في الحادي والعشرين من شهر صفر الماضي توفي صديقي الراحل الدكتور عبدالله بن فاضل الشهري بعد صراع طويل مع المرض، وكنت عرفته قبل أكثر من ثلاثين عامًا في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام، شابًّا دون العشرين، ثائرًا، متوقِّدًا، مفعمًا، بالحماس، ومسكونًا بالأحلام والتطلعات، وانتهى بي وبه المطاف زميلين في كلية التربية بجامعة المجمعة. وما بين المحطتين مشوار كفاح طويل لم تكن المحطة الأخيرة في يوم من الأيام هدفًا له، ولا هي من مكتسباته، وخلال السنتين اللتين تزاملنا فيهما كنت أرى جسده يذوي أمامي شيئًا فشيئا، فيما كانت روحه الثائرة تزداد عنفوانا. وفي النهاية حسم ناموس الحياة الصراع، فاستسلمت الروح للجسد، وغادر الحياة.. ويا عُمْرَ الكهولةِ والشباب صديقَ العمرِ يا زمنَ التَّصابي ويا شيطانَ مَسْكَنتي وضَعْفي ويا صُبْحَ انكساري وانكبابي ويا ليلَ التَّوهُجِ في حياتي ويأسَ المستحيلِ من الطِّلاب ويا أملًا إذا ما ضاق عيشٌ طواني الهمُّ وانقطعتْ رِكابي ويا جبلًا ألوذُ به إذا ما تَبُثُّ ضناك لي وأبُثُّ ما بي مضى دهرٌ وأنتَ إلى جِواري عن الأمطارِ والجوِّ الضَّبابي تُحَدِّثُ عن صِباك بأرضِ شِهْرٍ تُرَوِّيِهِ شآبيبُ السَّحابِ وعن حقلٍ ومحراثٍ وزرعٍ تُحَدِّثُ عن أكاليلِ التُّرابِ وأنسُجُ للرياض خيوطَ حَرْفٍ تَربَّع وَسْطَه شيخٌ مُرابي وعنْ سوقٍ ودُكَّانٍ عتيقٍ من الآهاتِ والشَّجَنِ المُذابِ ونتلو في هزيعِ الليلِ وِرْدًا فَتِيَّاتٍ كأسنانِ الحِرابِ وشاخَ العمرُ والأحزانُ ظلَّتْ وما للحُزْنِ فينا مِنْ خِضابِ خَضَبْنا الشَّيْبَ لمَّا نالَ مِنَّا لنا عَنْ مُرِّها منْ مستتابِ وأعْرَضْنا عن الشَّكوى وأنى ونكسو حُزْنَنا أزهى الثِّيابِ وبينا نحن نجترُّ المآسي ولم تَحْفِلْ بآهاتِ الغيابِ رحلتَ عن الحياةِ بلا ضَجِيجٍ وأسلمتَ الخطيئةَ للثَّوابِ وغادرتَ الفناءَ إلى خُلُودٍ وجَرَّعْتَ الحياةَ زُعافَ دابِ بموتِك قد وَهَبْتَ الموتَ روحًا وروضاتِ الحياةِ إلى يَبابِ وحوَّلْتَ القبورَ إلى رياضٍ إلى رَغَدٍ وعَيْشٍ مُسْتَطابِ إلى جنَّاتٍ عَدْنٍ يا صديقي كريمٍ عنده حُسْنُ المآب