تكاد بيروت تتحول الى مختبر للرقص، في أنواعه كافة، فالمهرجانات والعروض التي تشهدها دورياً تدل إلى أن الرقص بات واحداً من الفنون التي تشغل المدينة، بمبدعيها وجمهوها على السواء. واللافت أن الجمهور نفسه يتوزع بين أكثر من جيل، جمهور يميل الى الاعمال الكلاسيكية وآخر يهوى الاعمال الحديثة، المتنوعة المدارس والاتجاهات. إنه المشروع الثقافي الذي يتخذ من الرقص منفذاً لتناغم اجتماعي يلغي على خشبة المسرح التناقضات الكثيرة، السياسية والطائفية والطبقية، في مدينة ترزح تحت ضغط الصراعات الدائمة. تجمع الفنانة اللبنانية ندى كنعو (راقصة باليه ومصممة رقص) على خشبة «مسرح مونو» مجموعة من الراقصين، المحترفين والمبتدئين، من طبقات اجتماعية متفاوتة، في اطار «مشروع بيروت للرقص» الذي يؤمن منحاً مادية للراقصين الآتين من ضواحي المدينة وهوامشها، فيضمهم الى راقصين قادرين، ليؤكد هذا المشروع قوة الرقص في كسر الحواجز الطبقية في مساحة من التعبير الجسدي العابر للحدود الواقعية التي تفرضها الانتماءات المتناقضة في بيروت. تلامس ندى كنعو، في تصميمها عرض «الجميلة والوحش»، حال الاحتراف، وهي في الاصل تطمح الى خلقه في لبنان. هيأت لعرضها تدريباً لاربع سنوات، طوعت في خلاله، الراقصين والراقصات في أداء حركي ثابت، وفي تعبير يعكس ثقة الراقصين بأنفسهم، على خشبة تفضح أي وهن. الراقص الشاب كيم بركه يصدم في أدائه دور «الوحش»، حركته لا تهدأ في التمايل بين القساوة والرقة، ويتميز رقصه باحترافية ترفعه الى مستوى الراقصين العالميين في فن الباليه. أما الراقصة مايا نصر فأدت دور «الجميلة» بدقة وغنى داخلي طغى أحياناً على حركتها العفوية والمتقنة، وأسبغ وجه مايا الهوليودي على جسدها المطواع ظلالاً من التوهج فرض نفسه على المسرح، وكادت أن تسرق الاضواء وتحتكرها حين تطل على المسرح بهية وممتلئة. يفرض الراقصان كيم ومايا حضورهما القوي فيرفعان معهما الراقصين الآخرين الى مرتبة متقدمة. ومن الراقصات الواعدات فرح سلامه واندريا معلوف. تتميز فرح بدقة التعبير ورصانة الاداء، وتبرز أندريا راقصة واثقة وواعية لما تؤديه. عرض «الجميلة والوحش» (23-26 الشهر الجاري) متنوع في موسيقاه وتصاميمه وأعمار راقصيه، لكنه يتماسك في توزيع الحركة التي تملأ المسرح بشكل لا يسمح ببروز فراغات مملة. يطمح «مشروع بيروت للرقص» الى الاحتراف الفني في زمن يعيش المسرح اللبناني أزمة مادية ووجودية، وتبدو ندى كنعو واثقة من ايصال الراقصين اللبنانيين الى مكان متقدم وعسى الظروف تساعدهاعلى المضي قدماً.