بخلاف ما اعتدنا عليه في مجتمعاتنا، تصف الشابةالسويدية مارتينا فون شويرين نفسها، إذ تقدّم رقصها الشرقي المتقن، كأميرة شرقية تتوسط خشبة المسرح، راقصة، بملابسها الزاهية. وعلى رغم الاختلافات الواسعة بين موسيقى وغناء وطنها وبين الثقافة الشرقية، فقد اختارت الثانية فنّاً لها، عشقت رقصها فتعلّمته لتعلّمه في «أكاديمية آرابيسك للرقص الشرقي» في مدينة غوتنبرغ السويدية. تقول شويرين ل «الحياة» إنها أحبّت الرقص الشرقي منذ شاهدته للمرة الأولى. فالموسيقى والزيّ الأخّاذ، ووقفة الراقصة الفانتازية على المسرح، وعوالم الرقص السحرية في قصص ألف ليلة وليلة، جعلت من هذا الفن عشقها الأثير. تدير شويرين مدرسة لتعليم الرقص الشرقي، إضافة إلى أنها ممثلة مسرحية، ومنتجة ومنظمة للكثير من المشاريع الفنية والثقافية لا سيما نشاطات «البيت الثقافي» في غوتنبورغ. لعل السمة الأبرز في الرقص الشرقي تثاقله المنظّم والمغناج، إلى جانب التحكّم الفني بعضلات الجسد وأطرافه، وهذه عناصر قد لا تكون بالسهولة المتوقعة بالنسبة إلى جسد غربي معتاد على رقص يتطلب في معظمه سرعة وخفة (باستثناء الباليه ربما). لكن شويرين تشرح أن الرقص الشرقي أصبح الفن الأول في اهتماماتها لما يحمله من «عوالم خاصة وغريبة عن عالمنا، يمكن للراقصة ان تعيشها وتتلمسها وهي على خشبة المسرح». أشكال مسرحية وتركيز شويرين لا ينصب فقط على الرقص والغوص في عوالم «ألف ليلة وليلة»، بل تهتم أيضاً بفنون مسرحية وبأشكال منوعة من «الرقص الدرامي» أو التعبيري، كونها راقصة رئيسة في فرع الفن الاستعراضي التابع لمجموعة «أكيتو» الدولية، إذ ترى في ذلك «سرداً للماضي والحاضر والإنسانية وتاريخ المجتمعات، ومجالاً لاستكشاف عوالم أخرى بطرق حسيّة». لا ينحصر الرقص لدى شويرين في الموهبة وهزّ الأرداف، بل تحاول جاهدة تطوير معارفها به، وفي شكل أكاديمي يكسبها دراية بثقافة البلاد التي ترقص على موسيقاها، وذلك من خلال الاطلاع على طبائع أهل تلك الثقافة وطقوسهم واللوحات الفنية التي ترسمها أجسادهم. وتعتبر الرقص جزءاً من التركيب النفسي والاجتماعي لمجتمع ما، مضيفة أن دراستها «المجتمع والجماليات» في الجامعة مكنّتها من التعمّق في نظريات النقد المختلفة، ما شجعها على التفكير في استحداث مجال بحث جديد حول «عادات الرقص الغربيةوالشرقية». وتضيف شويرين أنها لم تنته بعد من التعمّق والإحاطة بمختلف مدارس الرقص الشرقي، معتبرة إياه القاعدة التي تستند إليها حتى حين تدرس فنوناً أخرى. وخلال السنوات القليلة الماضية، ازداد اهتمام السويديين بالرقص والموسيقى، فترى النساء من مختلف الفئات العمرية (وأحياناً بعض الرجال) ينضمون إلى أندية ويتسجلون في مدارس لتعلّم هذا الفن. وتقول إحدى الراقصات المتدربات أنه، إضافة إلى جمال هذا الفن، فإن اللقاءات الجماعية والموسيقى الإيقاعية بامتياز تمنحها شعوراً بالحبور، وتبعد عنها قليلاً كآبة الشتاء ولياليه الطويلة والمثلجة. تعاون وتواصل وتتحدث شويرين عن تعاون في مجال الرقص الشرقي في السويد مع المركز الثقافي المصري في استوكهولم، مؤكدة أن أكاديمية «آرابيسك» التي تديرها تتطلع إلى مزيد من التنسيق المفيد. ففي بلد كالسويد، منفتح على مختلف الثقافات، يأخذ منها ويضيف إليها، تتمنى شويرين أن تكون «الوسيط» الثقافي بين بلدها والشرق الغني، كما تأمل أن تتمكن من تقديم إبداع فني يساهم في توليف رقص جديد يجمع بين الثقافتين. «بالموسيقى والرقص يمكن للإنسان التواصل مع شركائه في الإنسانية»، بحسب شويرين التي تقدم لوحات استعراضية على وقع ألحان وكلمات لا تفقه منها شيئاً، على رغم اقتناعها بأن «فهم كلمات الأغنية مهم جداً للراقص لأنه يتيح الإحساس بالأغنية وإيصالها». إلا أنها تسعى إلى ردم تلك الهوة اللغوية بالتمرين والجهد المضاعف، إذ تحاول إيجاد من يشرح لها كلمات الأغاني التي تؤدي رقصاتها على نغماتها، وإذا لم يتوافر لها ذلك، تكتفي بالإحساس الموسيقي، وهدفها الدائم «ترجمة الإحساس في الشكل الصحيح من طريق الجسد». وشويرين مؤمنة بالرقص كوسيلة للتعبير عما يدور في خلجات النفس من مشاعر، وترى أن النفس البشرية تتميّز بتبيان تلك المشاعر في هذا الشكل التعبيري الرائع. لذلك، فهي لا ترقص من أجل «غواية»، بل تتفاعل حركتها مع النغم الى الحد الأقصى، وتعيش رقصتها بكل معنى الكلمة، كما أن لكلمة «غواية» معنى مختلفاً في ثقافة شويرين الغربية مقارنة بثقافة الشرق الذي أسرها برقصه.