بشكل متكرر يتعاطى الإعلام مصطلح الشرق الأوسط الجديد وخاصة خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وهذا يثير تساؤلات كبرى لدى سكان هذه المنطقة وتكويناتها السياسية، لان مصطلح الشرق الأوسط الجديد يحمل في طياته الكثير من الزوايا التي يصعب الوصول الى تفسيراتها، في الحقيقة أن الفكرة الخاصة بشرق أوسط جديد تثير جدلا واسعا في منطقة الشرق الأوسط على جميع المستويات وهذا يطرح الأسئلة الكبرى التي قد يصعب الإفصاح عنها في أحيان كثيرة. سؤال مهم يقول هل هناك شروق أوسط سوف يستبدل بجديد ولماذا..؟ هذا السؤال كبير جدا وقد يحتاج الى كتب كي يتم الإجابة عليه، ولكن يمكن محاصرة الفكرة في مقولة احاول تبسيطها بشكل اكثر وضوحا، فكرة الشرق الأوسط وقودها المصالح الذاتية للدول والتي يجب أن تشكل محور الأنظمة السياسية وقد تحدث عنها مكيافلي. هنا يجب ان ندرك أن اكثر دول العالم وأقواها لديها مصالح ذاتية في الشرق الأوسط وهذه المصالح تشبه الكثبان الرملية، ويمكن تحريكها من خلال عمليتين الأولى بالنقل والثانية بالاعتماد على الرياح لكي تنفذ المهمة، لذلك فالمعادلة القائمة في فلسفة الشرق الأوسط الجديد تقوم على المعطيات التالية: مصالح اقليمية زائد مصالح دولية تساوي تحريك الكثبان الرملية التي يتوقع أن تؤدي الى انتاج شرق أوسط جديد. المعادلة القائمة في فلسفة الشرق الأوسط الجديد تقوم على المعطيات التالية: مصالح إقليمية زائد مصالح دولية تساوي تحريك الكثبان الرملية التي يتوقع أن تؤدي إلى إنتاج شرق أوسط جديد.. فكرة الشرق الأوسط الجديد ليست جديدة فقبل مئة عام وكنتيجة معاهدة (سايكس/بيكو) المشهورة ولد شرق أوسط اعتمد الشكل الذي نرى بعض آثاره في كثير من الدول العربية التي اجتاحتها الثورات العربية التي فرضت استحضار هذا المصطلح من جديد، ولكن الازمة القائمة اليوم أن إعادة تشكيل الشرق الأوسط لم تعد عملية سهلة كما كانت قبل قرن من الزمان، فصراع المصالح الذاتية للدول اصبح يحتل مساحة اكبر مما كان ولم يعد العالم يحكم عبر نظرية الأقطاب فالقوة أصبحت اكثر انتشارا وشمولية بين الدول. نعم هناك دول قوية في العالم ولكنها لم تعد تقوى، ولعل خير مثال على ذلك الدور الأميركي في المنطقة خلال العقدين الماضيين، وكذلك روسيا ودول اوروبا القوية، معادلة توزيع القوة أصبحت عاملا مهما في تواجد كثير من دول العالم في حلبة واحدة هي حلبة المصالح الذاتية تلك الحلبة التي لم يكن مسموحا لأحد بالدخول اليها سوى الدول القوية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. لقد ولدت دول صغيرة ضحت بمصالحها الاستراتيجية من اجل الظهور في حلبة المصالح الذاتية ولكن ذلك أتى على حساب شعوب تلك الدول وعلاقاتها الدولية، وفي ذات الوقت تعرضت دول كثيرة في الشرق الأوسط لإنكسار سياسي وانهيار مجتمعي أدى الى حروب أهلية كتلك التي نراها في سورية والعراق واليمن وليبيا، وعلى الجانب الآخر هناك دول شرق أوسطية مستقرة ومتطورة وهذا خلق طبقية سياسية في منطقة الشرق الأوسط، هذا التفاوت السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين دول الشرق الأوسط هو سبب انتشار الامراض السياسية التي جعلت من دول المنطقة تتصرف ولكن بتفاوت كبير في مضامين هذا التحرك. بمعنى دقيق هناك دول تبنت الاتجاه التنموي في مسارها، بينما هناك دول تبنت الرغبة في صناعة التأثير دون مستندات تاريخية وهناك دول اعتقدت أن بقاءها يعتمد على فكرة صناعة العدو ومقاومته بغض النظر عن أي معطيات سياسية أو تنموية تتطلبها تلك الدول، هذا التفاوت الطبقي هو ماجعل منطقة الشرق الأوسط مع بداية القرن الحادي والعشرين تتطلب اصلاحا جديا وهذا الإصلاح لايمكن ان تقوده دول من خارج هذه المنظومة الشرق أوسطية، ولعل الدول الغنية سياسيا واقتصاديا هي من ينتظرها العالم لتصحيح المسار وبناء هيكل الشرق الأوسط الجديد ومع أن الانتصار لن يكون سهلا لكنه ممكن في النهاية.