في الأيام القليلة الماضية شاهدت فيلم "ويكفيلد-Wakefield" وجلس عالقاً في ذهني ولم أستطع نسيان الإبداع الكامن فيه بكل تفاصيله، فقد ذكرني بمقولة المخرج الشهير رومان بولانسكي "Cinema Should Make you Forget You Are Sitting In A Theatre" والتي يقصد بها أن الفيلم السينمائي الحقيقي من المفترض أن يجعلك تنسى أنك تشاهد فيلماً في صالة العرض، علماً أنني كنت أشاهده في المنزل. وعلى كل حال فقد جعلني هذا الفيلم فعلاً أنسى أنني أشاهد الفيلم في غرفتي، وعشت حياة السيد "ويكفيلد" الذي قام بأداء شخصيته الممثل الرائع براين كرانستون. تبدأ أحداث الفيلم بذلك الرجل الغريب الذي يعمل في وظيفة مرموقة ولديه منزل جميل في ضواحي المدينة وعائلة رائعة وسيارة فارهة. في أحد المساءات كان ويكفيلد عائداً من العمل للمنزل في يوم ممطر كئيب وكانت تبدو عليه التعاسة مع مظهره الأنيق، فقد كان يخاطب نفسه بأسلوب روائي وبدأت إيحاءات بناء الشخصية للمشاهد بأنه مستاء من حياته طوال رحلته وهو عائد للمنزل، ليشاهد حيوان الراكون في حديقة المنزل فأخذ يلاحقه ليقوم بطرده ليجد نفسه أمام نافذة مستودع المنزل المكوّن من طابقين والمقابل لمنزله، فأخذ يتأمل زوجته وابنتيه الجميلتين وهم يحضرون العشاء منتظرين عودته من العمل، فأخذ يراقب زوجته ويبدو عليها القلق فتلتقط هاتفها لتتصل به ليقرر أن لا يرد عليها! وهنا تبدأ رحلة الفيلم بأن يكون السيد "ويكفيلد" الأناني سجيناً في المستودع يراقب حياة زوجته وابنتيه وهو الذي يبدو متناقضاً جداً فكان يملك كل شيء وفي المقابل يقرر ترك هذه الحياة ليدرس نفسه أولاً قبل أن يدرس عائلته إلى أن طالت لحيته وشعره بعد أشهر عديدة سجيناً في مستودع منزله وكان هو السجان الذي لا يستطيع مغادرة سجنه! ولاحقاً أصبح يتجول في الشوارع بكامل حريته وتبدو عليه علامات "التشرد" إلى أن يكتشف لاحقاً أن زوجته الجميلة التي كان يشك بها أنها وفية وأنه تخلى عنها وعن كل شي لأنانيته وغبائه وغيرته الوهمية. الشيق في الفيلم أنه لا توجد به حوارات وكان الفيلم عبارة عن ويكفيلد يشاهد ويروي ما يجري وما يدور بخلده وتحليلاته الشخصية لما يشاهده ولما يفكر به بأسلوب بليغ وعميق وغير مباشر. التفاصيل في كل شيء والعمق في الفيلم كانت حاضرة بقوة ومن شدة الإتقان فعلاً شعرت كمشاهد أنني أعيش مع ويكفيلد بل شعرت أنني أنا ويكفيلد في مراحل عديدة في الفيلم! كانت قوة الأداء والإتقان للممثل برايان كرانستون حاضرة وهو الذي نجح كممثل في المسلسل الشهير "بريكينغ باد" حيث كان يؤدي شخصية والتر وايت وكذلك الفيلم "ترمبو" الذي جسد فيه شخصية كاتب السيناريو في هوليوود "دالتون ترمبو". الفيلم من إخراج وسيناريو المخرجة روبن سويكورد وقد أهدته لروح كاتب القصة القصيرة إدغار لورنس دوكتورو الذي توفي في عام 2015 م والذي كان قد كتب نفس القصة ونشرها عام 2011 وهو ذاته اقتبسها عن قصة تحمل الاسم ذاته للروائي الأميركي ناثانيال هاوثورن التي نشرها عام 1835 م. *مخرج سينمائي روبن سويكورد