سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي.. طابور خامس ينفذ أجندة أعداء الوطن لابد من إيجاد تنظيم لمواجهة وقود الفتنة عبر الإنترنت وردع كل من يسعى للنيل من أمن البلاد
تعج شبكات التواصل الاجتماعي بالكثير من دعاوى التحريض ضد مصالح الوطن والتي تتستر خلف شعارات دينية أو وطنية لتثير الفتن والبلبلة وتضر بالسلام الاجتماعي والاستقرار الوطني وتزدحم الشبكات الاجتماعية بمئات وربما آلاف الحسابات التي تحمل أسماء وهمية وزائفة لتبث سموم التحريض وتشعل نيران الفتنة بين أبناء المجتمع، لصالح أجندات أجنبية تستهدف إثارة الفوضى والتشكيك في الثوابت الوطنية واستقطاب الشباب الذين ربما ينخدعون بهذه المزاعم المنحرفة ودعاوى التحريض الشاذة. فما هو تأثير مثل هذه الدعاوى التحريضية التي تنتشر من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن مواجهتها والتصدي لها وحماية الشباب والناشئة من الانخداع بها، وهل ثمة حاجة لإصدار أنظمة لمكافحة مثل هذه الدعاوى ام ان الحل الأمثل يتمثل في مجابهتها فكرياً وتفنيدها بالحجج والبراهين القاطعة..هذه وغيرها من التساؤلات التي نحاول الإجابة عليها من خلال هذا التحقيق. الجرائم الإلكترونية في البداية يرى د. بركة الحوشان -وكيل كلية العلوم الاجتماعية وأستاذ الإعلام الأمني بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- أن تأثير دعاوى التحريض يكون كبيراً إذا صادفت من يعانون نقصا في الوعي أو من في نفوسهم هوى، حيث تتحول إلى استجابة لدى المتلقي لتصبح بعدها مثل كرة الثلج التي تكبر كل يوم لتصبح جبلا له خطورته وسبباً لانتشار الفوضى على غرار ما يسمى بالطابور الخامس، مؤكداً أن الترويج لمثل هذه الدعاوى التحريضية غالباً ما يتم من قبل أعداء الوطن الحاسدين له على ما ينعم به من رخاء وأمن واستقرار. النيل من استقرار الوطن من جانبه أكد د. فائز الشهري -مستشار الإعلام الجديد والباحث في استخدامات الإنترنت- ان دعاوى التحريض ضد المصالح الوطنية سواء كانت عبر الشبكات الاجتماعية أو القنوات الفضائية تهدف للنيل من استقرار المملكة والتأثير في دورها الفاعل في خدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية وإرساء السلام الإقليمي والدولي، بل ان ذلك هو الهدف الأساسي لهذه الدعاوى البغيضة، وهو وقود محتواها ومضمونها المزعوم والخادع مشيراً إلى أن خطورة مثل هذه الدعاوى يمكن في أن بعض فئات المجتمع ربما تتأثر بشكل أو بآخر ومن ثم ربما تتبنى طرح هذه الدعاوى وإرسالها وتداولها على نطاق أوسع. وعن تأثير مثل هذه الدعاوى يشير د. فائز الشهري الى انه عادة ما يكون هذا التأثير ضعيفا في مرحلة البدايات إلا أن تكرار الرسائل التي تحمل هذه الدعاوى وانتشارها تدريجياً في الفضاء الإلكتروني والشبكات الاجتماعية يزيد من اتساع دوائر التأثر بها بشكل تراكمي وخاصة بين الشباب، وقد ينعكس ذلك التأثير على السلوك بشكل سلبي أو إيجابي، فقد يستثير لدى البعض دوافع الدفاع عن الوطن والهوية الوطنية وتقاليد المجتمع، وفي المقابل قد ينخدع البعض بهذه الدعاوى ويجدون عبر شبكة الانترنت والشبكات الاجتماعية من شجعهم على ذلك ممن يحملون نفس الفكر كما هو الحال في استيراد بعض الأفكار والاتجاهات التي تنتشر اليوم بين الشباب والشابات. ويبين أن محاولة التأثير والتأثر بمثل هذه الدعاوى تتطلب وجود القابلية النفسية والشخصية لدى من يستقبل رسائل التحريض ومن ثم تأتي مرحلة التكون المعرفي والانفعالي بحسب مقتضى هذه الرسائل، مضيفا يحدث أن يتأثر بها بعض الشباب خاصة ويبدأون ممارسة السلوكيات التي تروج لها هذه الرسائل والتي تغزو عقله ليل نهار وأحياناً تكون ممارسة هذه السلوكيات دون وعي أو تخطيط دائماً نتيجة للاستجابة التلقائية للرسائل المحفزة على سلوك معين. ويحذر د.الشهري من مخاطر الرسائل أو الدعاوى التي يروج لها من خلال حسابات أشخاص يتمتعون ببعض القيمة أو الشهرة لأنها تكون أكثر تأثيراً، مؤكداً أن معظم الأجهزة الحكومية الغربية والوكالات الأمنية التابعة لها تخاطب الشباب العربي عبر الشبكات الاجتماعية ومواقع الإنترنت باللغة العربية رغبة في التأثير في أفكاره وسلوكياته وربما يلي ذلك قيادة هؤلاء الشباب وتحريكهم عبر أدوات القوة الناعمة ورموزها. فوضى كبيرة فيما أكد د. معلوي الشهراني-أستاذ علم الجريمة المشارك ورئيس قسم اللقاءات العلمية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من أقوى الوسائل التي تستخدم لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وفكرية، وعلى الرغم مما لها من إيجابيات في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية إلا أن لها تأثيرها السلبي على استقرار الدول والمجتمعات بعد أن بات واضحاً أنه يجري استخدامها لإثارة الفوضى والفتن وخاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. خطابات الكراهية تبث عبر حسابات «تويترية» مجهولة أو وهمية دون أن تتعرض لأي مساءلة وأضاف بعد أن كان الغزو الثقافي في الماضي يتم من خلال بعض المستشرقين، والحملات التبشيرية، ووسائل الإعلام التقليدية، فإن وسائل وآليات ذلك الغزو قد تحولت في الوقت الراهن إلى وسائل الاتصال الحديثة، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي ذات التأثير الفعال في تغيير التوجهات الثقافية والقيمية والسلوكية والفكرية لأفراد أي مجتمع، وهو ما أثر بشكل خطير على مختلف أنواع الأمن في كثير من المجتمعات ومنها المجتمع السعودي، وخاصة الأمن الفكري الذي يعد أهم حصن للوطن، وأي اختراق أو خلل فيه يؤدي إلى اختلال أمن الوطن بأسره، مؤكداً أن دعاوى التحريض والفتنة التي تثار على نطاق واسع وعبر تلك المواقع وما تتضمنه من ترويج للمفاهيم والأفكار الخاطئة تؤدي إلى اختلاط المفاهيم لدى المتلقين وتداخل كثير من المدلولات للمصطلحات الثابتة في يقين المجتمعات المختلفة والمتوارثة جيلاً بعد جيل وتبني أفكار وقيم مختلفة تماماً عن تلك المتوارثة في كثير من المجتمعات، وفي غالب الأحوال يتم ذلك عبر مسايرة لجموع متصفحي تلك المواقع، ومن ثم يصبح توجيه الفكر والثقافة من خلال عناصر ذات أصول وثقافات مغايرة لمجتمعنا مما يحول توجهات أفراد المجتمع باتجاه قيم جديدة سلبية في معظم الأحوال حيث ان مستخدمي تلك المواقع يتلقونها ويقتنعون بها دون تفكير أو دراسة ويتعاملون مع هذه الدعاوى كحقائق بسبب كثرة تداولها وشيوعها. ويدلل د.الشهراني على ذلك بحالة الفوضى الكبيرة في الإفتاء عبر تلك المواقع والتي تساعد على الترويج للأفكار المتطرفة دينياً والتي تلقى قبولاً لدى كثير من غير المثقفين دينياً ومنهم الشباب ويؤدي بهم إلى السقوط في براثن جماعات تنتهج نهجاً بعيداً تماماً عن مناهج الأديان ويترتب على ذلك سلوكيات عدوانية وعمليات إرهابية ترتكب باسم الدين وتدمير للبني التحتية الوطنية وإحداث انقسام في المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية، مضيفا حيث تعمد الجماعات المتطرفة على استغلال سذاجة المتصفحين لتلك المواقع في تجنيدهم لارتكاب الأعمال الإرهابية والتفجيرات الانتحارية بدعوى إقامة الدين والجهاد في سبيل الله، وهو ما يشير بوضوح إلى أن دعاوى التحريض والفتنة عبر المنتديات وغرف الدردشة وصفحات التواصل عبر "الفيس بوك" و"تويتر" و"انستغرام" و"تليغرام" وغيرها من وسائل التواصل تشكل تهديداً لأمن الوطن، نظراً لما تهدف إليه من إشعال الفتنة الطائفية، وإذكاء التعصب القبلي، وتجنيد الشباب للعمل ضمن الخلايا الإرهابية والتنظيمات المتطرفة التي تعمل لحساب قوى معادية تستهدف أمن الوطن واستقراره. وعن إمكانية أن تسهم دعاوى التحريض والتي يطلقها المغرضون بأسماء مستعارة عبر الشبكات الاجتماعية في تضليل الشباب والناشئة وإثارة البلبلة، أكد د.الشهراني أن دعاوى التحريض والفتنة عبر وسائل التواصل الحديثة تستهدف الشباب بالدرجة الأولى، مضيفا كونهم يشكلون اللبنة الأساسية لأي مجتمع، والمحرك الرئيس لمسيرة تطوره، وصناعة مستقبله؛ لذا يسعى أصحاب تلك الدعاوى المغرضة إلى تجنيد الشباب وإغوائهم عن طريق المنتديات وصفحات التواصل في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلين اندفاع وحماس الشباب نحو الجديد، وسرعة تأثرهم بالأحداث، وضعف الثقافة الدينية لدى بعضهم، وتدني مستوى الحصانة الثقافية والفكرية، ونقص الوعي لدى المراهقين، والذين يمثلون الجزء الأكبر من مستخدمي تلك المواقع، الأمر الذي يجعل تأثير تلك الدعاوى شديداً وخطيراً في ذات الوقت فضلاً عن ما تمثله تلك الدعاوى من تهديد كبير خاصة بالنسبة للعاملين في الهيئات الحيوية للدولة لمحاولة استدراجهم أو تجنيدهم سواء بالفكر المتطرف والدخول إليهم عن طريق الدين والجهاد في سيبل الله والشهادة والجنة، أو استدراج الشباب لنشر معلومات خاصة بهم ووظائفهم من خلال الفيس بوك أو تويتر ثم دراسة جوانب شخصياتهم من خلال ما يقومون بنشره على صفحاتهم الشخصية لتحديد وسيلة استدراجهم للوقوع في براثن الإرهابيين وإقناعهم بالقيام بأعمال إرهابية تضر المجتمع والدولة. وحول كيفية مواجهة دعاوى التحريض والتي قد تتستر خلف شعارات دينية أو إصلاحية أوضح د. الشهراني ان مواجهة هذا النوع من الدعوى التخريبية تستدعي اتخاذ عدد من الإجراءات العملية والخطوات التنفيذية الهادفة إلى الحد منها إلى أدنى درجة ممكنة، موضحا ان من ذلك دراسة وتحليل مضمون تلك المواقع وما يدور فيها من حوارات وما يتم تبادله من معلومات وأخبار لمنع الأضرار التي تترتب عليها وإنقاذ الشباب والبنات من براثن الإرهاب والقوى السياسية المعادية التي تستهدف هدم المجتمع بتدمير فكر الشباب والتنسيق المستمر بين الجهات الرسمية، وتكثيف الجهود في إجراء عمليات تقصي وقائية للمواقع الإلكترونية التي تطلق مثل تلك الدعاوى التحريضية مع ضرورة إشراك المؤسسات المجتمعية في عمليات مكافحة كل ما من شأنه التحريض والتخريب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإنشاء صفحات إلكترونية تقدم المعلومات الصحيحة والرسمية في تفنيد هذه الدعاوى والعمل على بناء إستراتيجية لتعزيز الأمن الفكري للمجتمع، وخاصة لدى الشباب، مضيفا على أن يتم الاستعانة بخبراء ومختصين في هذا المجال، إلى جانب الاستمرار في تقديم آليات قانونية جديدة تواكب الجريمة في تطوراتها المستمرة لمكافحة مثل هذه النوعية من الجرائم مع وجود ضرورة ملحة لتفعيل آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية وبخاصة المرتبطة بالإرهاب وتجنيد الإرهابيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي نظراً لما تتضمنه من خطورة على الأمن الوطني والإقليمي والعالمي. دعاوى التحريض أما الشيخ د.يوسف المهوس -أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة المجمعة- فيقول: لابد من وجود تنظيم يجرم دعاوى التحريض ضد مصالح الوطن ويجرم كذلك عمليات السب والقدح، إلا أن الأهم هو تفعيل الأنظمة القائمة الخاصة بالجرائم المعلوماتية ونظام مكافحة الإرهاب وأخذها مأخذ الجد ليدرك الجميع قبل أن يطلقوا مثل هذه الدعاوى أو الشائعات أن هناك رادعا لكل من يثبت تورطه في ارتكاب مثل هذه الأفعال. ويضيف لاشك أن التأثير الكبير لشبكات التواصل الاجتماعي يتطلب التعامل معها بعقل وحكمة لتعزيز الجوانب الإيجابية لها والتصدي لمحاولة استثمارها من قبل أعداء الوطن في المساس بمصالح المملكة عبر بث دعاوى التحريض واصطياد الشباب والفتيات بشعارات براقة، مؤكداً على ضرورة تحديد عدد من الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها أن يحتشد المجتمع بأسره لمواجهة أي محاولات أو دعاوى تستهدف النيل من مصالح الوطن ومقدساته وأمنه. أسماء وهمية من جانبه يرى د. عبدالله الحمود -أستاذ الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - ضرورة تجريم منصات الإعلام الجديد وشبكات التواصل التي تسمح باستخدام أسماء وهمية أو هويات غير حقيقية أما الحسابات ذات الهويات الحقيقية فلها القوانين والأنظمة التي تتعامل معها، مؤكداً أن الصمت تجاه تجاوزات منصات الإعلام الجديد يثير الكثير من التساؤلات والقلق، لافتا انه لو أن هناك شخصا معروفا أقدم على بث خطابات تدعو للكراهية أو التحريض لتمت محاكمته في حين أن مواقع فيسبوك وتويتر تبث كل يوم الكثير من خطابات الكراهية عبر حسابات مجهولة أو وهمية دون أن تتعرض لأي مساءلة، وهو ما يتطلب التصدي لمثل هذا الأمر وإقامة الدعاوى القضائية ضد كل من يمنح منصة أو حسابا لأحد دون توثيق هويته ، مشيراً إلى أنه من العجيب أنك لا تستطيع تحويل عشرات دولارات لأحد الحسابات البنكية دون توفر "أيبان" للحساب، فلماذا لا يكون هناك " أيبان" للحسابات عبر شبكات التواصل الاجتماعي. 80% من الشباب المنضمين لجماعات الإرهاب تم استقطابهم بالدعاوى التحريضية عبر الإنترنت يشير د.بركة الحوشان -وكيل كلية العلوم الاجتماعية وأستاذ الإعلام الأمني بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- إلى خطورة تأثير الدعاوى التحريضية يتضح من خلال الإحصائيات والتي تؤكد أن 80% من الشباب الذين انضموا لجماعات الإرهاب تم استقطابهم بمثل هذه الدعاوى عبر شبكة الإنترنت والواقع يشهد على ذلك من خلال حوادث اعتداء بعض الشباب على أقاربهم الذين يعملون في أجهزة أمنية مثل ما حدث في القصيم وحائل على سبيل المثال. وعن آليات مواجهة مثل هذه الدعاوى التحريضية عملية يقول د. الحوشان يمكن ذلك من خلال مراقبة المواقع والحسابات التي يتكرر بث هذه الدعاوى من خلالها وإخضاعها لنظام الجرائم الإلكترونية وهو كفيل بمواجهة مثل هذه الجرائم دون الحاجة إلى إصدار أي أنظمة جديدة مع تفعيل الأنظمة لمواكبة كل ما يثبت من وجود ثغرات أو مستجدات أو تطورات تقنية يتم من خلالها الترويج لهذه الدعاوى المغرضة، مؤكداً أن الأهم من ذلك هو تبني إستراتيجية لتنمية ما يمكن أن يسمى التحريض الإيجابي في مواجهة دعاوى التحريض السلبي من خلال خطاب واعٍ ومسؤول لا يتجاهل الواقع ولا يستخف من طموحات الشباب، ولاسيما أن الرسائل التي يتم بثها عبر أسماء مستعارة أو حسابات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي، عادة ما تكون ضعيفة ويسهل تفنيدها والحد من تأثيرها إلا أن ذلك يتطلب تنظيم الجهود لمواجهة فكرية محترفة ومرنة. وسائل التواصل الاجتماعي تعج بحسابات مجهولة مشبوهة المصادر والتوجهات المحرضون يتخفون وراء أقنعة متعددة د. فائز الشهري د. معلوي الشهراني د.عبد الله الحمود د.بركة الحوشان د.يوسف المهوس