باتت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم من أهم القنوات الاتصالية والإعلامية الحديثة عبر إتاحتها للمستخدمين المساحة الواسعة لتشارك الأفكار والأحداث والمستجدات، إلى جانب دورها المؤثر في تعزيز وعي المجتمع تجاه حقوقهم وواجباتهم، بالإضافة إلى ما تحمله من خصائص كعالمية الانتشار وسرعة الوصول والتفاعل وقلة التكلفة. وعلى الرغم من فاعلية وإيجابية تلك الوسائل إلاّ أنه وفي المقابل فإن هناك من يحاول أن يستغلها استغلالاً خبيثاً وعدائياً من خلال ظهور العديد من الحسابات الوهمية المغرضة بأسماء مجهولة ومستعارة، تسعى إلى تفكيك لحمة الوطن، وبث سموم الفرقة والفتنة بين أفراد المجتمع عن طريق نشر الأكاذيب والشائعات والأخبار المغلوطة والسلبية عبر وسوم وهاشتاقات يطلقها مجهولون، يقف وراءها محرضون يتسترون خلف شعارات دينية أو وطنية لإثارة الفتن والبلبلة والإضرار بالسلام الاجتماعي والاستقرار الوطني. أفكار هدّامة في البداية تحدث د. عبدالله العساف -أستاذ الإعلام السياسي ورئيس قسم الإعلام المتخصص بجامعة الإمام محمد بن سعود- قائلاً: إن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية وواقعنا المعاصر، فالبعض يستخدمها للترفيه وهو الغالب، والبعض يستخدمها للتجارة وآخرون يستخدمونها للترويج لأفكار أو معتقدات هدّامة يسعون لنشرها بين أفراد المجتمع بغية اعتناقها والإيمان بها حتى يسهل إدارتهم وتوجيههم، مؤكداً على أن شريحة كبيرة من مجتمعنا تصنف في فئة الشباب الذين لا تمكنهم خبرتهم وحداثة سنهم من التفريق بين السلبي والجيد من الأفكار والمعتقدات التي أصبحت صناعة متقدمة وتروج بطريقة مهنية يسهل تقبلها لدى فئة الشباب، مضيفاً أن إعلام اليوم أصبح مفتوحاً ومتعدد المصادر وهو ما لا يمكن توجيهه أو التحكم في محتواه في ظل الثورة الاتصالية التي نعيشها اليوم، والتي وجد فيها المفسدون ضالتهم، مشيراً إلى أنها تعد وسيلة آمنة وغير مكلفة وسهلة الاستخدام والأهم أنها سهلة الاختباء خلف أسماء وهمية لا يمكن للمتلقي التأكد من وجودها فعلاً ولا من أين تعمل وكيف تدار، بعكس الوسائل الإعلامية الأخرى التي لها مقر وإدارة تحرير وشخصيات معروفة. وأوضح د.العساف أن هذه المنصات تحولت لأدوات حاملة ومهددة للأمن الوطني والاجتماعي في أي دولة دون استثناء، مضيفاً أن هناك دول وجماعات وأفراد لجأت لتوظيف هذه المنصات بما يخدم مصالحهم، مبيناً أنها اتسمت بأسمائنا وباتت تحدثنا بلساننا ولكن بعد تعقبها تبين أنها حسابات وهمية تدار من دول قريبة وبعيدة؛ بهدف الإضرار بمجتمعنا وشق نسيجه الاجتماعي من خلال اختلاق الأخبار المكذوبة وبث الشائعات وتكوين الأوسمة المتعددة التي تدار إلكترونياً لإيهام القارئ بأن هذا هو توجه الرأي العام، ذاكراً أنه ومن هنا تبرز أهمية التعامل الواعي والانتقائي مع المحتوى الذي تضاعف عشرة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية، مشدداً على ضرورة محو الأمية الإعلامية وتعليم الشباب الاستخدام الواعي والآمن لهذه المنصات والأهم من هذا بناء الحس النقدي والفرز الواعي والمتعقل لديهم، وتوفير محتوى إعلامي منافس وقوي وجاذب من خلال تظافر جهود المؤسسات والوزارات مع الأسرة والمدرسة، لافتاً إلى أن المجتمع السعودي يُعد مجتمعاً متماسكاً ولحمة واحدة ولديه خبرة اتصالية ووعياً إعلامياً وتمييزاً فكرياً لجميع الرسائل المسمومة. وأشار د. العساف إلى أن رسائل المغرضين ردت إليهم والدليل ما أن تصدر دعوة هدّامة إلاّ ويقابلها مئات الدعوات والرسائل المضادة، مضيفاً أن الشائعات لم تعد أخباراً كاذبة بل أصبحت صناعة تقنية متطورة يقف خلف كواليسها مروجون ومفسدون يحملون أجندات هدامة، ذاكراً أنهم أصبحوا يقتنصون الأحداث ويعيدون صياغتها بما يتفق مع أهدافهم وأحلامهم المريضة ثم يسعون لنشرها ثم تدويرها لتصبح حقيقة، مبيناً أنه هنا تبرز أهمية حضور المعلومات الصادقة التي توجه بشكل فوري للرأي العام بحيث لا تترك فراغاً تعمل به الشائعات والأخبار الكاذبة، داعياً إلى أهمية إيجاد حملة اجتماعية تركز على وقف تداول الشائعات بين أفراد المجتمع، ووقف استقاء الأخبار من المصادر المشبوهة، مؤكداً على أننا بلد مستهدف ونتداول الأخبار بحسن نية وأصبحنا دون أن نشعر أدوات ومكانات تعيد تدوير ونقل الشائعات دون التثبت منها، مشدداً على أن هذه الحملة يجب أن تكون مستمرة ولا تتوقف، وأن نزرع في شبابنا الحس الأمني النقدي، وألاّ يصبح وسيلة لتمرير الشائعات وأن يتم دعم هذه الحملة بشكل كبير. جرائم إلكترونية وقال د. خالد الشلفان -الأستاذ المشارك بكلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الإمام والخبير بأمن المعلومات-: إن شبكات التواصل الاجتماعي أتاحت لبعض الناس خاصة الذين لا تحكمهم ضوابط شرعية ولا أخلاقية، والذين لا يستطيعون التعبير عما بداخلهم علناً وبشكل صريح لاعتبارات أمنية ودينية واجتماعية، إلى إظهار ذلك بشكل لا يبين ذواتهم الحقيقية للآخرين، مضيفاً أننا نجدهم يلجؤون إلى فتح حسابات بأسماء مستعارة وحسابات وهمية للتعبير عن أفكارهم وأحقادهم التي يحملونها بداخلهم، مبيناً أن بعض الدراسات والتحريات أظهرت إلى تقدير عدد الحسابات الوهمية بالملايين على مستوى العالم، ذاكراً أن الحسابات بالأسماء المستعارة هي حسابات حقيقية لأشخاص متخفين تدار بشكل نظامي، بينما الحساب الوهمي هو حساب غير تفاعلي يهدف إلى زيادة المتابعين وجني الأرباح من ذلك، وهو نوع من الكذب والغش، تعتمد عليه بعض الشركات لشراء أعداد كبيرة من المتابعين لإيهام الناس والتفاعل معها والمتابعة العالية للحساب، مؤكداً على أن زيادة هذه الأنواع تأتي من الحسابات الضارة اعتقاداً من أصحابها أنهم بذلك سيكونون محصنين من الوقوع تحت طائلة قوانين وأنظمة الجرائم الإلكترونية، التي تشمل أي نوع من أنواع التعرض للأشخاص أو الأديان أو الدول، لافتاً إلى أن ما تتيحه هذه الحسابات من حرية التعبير المطلق تكون على حساب مصداقية أصحابها أمام المتلقي. وأوضح د. الشلفان أنه ينبغي علينا كمجتمع واعي أن نتحاشى متابعة مثل هذه الحسابات وأن لا نعيد نشر محتواهم، ولا نتفاعل مع أي شيء يطرحونه، مضيفاً أننا إن فعلنا ذلك فقد نكون تعدينا الضوابط الشرعية والأخلاقية، بل نكون تحت طائلة القانون، متأسفاً أن مثل هذه الحسابات أخذت في الانتشار، مما يدعو إلى أهمية التعامل معها بما تقتضيه المصلحة الشرعية والاجتماعية، مبيناً أن توافر تقنيات المعلومات والاتصالات الرقمية لأفراد المجتمع بجميع فئاته، واستهلاكه الكبير لمواقع التواصل ومتابعته لها، كان له أثر في تغير الرأي العام والفكر والحراك الثقافي لدى أفراد المجتمع بشكل متسارع، ذاكراً أن إحدى الدراسات المتخصصة في هذا المجال والتي أجريت في إحدى الجامعات الخليجية بينت أنه يوجد في تلك الحسابات محتويات منافية للأخلاق العامة بنسبة تزيد عن (60 %)، إضافةً إلى وجود ما يقرب من (40 %) معلومات مضللة وإشاعات، مشيراً إلى أن أحد أسباب زيادة الحسابات المستعارة والوهمية هي ضعف ثقافة التعامل مع وسائل الإعلام الحديث، إضافة إلى تدني مستوى الرقابة، وعدم إدراك خطر انتشار الحسابات الوهمية على مواقع التواصل، منوهاً إلى أن من أهداف انتشار الحسابات الوهمية التحايل للحصول على المال وذلك عن طريق تقديم الإغراءات، فهناك بالفعل تجارة مخفية لبيع الحسابات الوهمية والمستعارة. وأشار د. الشلفان إلى عقد عدد من الندوات والمحاضرات المحلية التي تبين وتحذر من التعامل مع مثل تلك الحسابات المشبوهة، مضيفاً أنه ورد في أوراق عمل إحدى تلك الندوات بأن عدد الحسابات الوهمية والمستعارة التي تستهدف المتلقي السعودي تجاوزت (6000) حساب، داعين إلى ضرورة تعزيز مفهوم الأمن الشامل والذي يشمل التعاملات الإلكترونية، مشدداً على أهمية إيجاد مرصد وطني لرصد هذه الحسابات، إضافةً إلى وجوب نشر ثقافة تمييز تلك الحسابات والتحذير منها وكيفية التعامل الايجابي معها، مضيفاً أنه إذا كانت صفحة الويب حديثة الإنشاء، فإن ذلك يعتبر مؤشراً على أن هذا الحساب مشبوه فيه ولا يمكن الاعتماد عليه في استقصاء المعلومة، بل ينبغي الرجوع للمصادر المعتمدة في هذا الشأن، مؤكداً على أنه يمكن للمستخدم التعرف على تاريخ بداية بدء تشغيل الموقع عن طريق تقنيات متخصصة مثل تقنية (Whois Lookup)، كاشفاً أن بعض شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" و"فيسبوك"، تقوم بتحديد الحسابات التي تم التحقق من صحتها، وذلك من خلال ظهور أيقونات زرقاء وعلامة صح بجوار اسم الحساب، موضحاً أنه من الممكن البحث عن الرسائل الوهمية أو الكاذبة من خلال عرض كلمات مفتاحية من هذه الرسالة على تقنيات مخصصة لهذا الغرض مثل تقنية (HOAX SEARCH). حجب المواقع وأكد د. الشلفان على أن من التقنيات المفيدة في هذا الشأن تقنية الكلاوت (KLOUT) وهو موقع إلكتروني وتطبيق على الهاتف الجوال يستخدم إحصاءات الشبكات الاجتماعية لترتيب مستخدميها طبقاً لتأثيرهم على مستخدمي هذه الشبكات، وتقيس كلاوت حجم الشبكة الاجتماعية لمستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مقروناً بالمحتوى المقدم من هذا المستخدم لمعرفة مدى تفاعل المستخدمين مع المحتوى المقدم من المستخدم، مضيفاً أن بعض الجهات الحكومية بادرت بنشر الوعي في هذا الشأن ومن ضمن ذلك ما قامت به وزارة التعليم من انطلاق حملة توعوية ضد الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، مستهدفة خلالها الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور من المخاطر المترتبة على مثل هذه الحسابات ومتابعتها، مبيناً أن هذه الحملة جاءت لتعزز الجانب التوعوي للنشء لفلترة الرسائل الهادفة من الرسائل المحرضة والمدسوسة، مبيناً أن الجهات الأمنية ممثلة بوزارة الداخلية تبذل جهداً واضحاً في الحد من انتشار هذه الظاهرة وتحجيم أثرها وذلك من خلال رصد الحسابات المحرضة وتعقب الفئة الضالة التي تستخدم شبكات التواصل لبث رسائل تحريضية وذلك في إطار نظام الجرائم المعلوماتية. د. عبدالله العساف د. خالد الشلفان