هل هو الاستعلاء الفارسي؟ أم هل هو الاستعداء لكل ما هو عربي؟ أم هي ديمومة الكراهية والحسد والحقد للجوار الإقليمي، وعدم احترام الغير. هل هي حرب الشعارات وإثارة الفتنة بين المسلمين، أم هو التأجيج المُتعمد، وتسخير الطاقات الوطنية الإيرانية للتجييش وترسنة وبناء القوات المسلحة بطريقة لا تتوافق مع حجم التهديد المزعوم، مما شكل هدراً حقيقياً للموارد الوطنية الإيرانية، وخاصة أن إيران تعيش جوار دول مسلمة ومسالمة، مثل أفغانستان وباكستان، والتهديد العراقي انتهى منذ أمدْ وانعكس فأصبح التهديد الإيراني جلياً على الأمن الوطني العراقي ودول الخليج العربية الأخرى، والتي دوماً تمد يد السلام والإسلام لإيران، ولكن البورجوازية «الطبقة المسيطرة الحاكمة» والأرستقراطية «الطبقة الاجتماعية العليا» والثيوقراطية «الدينية» الإيرانية أبت واستكبرت، وحملت لواء التحدي للعالم أجمع وليس لدول الجوار فقط. هل هذه السياسات والإستراتيجيات التي تتبناها الحكومة الإيرانية تساعدها على تحقيق مصالحها الوطنية، وهل تؤمن لها أمناً وطنياً حقيقياً، وهل تحمي غاياتها الوطنية. إذاً لماذا هذا التبني والتصريح والتلميح إلى الردع والتحدي باستخدام القوة. لماذا الإفراط في بناء محطات المفاعلات النووية والتضخيم العجِل في توسعة المشروع النووي الإيراني، والذي يفوق حاجتها. ولكن ذلك يعطي مدلولاً عن طبيعة النوايا التوسعية المستقبلية الإيرانية في الهيمنة. إن بناء ثلاثين محطة للمفاعلات النووية يفوق الطاقة الاستهلاكية والاستيعابية للطاقة الكهربائية المُزمع إنتاجها، وإذا كانت إيران تفكر في تصدير الفائض فلمن؟ خاصة وأن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لها مشاريعها وبرامجها المستقبلية الخاصة في إنشاء محطات نووية لإنتاج الطاقة بما يتفق ويتوائم مع متطلباتها من التنمية المستدامة. بمعنى أن كافة المؤشرات لهذه البنيوية النووية تشير إلى توظيف تلك المفاعلات لأغراض غير سلمية. أثبتت مجريات الأحداث قوة التدخل الإيراني والذي قوبل بالحكمة والروية والرؤية الحسنة، حيث تعاملت دول المجلس مع إيران بالدبلوماسية الناعمة، وأثبتت للحكومات الإيرانية المتوالية رغبتها في وجود علاقة متوازنة تحقق المصالح المشتركة لكافة الأطراف إضافة إلى الزيادة المضطردة في تصنيع الأسلحة التقليدية من دبابات ومدافع وراجمات صواريخ وصواريخ أرض- أرض، وأرض – جو، وجو – جو، وبمديات مختلفة، وطائرة من دون طيار، وقطع بحرية مختلفة، وغيرها من المهام والمعدات المساندة للعمليات العسكرية، وأغلب هذه الصناعات في مستويات تقنية متوسطة، وتصنع في عجالة باسم تحقيق الاكتفاء الذاتي، فإيران لم ولن تدخل سوق السلاح الدولي كبائع رئيس بهذا المستوى من التقنية مع الفظاظة الفارسية في التعامل والجهل بعلم وفن دبلوماسية وإستراتيجية التسويق، وضبابية الرؤية المستقبلية، وعدم وضوح التوجهات، وخلق عداءات، ونقض التحالفات، ورعونة التصريحات، وكثرة التلميحات. تاريخ الثورة في 1979م واضح وجلي، ثورة بلا أهداف واضحة سواء تغيير النظام الليبرالي (التحرري) القائم آنذاك إلى نظام (ثيوقراطي) ديني ومتطرف. همها تصدير الثورة، وزرع الفتنة وتأجيجها، وزعامة الطائفية ودعمها، وتقوية المذهبية ونشرها، عدم إيمانها بالحوار ولا بحسن الجوار، علوية فوقية سلطوية صفوية، لا تحسب حساب المستقبل، ولا تحترم المتغيرات، لم تلتفت لداخلها المنُقسم، والمنُتهكة حقوقه، والمسلوبة مقدراته والمُسخرة لعسكرة الدولة، وتمييع مؤسسات المجتمع المدني. كان حلُم الشعب الإيراني أن تنتهي الطبقية بعد عهد مضى، ولكن العهد الجديد عزز من تلك الطبقية، وسلب الإرادة الوطنية من الشعب وسلمها إلى مجموعة من الملالي الحاكمة وغير المُعصرنة، والتي ترى نور المعطيات الحاضرة والمستقبلية من ظلمات الماضي المُعاش من تلك الفئة، فأصبح المنظور الإستراتيجي معدوماً والرؤية المستقبلية قاصرة، يهمه مستقبله الشخصي، ولا يهمه مستقبل شعب وأمن وأمان أمة. نظام اعتمد الزراعة الحزبية منهجاً في زراعة أعضاء غير شرعيين في خاصرة الأمة العربية والإسلامية، هدفها الرئيس تنمية الطائفية والمذهبية في الكثير من الدول العربية والإسلامية. وتمت سقيا تلك الأعضاء المزروعة بماديات وأيديولوجيات لمدة عقود من الزمن، حتى أصبحت تلك الأعضاء جزءاً من كيانها الأيديولوجي والمذهبي ولكنه زُرع في مكان آخر، واستمد هذا المُنتج الزراعي الحزبي ولاءه من ولاية الفقيه، فأصبح الخادم الناشر الناشز باسم أئمته في مشهد وقم، ويستقي مدده وإمداداته من بنك طهران المركزي، ونسي وتناسى نماءه وانتماءه ونموه في وطنه الأصلي. إنه الارتزاق السياسي والمذهبي والطائفي، أم نبحث في معاجم وموسوعات المصطلحات السياسية والإستراتيجية عن مصطلحات لهذا النوع من الاسترزاق، يرأسها ويديرها فئة من الانتهازيين والنفعيين والوصوليين، وعلى الدول العربية المُتضررة من هذه الزراعة أن تسعى لاجتثاث هذه الطحالب السياسية والمذهبية والطائفية الفاسدة. مجلس التعاون لدول الخليج العربية يمثل نموذجاً مميزاً للتوافق والتوائم والانسجام بين شعوب وحكومات الدول الأعضاء، وإن لم يرقى إلى مستوى طموحات شعوب دول المجلس، ولكن نتمنى أن يسعى المجلس إلى تحقيق المزيد في ظل تعزيز الإستراتيجيات التكاملية السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والأمنية والنقدية والمعلوماتية والصحية والثقافية والصناعية والنقل وغيرها. كل هذا قام وسيقوم بمشيئة الله تعالى ثم بإرادة وإدارة حكومات وشعوب دول المجلس، شريطة أن نتحصن ضد ما يُحاك وما سُيحاك من الداعم الحقيقي للفتن في المنطقة، والمُخططة والمُدبرة والمساندة لكثير من العمليات الإرهابية في دول المجلس، وهي جمهورية إيران الإسلامية، حيث أثبتت مجريات الأحداث قوة التدخل والتفعيل والتصعيد والتأجيج الإيراني، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المجلس، والذي قوبل بالحكمة والروية والرؤية الحسنة، حيث تعاملت دول المجلس مع إيران بالدبلوماسية الناعمة، وأثبتت للحكومات الإيرانية المتوالية رغبتها في وجود علاقة متوازنة تحقق المصالح المشتركة لكافة الأطراف، وفي ظل احترام متبادل. ولكن نزعة الاستعلاء الإيرانية وتطاولها وتعنتها في التدخل في الشؤون الداخلية، وإنشائها خلايا تخريب مدعومة بمنظومة من العملاء والجواسيس مرتبطين مباشرة بجهاز المخابرات الإيراني، كل هذا يُدلل على سوء النية. قابله في الطرف الآخر الهدوء الدبلوماسي المعهود المتزن والمتوافق مع ميزان القوى في المنطقة، والساعي إلى تجنيب المنطقة التوتر وإبعادها عن شبح الصراعات، وإيجاد أرضية خصبة للحوار والتفاهم المتماثل. وعلى الرغم من الموقف الواضح لدول المجلس والقاضي بضرورة بُعد الطرف الإيراني عن أسلوب الصلف والهيمنة، وعليها إثبات حسن النية، وإعادة جزيرتي طنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وضرورة احترام إيران للقوانين والأنظمة والأعراف الدولية. ولكن عدم استقرار التوجهات الإيرانية وغموضها وتحدياتها المستمرة لكل المعطيات والمخرجات الإقليمية والدولية، وادعاءها المستمر أن إسرائيل هي عدوها الأول، وهذا مخالف للمعطيات التاريخية التي سبق وأن رسمت وأطرت العلاقة الإيرانية-الإسرائيلية، وبذلك دخلت في حرب الشعارات التي تُسعد بعض السذج في الشارع العربي. ولكن من خلال تحليل البيئة الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، وبالرجوع للماضي واستقراء الحاضر يتضح لنا طبيعة العلاقة الحاضرة والمستقبلة بين إيران وإسرائيل، وأكبر دليل على ذلك أن نرى إسرائيل وهي تنتهك حرمة قطاع غزة وحماس تحديداً، وعلينا البحث عن الدور الإيراني ومدى تفاعله واستجابته. وأخيراً نقول على إيران أن تعيد حساباتها، وتقوم بمراجعة إستراتيجية لسياساتها وإستراتيجياتها، لتصحيح أدوارها وواجباتها ونهجها ومسؤولياتها وتعاملاتها مع دول المنطقة العربية، وأن تفكر جدياً في أرضية لحسن الحوار والجوار، وأن تنأ بنفسها عن الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وأن تهتم بشأنها الداخلي، الذي يحتاج منها إلى وقفة إصلاح وعدل وأمانة، وأن تُعيد للشعب الإيراني ما سلب من حقوق وحريات. لكي تحقق الأماني، ونرى منطقة الخليج العربي منطقة سلام ووئام، بعيداً عن الطائفية والمذهبية والإثنية، محاطين بتنمية مستدامة، وتحقق لشعوبها الرفاه مؤطراً بالسلام والأمن والأمان، ندعو الله أن يتم ذلك إنه على كل شيء قدير. *خبير إستراتيجي وجيوستراتيجي