لا شيء ينتزع الروح من الجسد غير الموت، لكن فقد «الضنا» هو أيضا انتزاع للروح يجسد كل آلام الحياة ومراراتها، وكل آهات الفقد وأحزانه. كم هو مؤلم أن تنتزع روح فلذة كبدك أمامك، كم هو خانق أن ترى جسدا غضا بالكاد عانقته السنين، كان حتى لحظات قريبة ينبض بروح الصبا وآمال المستقبل يسجى أمامك ساكنا بلا حراك، لا عرق فيه ينبض ولا نفس فيه يزفر، جسد طوقتك أحضانه، وروح عانقتك مشاعرها، إنها أقسى لحظات الوداع التي يمكن أن تمر بالإنسان، وداع لا تلاقي بعده.
عندما توفيت «لما» ابنة صديقي سلمان الفيصل المنديل الأسبوع الماضي شعرت كما لو أنه ووالدتها يقفان وحيدين في سكون مقفر توقفت فيه عقارب الزمن، فأي شيء أقسى من أن تذهب وحيدتك بكل سلام إلى فراشها الدفئ ولا تعود؟! أي شيء أقسى من أن تستودعها جسدا دافئا ينبض بالحياة والآمال والتطلعات، لتجدها بعد ساعات جسدا باردا يحيط به السكون ويغلفه الصمت؟! أشاركك أحزانك يا صديقي لكن أحدا على وجه الأرض لن يشاركك آلامك كما شعرت بها، فلا أحد تذوقها كما تذوقتها أنت ووالدتها، عزاؤكما يا صديقي أنها أسلمت روحا في حالة تعبد وتقرب إلى الله، صائمة في أيام مباركة ترجو رحمة ربها وعطفه.
طب نفساً يا صديقي واصبر، فغدا برحمة الله تستقبلك «لما» بذراعيها اللتين لطالما طوقتك بهما في الدنيا لتطوقك عند أبواب جنة غفور رحيم.