تحتضن الدورة الخامسة من مهرجان الخليج السينمائي - الذي افتتح عروضه الثلثاء ويستمر لأسبوع -، قضايا إشكالية تواجه شباب العرب في سعيهم لبلوغ عالم أفضل بعدما ارهقتهم السياسة وأعياهم استغلال الدين. ولعل فيلم الافتتاح «تورا بورا» للكويتي وليد العوضي يختصر جزءاً مما ينتظر المشاهدين خلال أيام المهرجان: أفلام لا تبتعد عما يمكن تسميته «سينما النيات الحسنة». ولكن، إذا كان قد قيل قديماً ان طريق الجحيم مفروشة بالنيات الحسنة، فإن ما يقال اليوم في ما يخصّ هذا النوع من السينما هو ان طريقه لن يكون أفضل مصيراً... وبالتالي لن يتذكره التاريخ السينمائي إلا لماماً، حتى وإن كان يطرح قضايا تؤرق العالم أجمع، مثل الإرهاب باسم الدين. صحيح ان العوضي طرق باباً في غاية الأهمية، مثل الدنو من معسكر «تورا بورا» في أفغانستان وعمليات غسل دماغ الشباب المسلم بحجج، الدين براء منها... لكنه (المخرج)، وهذا هو الأهم، فوّت على نفسه فرصة كبيرة ليضمّ فيلمه الى قائمة السينما العربية المميزة التي صوّرت هذه الإشكالية بحرفية وإتقان. ففي عالم الفن السابع لا يهمّ «ماذا يُقال؟» ان لم يُقترن ب «كيف يُقال؟». وإذا كان العوضي نجح في الشق الأول، أي باختيار موضوعه، فإنه أخفق في الشق الثاني، إذ بدا الفيلم تبسيطيّاً بعض الشيء في طريقة المعالجة. فماذا عن القصة؟ «أم طارق» و «ابو طارق» كويتيان ميسورا الحال يقرران ان يقتفيا أثر ابنهما «احمد» الذي التحق بالجماعات الإرهابية في «تورا بورا» بهدف الجهاد. يصل العجوزان بداية الى باكستان، ومن حدودها يعبران الى الداخل الأفغاني برفقة دليل يقلّهما بباص يعجّ بالماعز والبشر. يعترض عناصر من طالبان طريق الباص، يقتلون الدليل، ويخلون سبيل الآخرين، مكتفين بأخذ حقيبة «ام طارق» كغنيمة. سيراً على الأقدام يتوجه الجميع الى البيوت الرملية المخفية بين الجبال، ومرة جديدة، يواجهون بطش المتطرفين الذين بعد ان يكتشفوا جوازي سفر العجوزين في الحقيبة المسروقة، يعودون للبحث عنهما، ولكن من دون جدوى، بعد ان ينقذهما احد ابناء القرية («نزيه») ويخبئهما في منزله. يُقنع «ابو طارق» الرجل بأخذه الى «تورا بورا» على رغم خطورة المكان، وينجح بدغدغة مشاعره الأبوية بعد ان يفشل بإغراءاته المادية. وهكذا ينطلق الثلاثة في رحلة على الأقدام الى «الجحيم»، قبل ان يضطرهم تدهور صحة «ام طارق» الى العودة أدراجهم الى مقرّ الأممالمتحدة على الحدود الباكستانية بمساعدة رجل من المنطقة لا يلبث ان يردى قتيلاً لمدّه يد العون الى الزوجين. وعلى الفور، يقع «ابو طارق» ورفيقه في يد عناصر طالبان، فيقتادونهما الى معسكر «تورا بورا» حيث يُقتل «نزيه»، ويطلق سراح «ابو طارق» بعدما قرر «أمير الجماعة» ان يعيده الى معسكر الأممالمتحدة لمعرفة من يقف وراءه وكيف استطاع عجوزان ان يدخلا الى معقله. ولعل هذا السؤال بالذات هو اكثر ما أخفق المخرج في الاشتغال عليه، إضافة الى عدم سيطرته على الإيقاع وادارة الممثلين. وقد بدا ذلك جلياً في عملية بناء الشخصيات التي ظلت سطحية، من دون اي جهد من المخرج لولوج أعماقها وصولاً الى إقناع المتفرج بقصته التي تنتهي بعودة الابن الضال، بعد ان تخسر العا16ئلة «أم طارق»... استسهال المؤسف ان الفيلم، وعلى رغم تحميله قصة إنسانية جميلة، لم يستطع ان يبتعد من فخ الاستسهال او الخطاب المباشر، ما افقده قيمة، كان يمكن ان تكون له... خصوصاً انه من اوائل الأفلام العربية الروائية الطويلة التي صوّرت ممارسات طالبان الوحشية وقتلهم النساء والاطفال بدماء باردة من دون ان يرف لهم جفن. كما ان قصة الابن الضال «احمد»، وتوبته المفاجئة، لم تكن محبوكة بعناية. فهو، وبعد ان يظهر في بداية الشريط في كلمته الأخيرة امام الكاميرا قبل ان ينجز عمليته «الاستشهادية» ضد ثكنة عسكرية، يُفاجأ بأن الهدف ليس إلا مدرسة للأطفال، فيعدل عن إكمال مهمته، ويواجه أمير جماعته بأنه ليس مجرماً، فيكون مصيره السجن، قبل ان يتحرر بعد انشقاق الجماعة والانقلاب على أميرها. قصة، كان يمكن ان تساهم في نجاح الفيلم لو ان المخرج رصد الشخصية من الداخل، وتابع تدرجها النفسي والذهني وصولاً الى ما آلت اليه، لكنّ كاميرا العوضي لم تخترق بواطن الشخصيات، إنما اكتفت بالدوران الخارجي على رغم ان الفيلم لم يخل من المفاتيح التي كان يمكنها ان تلعب في مصلحته. ومنها، مثلاً، استفهام يطرحه «ابو طارق» الذي ادى دوره ببراعة الممثل الكويتي المخضرم سعد الفرج، يسأل فيه: «كيف يمكن مسلماً ان يقتل شقيقه في الإسلام من دون اي سبب؟». لكنّ السؤال ظل سؤالاً، من دون ان نرى له ترجمة على الأرض، يكون فيها البوصلة التي توجّه عملية بناء الشخصيات التي بدت هزيلة مقارنة بالأفكار الكبيرة التي يحملها الشريط. مفاجآت... لا مفاجآت وإذا كان هذا ما يقال عن فيلم الافتتاح، فإن الأفلام الأخرى المشاركة في مسابقة الافلام الخليجية الطويلة، لا تحمل في غالبيتها اي مفاجآت، خصوصاً ان ثلاثة فقط من أصل 9 أفلام تعرض للمرة الأولى. ومع هذا لا يمكن إلا ان نحيي «هيئة دبي للثقافة والفنون» لإيمانها بأهمية هذه المناسبات الثقافية كمنصة ل «تعزيز المواهب السينمائية والوصول بها الى آفاق الإبداع»، كما جاء في كلمة رئيسها الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم في حفلة الافتتاح. وما يُقال في الأفلام الطويلة لا ينسحب في شكل كامل على الأفلام القصيرة، التي، يحمل بعض ما شاهدناه منها حتى كتابة هذه السطور، طموحات تشي بمستقبل واعد لمخرجيها. العيد الخامس ولا شك في ان المهرجان الذي يحتفي هذا العام بعيده الخامس، لا يزال يراهن على التراكم للوصول الى هدفه. من هنا يصبح عرض 155 فيلماً في هذه الدورة، منها 102 من الخليج، أمراً في غاية الأهمية. وتتصدر الإمارات اعلى القائمة من حيث الأفلام المعروضة، اذ تشارك ب 42 فيلماً، يليها العراق ب16 فيلماً والبحرين ب12 والسعودية ب11، فضلاً عن 7 افلام عمانية و3 افلام من كل من قطر واليمن. واذا أضفنا فتح باب العروض بالمجان امام الجمهور، وإقامة عروض لأهم الأفلام المشاركة في مسرح أبو ظبي تزامناً مع عروض دبي في «دبي فيستفال سيتي» في محاولة لتوسيع رقعة المهرجان واستهدافه أكبر عدد من الجمهور الخليجي، فإن هذا إن كان يدلّ على شيء فعلى ان المهرجان يسير بخطى ثابتة نحو أهدافه. وواضح ان الوقت لا يزال مبكراً جداً لتحقيقها، حتى وإن ظل بعض الأصوات يردد بمشروعية: أي سينما في الخليج؟ هنا بالذات تتبدى جرأة القائمين على المهرجان لولوجهم الدرب الذي فتح الطريق امام مهرجانات أخرى لمساندة سينمائيي المنطقة، فكان، هو الوريث ل «مسابقة أفلام من الإمارات» التي اسسها «الأب الروحي» للسينما الخليجية مسعود امرالله في 2001، كان «الاخ الأكبر والراعي الاول لسينمائيي الخليج، طلاباً ومحترفين، كتاباً ومخرجين، وكانت لهم المسابقة الخليجية، وأخرى للأفلام الدولية، ومبادرة الأفلام الخليجية القصيرة بالتعاون مع صندوق دبي السينمائي، وسوقاً لسيناريو الأفلام الخليجية»، كما جاء على لسان رئيس المهرجان عبدالحميد جمعة في كلمته الافتتاحية. كل هذا من دون ان ننسى الجلسات التعليمية التي أنتجت أفلاماً قصيرة من إشراف المخرج الإيراني عباس كياروستامي وتوقيع اكثر من 45 مخرجاً من العالم العربي وإيران وألمانيا والدنمارك تحت عنوان «الوحدة والعزلة» او انفتاح البرنامج الى ما هو ابعد من سينما الخليج من خلال مسابقة الأفلام الدولية وتظاهرات مثل «تقاطعات» او «افلام للأطفال» او «تحت الضوء». أمام هذا كله، وكما يقول مدير المهرجان مسعود امرالله، فإن «هذا التجمع السنوي الذي تريده الغالبية «بوابة رئيسة للرؤى والأفكار والصور والإرث والكثير من الهموم الإنسانية المشتركة، يبدو اليوم اكثر التصاقاً بمبدعي الخليج، وتبدو العلاقة المتبادلة بين المبدع والمهرجان أكثر قرباً والتصاقاً من اي وقت مضى». أي سينما في الخليج؟ بعد هذا كله لا تعود الإجابة ضبابية، ففي حماسة سينمائيي المنطقة وجهود محبي السينما من القائمين على المهرجان، والدعم الرسمي، يصبح التحول مسألة وقت، ليس أكثر. بسام الذوادي والفن السابع ... سيرة عشق هو اول من دقّ باب السينما الروائية الطويلة في البحرين. واول من اسّس مهرجاناً فيها، وهي حلم راوده منذ نعومة اظافره، فهجر لعب الأطفال وسكن عالمها. هو بسام الذوادي، المخرج البحريني الشاب، وهي السينما، لعبة الكبار... وما بينهما قصة ولع وافتتان وتضحية. تضحية؟ نعم، هي كذلك، حين يُبادل المراهق مجموعة قصصه المصورة العزيزة على قلبه بآلة عرض أفلام. أو حين يبيع الشاب الناضج أثاث منزله وسيارته لسدّ عجز موازنة إنتاج أحد أفلامه. درب بسام الذوادي، درب محفوفة بالأشواك... مادياً، ولكن أيضاً مجتمعياً، فأن تغامر بإنتاج اول فيلم في بلاد محافظة بعيدة من تقاليد الفن السابع، لا بد أن تكون إما مجنوناً وإما عاشقاً. وفي حالات العشق يعطي الحبيب من دون ان يسأل. وبسام الذوادي عاشق اول للسينما. من هنا لم يكن غريباً ان يكرمه «مهرجان الخليج السينمائي»، ويمنحه جائزة «تكريم إنجازات الفنانين»، تقديراً «لإسهاماته المميزة في تعزيز صناعة الأفلام بالمنطقة، ودوره الرائد في قطاع السينما البحريني مع إخراجه أول فيلم بحريني روائي طويل بعنوان «الحاجز» عام 1990». ثقل كبير يحمله الزوادي على كتفيه لوضع السينما البحرينية على خريطة السينما العربية. لكنّ إصرار هذا المخرج السينمائي المتفرغ في وزارة الثقافة البحرينية منذ عام 2007، والعضو المؤسس في «جمعية السينما لدول الخيج العربية»، ومؤسس «مهرجان السينما العربية» الأول في البحرين (عام 2000)، اصرار كبير... مثل اصراره على الاشتغال على افلام تنحاز الى الذاكرة، من خلال حكايات تلامس هموم المجتمع وقضاياه بأسلوب بسيط وقويّ، فالسينما بالنسبة الى بسام الذوادي، عبارة عن ذاكرة، «فنحن حين نفتقد شيئاً نعود الى وراء. وجميعنا نفتقد الزمن الجميل، ونفتقد أشخاصاً وأمكنة أو قيماً ما عادت موجودة اليوم». السينما اذاً سفر عبر الزمن مع بسام الذوادي. هو الذي بدأ مسيرته بإخراج فيلمين قصيرين («القناع» و «ملائكة الأرض») فيما كان لا يزال طالباً في القاهرة (يحمل شهادة بكالوريوس المعهد العالي للسينما في القاهرة، قسم الإخراج)، قبل ان ينضم إلى التلفزيون البحريني عام 1985 ويتولى إنتاج عدد من البرامج والإعلانات التجارية والبرامج التعليمية والثقافية، وصولاً الى تحقيقه 3 افلام روائية طويلة هي «الحاجز» (1990) و «زائر» (2004) و «حكاية بحرينية» (2006).