلمة- أن غيرة المرأة أكثر خطورة من غيرة الرجل، فالمرأة حينما تتملكها الغيرة قد يدفعها ذلك للجريمة بسهولة لأنها كائن عاطفي ويحكم عاطفته كثيراً في حين قد يحكم الرجل عقله حتى في أشد حالات الغضب، مبينة أن هناك الكثير من الحوادث والدلالات التي شاهدتها والتي تدل على أن المرأة قادرة على الإيذاء بشكل مخيف إذا ما تملكتها الغيرة وتلك الغيرة للأسف ليس فقط تجاه الزوج، بل إن هناك شقيقات يغرن على شقيقهم بعد زواجه فيحاولن أن يدبرن المكائد لزوجته حتى يكرهها، وهناك من الأخوات من تغار من أختها وقد تضعها في موقع يهدم أحلامها بسبب الغيرة والرجل قد يشعر بتلك الغيرة القاتلة الدافعة للجريمة، وهذا ما ذكر في القرآن الكريم في قصة يوسف حينما شعر إخوته بالغيرة من حب أبيهم ليوسف فعمدوا للجريمة ورموه في البئر، فالغيرة التي تقود إلى الجريمة حالة يغيب فيها العقل وهذا قد يحدث للجنسين. التوازن النفسي يرى د. ماجد علي قنش -استشاري علم النفس والسلوك- أن الغيرة قد تؤدي إلى عمل إجرامي يصل إلى القتل لأن الغيرة مصدرها الحب والحب إذا وصل إلى درجة عالية فإنه يصل إلى حب التملك وهذا التملك يدفع المرء إلى أن يرغب بأن يمتلك كل ما في الطرف الآخر حتى تدفع الغيرة إلى الغيرة من الأقارب وأقرب الناس إليه ولذلك فربما يكون هناك اختلال عقلي بسيط جداً ولكننا لا نستطيع أن نقول: إن مثل هذا الشخص مريض نفسي إلا أن اختلاله العقلي يدفعه إلى أن يصبح معمي البصيرة ولذلك تصل إلى القتل، إلا أن مثل هذه الحالات نادرة وليست ظاهرة مبيناً أن الغيرة الشديدة توجد لدى النساء أكثر من الرجال لأن حب التملك يكثر لدى النساء من حب التملك لدى الرجال ففي الوقت الذي تعاني المرأة من حب التملك الرجل يعاني من حب السيطرة والهيمنة، إلا أن المرأة تحب التملك إلى درجة تصل إلى أن الرجل إذا حاول فقط أن يفكر مجرد تفكير بالزواج من امرأة أخرى فإن الغيرة تشتعل بداخلها وذلك يعود إلى أن المرأة جبلت على الغيرة ولذلك قد تكون دافعاً للجريمة. وأشار قنش إلى أن أنواع الغيرة الأخرى التي تشعر بها المرأة تختلف عن غيرة الحب الشديد فهناك غيرة لا تصل إلى الجريمة فحتى المرأة التي تسعى إلى خراب بيت امرأة أخرى أو عمل شعوذة وإلحاق الضرر بها بالسحر وغيره فعادة يكون خلف ذلك رجل وشعور بالغيرة، مبيناً أنه لم يحدث أن عرض عليه في عيادته امرأة غارت من أخرى بسبب جمال ثيابها أو مكانتها الاجتماعية فعمدت إلى الجريمة الكاملة ولكنها قد تغار منها فتدبر لها المكائد وقد تشوه سمعتها وربما تكرّه الناس فيها ولكن لا تصل إلى القتل إلا إذا وجد رجل في النصف. وذكر أن السبب خلف تفاقم شعور الغيرة يختلف باختلاف الحالة فأحيانا تعامل الوالدين لابن لديهم بشكل يختلف عن إخوته يدفعه إلى غيرة الجريمة بسبب التحامل والكره وذلك ما حدث لطفل في سن السابعة قتل أخاه الرضيع لأنه شعر بالغيرة على أمه من أخيه الرضيع فدهن صدر أمه بسم الفئران فمات الرضيع، موضحاً أن الجريمة ليس لها سن فهذا الطفل وضع السم ولكنه لا يدرك مخاطر هذا الفعل ولم يفكر بتفكير إجرامي ولكن الدافع كان الغيرة، ولذلك فإن الغيرة شعور جبل عليه الإنسان ولكنه يختلف من شخص لآخر فعلى سبيل المثال غيرة الأبناء سببها عدم عدالة الوالدين بين الأبناء، بخلاف غيرة المرأة المميتة التي قد تدفعها للجريمة في حين تدفع الغيرة الرجل إلى السيطرة على المرأة وهذا ما يحدث حتى على السيدات المعلقات من زوج قد لا يحبها ولكن لديه رغبة في السيطرة. وأوضح قنش أننا نستمتع بشعور الغيرة لأنها حالة فطرية وهي معنى كبير للحب ولكن إذا زادت عن حدها المعقول تحولت إلى مشكلة كبيرة، ولذلك الغيرة المتزنة هي الغيرة المحمودة أما الغيرة القاتلة فدائماً خلفها أسبابها، فهناك أم تغار من ابنتها بسبب اهتمام زوجها الكبير بهذه الابنة، وكذلك قد تغار الأم من ابنتها المتزوجة لأنها تعيش الاهتمام من زوجها الذي لم تشعر معه بالاهتمام فتشعر بالغيرة. وعن حماية المرأة نفسها من الغيرة التي تدفع إلى الجريمة دعا قنش إلى ضرورة أن تتمتع المرأة بالاتزان النفسي الذي يعطي الأشياء حقها الطبيعي، فتعطي المرأة حق الاهتمام ببيتها، وتعطي حق الاهتمام بزوجها، وتعطي حق الاهتمام بنفسها، مع حب الذات لأن الاختيار في أساس العلاقة بين الرجل والمرأة قائم على القناعة والاقتناع ولذلك فالاتزان النفسي في كل شيء يمنح راحة البال للطرفين، وهو ما يعطي للحياة معنى ويخلق التوازن في مشاعرنا تجاه الآخر. الشكوك الزائدة بين الزوجين تدفع لتحول مسار الغيرة Your browser does not support the video tag.