في مسيرة الفنانة هيذر هانسن ذكرت التحول الذي طرأ على نتاجها الفني حين خضعت للتدرب على يد شخصيتين رئيسيتين في عالم المسرح والرقص الحديث، التأثير الأول جاء من كازو أوهنو Kazuo Ohno الشخصية الأسطورية التي عمرت لمئة و ثلاث سنوات من 1906 و حتى 2010، و الذي ينظر إليه بصفته المؤسس لفن البوتاه الياباني 舞踏، الفن الذي ساعد هذا الرجل على أن يظل منتجاً نشطاً على خشبة المسرح حتى بلوغه لعمر المئة، ابن صياد السمك هذا الذي اضطر الفقر أهله لإرساله لعائلة قريبة لتنشئته، والذي قاده القدر حين كان في العشرين من العمر وطالباً في الكلية الرياضية لشهود ملكة الرقص الإسبانية "أرجنتينا" الأمر الذي غير مسار حياته، هذا النقيب بالجيش الياباني الذي خاض الحرب في الصين و نيوغينيا وألهمه العنف الذي شهده حساسية وفهماً عميقاً للوجع البشري وقدرة الروح على الارتقاء على أقسى الجروح واليأس، إذ ومن خلال الوجع نجح كازو أوهنو في أن ينجو بذاته ويغدو قائداً روحياً ألهم العديد من فناني الاستعراض حول العالم، سواء من خلال استعراضاته المدهشة أو من خلال الكتب التي ألفها عن ذلك الفن الذي يعتمد على تطويع الجسد من خلال تعزيز القوى الروحية والتي حين يتم تحفيزها تقود الجسد لإحراز المعجزات، مثل معجزة كازو أوهنو الذي لم تعجزه شيخوخة الجسد فظل يمارس عمله كمدرب للتربية البدنية والذي وحتى حين فقد في سنواته الأخيرة القدرة على تحريك قدميه لم يكف يرقص بل ويزحف على ركبتيه راقصاً وملهماً حتى النهاية لمدة قرن من الزمان، المعجزة التي تتجاوز الفهم والعقل وتخاطب الروح والمشاعر مباشرة، كما يصرح أوهنو "أروع إطراء يمكن أن يسعدني حين يقول لي أحد المتلقين من جمهوري: لقد أبكيتني! إذ لا يهم أن يفهم الجمهور ما أقدمه، بل ربما من الأفضل ألا يفهم، المهم أن يستجيب الجمهور للرقصة بعفوية وبفطرية تتجاوز العقل والفهم." و إلا كيف يمكن لنا فهم وصلته المسماة رقصة قنديل البحر، حين يتحول الرجل لكائن بحري يذهلنا بمرونته وتجليه المائي، ونحتاج الغوص لأعماق الراقص لنعي أن تلك الرقصة ماهي إلا وصلة تأملية للدفن بالبحر الذي عاشه الفنان أثناء خدمته على ظهر السفن التي كانت تنقل الجنود من مواقع الحروب راجعة لليابان. رسالة كازو أوهنو تتجاوز الفلسفة لتطلق عقال الروح وكما يقول النقاد: إنه "قد قام بتوسيع نطاق الإمكانات البشرية"، لذا تستمر تعاليمه تحيا من خلال الأستديو الذي يرعاه ابنه الراقص يوشيتو الذي تكرس للتدريب على مكتشفات أبيه ونقلها للأجيال القادمة. التأثير الثاني على هيذر هانسن جاء من الفنانة فلبينا باووش المشهورة باسم "بينَّاباووش" من مواليد عام 1940 والمتوفاة عام 2009، أسطورة الباليه الألمانية ومصممة الرقصات والتي عززت مكانتها كرائدة للرقص الحديث بتأسيسها للمدرسة الحديثة للباليه التعبيري في فرقتها المعروفة باسم تانزثياتر Tanztheater والتي طافت العالم تعرض تصميماتها الراقصة التي تجمع بين الحركة التعبيرية والصوت واللوحات الفنية والمغزى الروحي العميق، بينّْا باووش التي اشتهرت باستعراضاتها الفريدة من نوعها مثل عملها المعروف باسم كافيه موليير 1978م، والذي جعلت فيه الراقصين ينطلقون على خشبة المسرح بأعينهم مغمضة ويتخبطون بين مقاعد وطاولات ذلك المقهى الشهير. هذه المرأة الأسطورية التي هي أشبه بقائد روحي أو بمحلل نفسي تسعى في تدريباتها لدفع أعضاء فرقتها للغوص لخزين مشاعرهم الكمينة واستنطاقها و توظيفها في حركاتهم التعبيرية التي تتحدى الجمهور وتحرضه على التفاعل الأقصى مع المضوعوعات الفلسفية التي تطرحها. هذه الأمثلة الثلاثة سواء هيذر هانسن أو كازو أوهنو أو بينّْا باووش ماهي إلا أمثلة على القوى اللانهائية الكامنة في الإنسان، والتي بصقلها تنجح في رفع الإنسان فوق المرض والتعب و الشيخوخة.