غيّرت التقنية حياتنا وانقسم مستخدموها بين مستقبل ومرسل، وبين عاقل يدرك ما يكتب، وجاهل يمشي وراء ما يدس بين السطور من"شائعات" و"تحريض" و"فكر خفي مضلل"، وكلها لها هدف واحد وهو المساس بالوحدة الوطنية، التي تعد ركيزة من ركائز مقومات هذا الوطن ومسلمة من مسلمات تطوره وتقدمه، ودليل قاطع على تلاحم هذا الشعب مع قيادته. وتظهر لنا الوحدة الوطنية قصة تلاحم بين أبناء هذا المجتمع من تاريخ آبائنا وأجدادنا إلى يومنا هذا، ومن الطبيعي أن تتعرض إلى هجمات معادية حاقدة للتأثير على شبابه والطمع به والنيل من استقراره، فكانت الحيلة التنكر خلف أسماء مستعارة وصور وهمية للترويج لأخبار مكذوبة أو تضخيم أحداث عابرة، فيما يتم الخوض بنقاشات عقيمة لتهويل أمور هامشية، بهدف زعزعة صورة الوطن في عين المواطن ليبدأ الشك الذي يكون المدخل إليه، وتجنيده "عن بعد"، من أجل تحقيق المراد والمقصد من كل ذلك الإساءة للوطن وزعزعة أمنه واستقراره. حسابات وهمية في البداية ذكر "د. سعود المصيبيح" -أكاديمي وإعلامي- أننا شهدنا عصوراً متلاحقة في وسائل الاتصال، ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، والتي سرقت لب جميع شرائح المجتمع، خصوصاً الشباب الذين يشكّلون في مجتمعنا الأكثرية، حيث أنّ (83%) من المجتمع أقل من (39) سنة -حسب تقديرات المركز الوطني للشباب جامعة الملك سعود-، لافتاً إلى أنّ خطورة هذه الوسائل أنها سهلة الوصول للفرد، وتحديداً مع التطور العجيب والمتلاحق والسريع في الأجهزة، بحيث لا يترتب على الدخول إليها تجهيزات كثيرة أو معرفة عميقة، والإنترنت في كل مكان؛ مما جعل مشاركات السعوديين في وسائل التواصل الاجتماعي تسجل رقماً عالمياً متقدماً، مشيراً إلى أنّ هذا يعود للفراغ القاتل لكثير من فئات المجتمع، وعدم استثماره فيما يفيد، إضافةً إلى قلة وسائل الترفيه. وقال إنّ هذا أدى للتأثر بأفكار سياسية ضد الوطن، مبيّناً أنّه وبالنظر إلى واقع المملكة وما وصلت إليه من خير ونماء وازدهار واستقرار حتى أصبحت ضمن الدول العشرين الأعلى اقتصادا في العالم، فمن الطبيعي أن تتعرض إلى هجمات معادية حاقدة للتأثير على شبابه والطمع به والنيل من استقراره، حيث وجد الأعداء ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، من التشكيك في ثوابت الوطن، وزرع الفتنة، ونشر الشائعات، والتأثير على الوحدة الوطنية، منوهاً بأنّ ما يحدث يستحيل أن يكون جهداً وعملاً فردياً، بل عمل يدار من جهات ومنظمات عالية الجاهزية والاستعداد، ولا غرابة أن يكون من استخبارات دول معادية، تستغل مواطنين متأثرين بأيدلوجيات متوترة، أو عرب انتموا لأحزاب حركية مسيسة عاشوا في المملكة ويعرفونها جيداً، ويعرفون كيفية الدخول للعقلية السعودية؛ بهدف الإساءة واستغلال الأحداث ضد هذا الوطن. وأضاف أنّه نجحوا في أحايين كثيرة بزرع الفتنة والإرباك، وتأثر الكثير بهم، وساعدهم في ذلك تقليدية تعامل الجهات الإعلامية المعنية في التعامل مع هذه الوسائل، وتشتت الجهات التي تتعامل مع هذا الوسائل، وتردد بعضها، وتواكلت جهات على أخرى؛ خوفاً من المبادرة وتجنب اللوم عند الفشل؛ مما جعل المواقف الوطنية ضعيفة ومشتته، يقابلها سيطرة واضحة وكبيرة من الأعداء على هذه الوسائل، مطالباً بتوحيد الجهود وتحديد المهام للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، مقترحاً أنّ يكون هناك هيئة للاتصال الاجتماعي، يجري فيها استقطاب الشباب البارعين في هذه الوسائل، يقودهم قدرة متمكنة لصياغة التوجه الوطني واستمزاجه من المسؤول، والتعامل مع الأحداث والمواقف بالشكل المطلوب؛ لأنّ تجاهل هذه الوسائل واستمرار السيطرة عليها مؤثر جداً على السلم الاجتماعي، وهناك مئات الآلاف من الحسابات الوهمية التي تنهش في استقرارنا ووحدتنا وتجربتنا التنموية. د. سعود المصيبيح دحام العنزي د. نايف المهيلب جعفر الشايب تثقيف العقل الجمعي من جهته رأى "دحام العنزي" -كاتب رأي وأكاديمي سابق- أنّ شبكات التواصل الاجتماعي تعدّ وسائل خطرة من حيث نشر المعلومة الخاطئة، حيث تنطلق من مختلف الجغرافيا وتحت فضاء حر لا يحده حدود ولا تضبطه قيود، مضيفاً أنّه بإمكان تلك الأدوات أن تخلق من أصغر الأمور فتنة لا تنطفئ، حين يحسن المخرب استخدامها وتسخيرها لمصالحة، موضحاً أنّه كثيراً ما يستخدم أعداء الوطن وسائل التواصل الاجتماعي للتشكيك في منجز معين؛ بهدف تفريغه من المحتوى والقضاء على مصداقية القائمين عليه، وأحياناً لبث الفرقة أو لتغذية الاحتقان الطائفي بهدف زعزعة الأمن الاجتماعي. وقال إنّ شبكات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، يجب أن نحسن التعامل معه، حين يكون الطرح عقلانياً تزداد اللحمة الوطنية وتكون قد شاركت في نشر التثقيف المعرفي، ونبذت الإقصائية وادعاء امتلاك الحقيقية وتسطيح العقول، مبيّناً أنّ تأثير تلك الوسائل قوي جداً وفعال، وتأثيرها على المجتمع والمستقبل مرتبط بالمحتوى المطروح ومدى الوعي به، فحين تروج مقاطع تتسم بالخبث والاصطياد في الماء العكر فإنّ ذلك يصب في صالح دعاة الفتنة ومسوقي ضرب الوحدة الوطنية، موضحاً أنّ لتلك الوسائل قدرة هائلة على أن تسهم في ردم الهوة أو صب الزيت على النار في قضايا هامشية. وأضاف أنّه إن لم نحسن التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي فسيكون لها مخاطرها فيما لو حاولت مجموعة ما نشر شائعة معينة، الأمر الذي ما يرتبط غالباً بأهداف بضرب الوحدة الوطنية والسخرية من الثوابت، منوهاً بضرورة الحذر في التعامل مع التقنيات الحديثة، وحين يكون الحس الوطني موجوداً في دواخلنا وبقوة فلن تستطيع أي جهة في وسائل التواصل الاجتماعي أن تمارس دورها السلبي. وأشار إلى أنّ شبكات التواصل الاجتماعي نجحت في أن تصبح مكاتب متنقلة لاستقطاب الشباب المراهق وطلاب الجامعات إلى أراضي الفتن، حيث أصبح تأثير تلك الوسائل التواصل بين تلك المجموعات ميسراً جداً، وربما آمنا أحياناً!، موضحاً أنّ الرقابة الحكومية لن تستطيع أداء الدور كاملاً، كما أنّ إيقاف تلك الوسائل بشكل كامل صعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً؛ لذلك يكون الرهان على تثقيف العقل الجمعي، بحيث لا تنطلي عليه حيل أعداء الوطن على شبكات التواصل الاجتماعي، ويكون خطرها على أقل المستويات. وعي مجتمعي فيما أوضح "د. نايف المهيلب" -رئيس النادي الأدبي بحائل- أنّ شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة حديثة وهي من مصادر التبادل في الخبرات والمعارف غير المكلف والمتناهي في السرعة، وتعتبر قفزة نوعية في تقنية المعلومات سهلت ويسرت تدفق المعلومات، ولكن تبقى هذه الشبكات وسيلة قد تكون مصدر شقاء للفرد والمجتمع، إذا لم يصطحبها وعي عال واستخدام رشيد، وقد تسيء إلى الوطن بأسره إذا تتبع المستخدم الأخبار دون تثبت أو تمحيص، مضيفاً: "كم من كلمة قالت لصاحبها دعني، وكثير من الكلمات كانت قاتلة، فهي سهم لا يجب إطلاقه إلاّ بعد التأكد والتفكير في التبعات، كما أن إطلاق الشائعات المغرضة غالباً ما تكون من حاقدين ومحترفين يستغلون العاطفة ويتلاعبون على إيقاعاتها يدفعهم الهوى والمأرب الضالة"، مبيّناً أنّهم لا يملون من التهويل والتفخيم، بغية دفع الآخرين إلى القناعة وفرض نمط من السلوك والتفكير السلبي، وقد تلامس الشائعات المناطقية والقبلية بهدف ضرب الوحدة الوطنية، لافتاً إلى أنّه من هنا يترتب على جمع الجهات والمؤسسات الوعي، والعمل بالعمل الوقائي أولاً، ثم العلاجي؛ للوقوف على تلك الظاهرة بأدوات حديثة وبأسلوب حواري متحضر يكون الهاجس الوطني حاضراً. مرتكزات وطنية وشدد "جعفر الشايب" -كاتب صحفي- على أنّ وسائل التواصل الاجتماعي شكلت نقلة نوعية في تشكيل الرأي العام وصناعة توجهاته المختلفة، وفي المملكة تحديداً هناك اتجاه واسع للإفادة من هذه التقنيات الجديدة، واستخدامها كوسائل إعلامية بعيدة عن الرقابة ومتأثرة بشكل كبير بمواقف الأشخاص والأحداث المحيطة بهم، موضحاً أنّ المملكة تعتبر من أكثر الدول التي تستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعي، مع أنّها لم تبلغ الأكثر تأثيراً في صناعة الرأي في المجتمع، مبيّناً أنّ هناك قرابة (7.000.000) مستخدم لديهم حسابات في تويتر في المملكة، بينهم (4،7) ملايين مغرد نشط، وبنسبة تبلغ (41%) من مستخدمي الإنترنت، بينما تصل النسبة في أمريكا (23%)، والصين (19%)، كما أنّ عدد مشاهدات اليوتيوب اليومية في السعودية تبلغ (190) مليون أي بمعدل (27) مشاهدة لكل فرد يومياً. وقال إنّ هذا العدد الكبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من المؤكّد أنّه يؤثر ويتأثر بصورة تفاعلية واسعة، وكما حدث عدة مرات فإن بعض الأخبار والقضايا التي طرحت في هذه الوسائل لفتت انتباه المسؤولين بشكل أسرع، ونتج على أثر بعضها قرارات سريعة أيضاً، مطالباً بأن تعزز مفاهيم الوحدة الوطنية وتطبيقاتها العملية على أرض الواقع، فإنّه من المهم أن تشكل هذه الوسائل أدوات ورسائل لبث الفكر الوحدوي المنفتح والجامع، موضحاً أنّ إطلاق مبادرات وطنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والإفادة من اتساع تأثيرها وشعبيتها وسرعتها من شأنه أن يساهم في إبراز الموضوع الوطني بكل جوانبه في مختلف الأوساط. وأضاف أنّه من بين ذلك تنظيم حملات إعلامية لإبراز جوانب مضيئة من تاريخ المملكة وتنوع مكوناتها ثقافياً واجتماعياً ومناطقياً، وكذلك الترويج للتعريف بالمناطق المختلفة ومعالمها، وإبراز أهم الإنجازات على الصعيد الوطني علمياً ورياضياً وفنياً وثقافياً، كما يمكن الإفادة من وسائل التواصل الاجتماعي بمناسبة اليوم الوطني في بث رسائل كتابية، وصوتية، وصورية، تعزز الوحدة الوطنية، وتعرف بأبرز الشخصيات التي كان لها دور في بناء الوطن، وتنبه إلى خطورة المساس بمرتكزات الوحدة الوطنية. 7- جيلاً بعد جيل سيبقى الوطن أمانة لدى الجميع