خطوات واثقة راسخة تدك أرض المسرح بقوة. غضبة نبيلة ممزوجة بفرح الإيقاع في تعابير الوجه الصارخ بالحرية. كبرياء وعنفوان وجرأة وحركات ذراعين متسارعة وبطيئة وشموخ للرأس في كلّ الإيقاعات. إنها فرقة روزاريو توليدو التي ألهبت الجمهور في مسرح سيد درويش في «أوبرا الإسكندرية». اشتعل المسرح بالتصفيق والحماس بأدائها المتميز لعرض «الآن» في أمسية نظمها «معهد ثربانتس» الإسباني بالتعاون مع دار الأوبرا والوكالة الأندلسية لتطوير الفلامنكو. و»الآن» عرض يوحي بالنشاط والحيوية والبساطة دون المبالغة فيختزل بين جنباته تاريخاً من الحزن والفرح والحب والانتقام من خلال خليط مبهر من ثقافات وحضارات مختلفة اجتمعت على أرض إسبانيا. واكتشف ثلاثة فنانين نقاطاً مشتركة بينهم فعبروا عن حالات إنسانية من الشموخ والكبرياء والقوة. يقوم العرض على الرؤية الفنية لحقيقة فن الفلامنكو في الماضي والحاضر وخبرات رواد هذا الفن الذين درسوه في جامعة أشبيلية، ومن هؤلاء أنطونيو مايرينا وبيبا مارتشينا وروزاريو توليدو الذين قدموا تعبيرات استعراضية بأسلوب متفرد تميز بتنوع التعبير الحركي والعزف المبدع والقدرة على إظهار الأحاسيس المختلفة، من خلال الغناء والرقص والعزف ليؤكدوا على ارتباطهم بكل ما هو فطري وبسيط ومعبر عن عالمية هذا الفن. اشتمل العرض على ثلاثة مشاهد، واعتمدت راقصة الفريق روزاريو توليدو في حركاتها على الذراعين والقدمين، مترجمة أحاسيسها الداخلية بحركات سريعة وقوية، بالتصفيق كتعبير إيقاعي للكلمات والنوتات والمشاعر. والضرب بالقدمين، والانحناء السريع للجسد... متجهة نحو التصعيد الحركي أكثر الأحيان، فاستطاعت خلق أنماط إيقاعيه معقده بتقنية ذات حركه ذاتية غريزية لا تنتظر القدرة على ضبط العنف الذي تختزنه الحركة، ما جعل الجميع في حضور روحي وذهني فريد. وأعربت روزاريو عن اندهاشها وسعادتها من تفاعل الجمهور المصري، الذي كان على دراية بالكثير من الأغاني التي قدمها الفريق، تصفيقاً وتمايلاً ورقصاً مع الموسيقى. تصف روزاريو فن الفلامنكو أنه عريق، تتجلى فيه مشاعر الشعوب، الفرح، الألم، الحزن... ولهذا نجده دائم التنوّع، معبّراً عن الحالات الاجتماعية التي ينشأ منها متضمناً أنماطاً غنائية متنوعة يمتاز كل منها بخصوصيته الفنية وتوزيعاته الموسيقية مثل السوليرياس الاليغرياس والتي تتميز عن بعضها باختلاف موازينها الهارمونية. عن تعلم الفلامنكو تقول: «يصعب تعلم هذا الرقص، فقد حاولت فك شيفرة هذا الفن في شكل شخصي، إذ يعبر الراقص عن الموسيقى من خلال حركات الجسد متحكماً بسرعة الإيقاع. فرقص الفلامنكو يتميّز بالدقات القوية والمتسارعة، وهنا تكمن صعوبة هذا النوع من الرقص. فالراقص لا يرقص فحسب، بل هو الذي يتحكم بالإيقاع ويصدر جزء مهم من الموسيقى برجله أثناء الرقص. وعلى الراقص أن يكون موسيقياً بارعاً، لا أن يكتفي بمعرفة الحركات فقط». وعن الجديد في عالم الفلامنكو، أوضحت روزاريو أن هناك نوعاً اسمه «نوفو فلامنكو»، وهو يخلط موسيقى الفلامنكو مع فنون أخرى مثل الجاز والرقص الحديث والباليه... وغيرها. وترى انه «إن لم يكن الشكل الفني حياً ولا يتطور ولا يأخذ بالاتجاهات الجديدة... فإنه لا يسهم في أي شيء». وتقول: «ما أريد أن أظهره للناس، من خلال فهمي وخبرتي بهذا الفن، أن مفتاح النجاح هو أن تكون نفسك بكثير من الاحترام، والالتزام والولع بما تقدمه». وتُعَد روزاريو توليدو اسماً معروفاً عالمياً في الفلامنكو. فهي راقصة ومصممة رقصات بدأت مسيرتها الفنية في قادش عام 1994، من خلال عرض «لأجل قانون الحياة» (إخراج شارو كروز وانريكي)، وعملت مع فرقة مانويل كاركسكو. كما شاركت في عروض الفلامنكو «الديوك» في أشبيلية، «القرطبي» في برشلونة، «من قادش إلى كوبا»، «بحر من الفلامنكو»، «قط للفن» لخابيير بارون، «خاركا» لخواكين جريو، «النية الصافية»، «الازدواج» و«رنكونتا وكوردييو» لمصمم الرقصات خابيير راتورا. وفازت أثناء مسابقة فن الفلامنكو في قرطبة عام 1998 بجائزتين قوميتين بإجماع هيئة المحلفين، هما «الأرجنتينية الصغيرة» و«مالينا». كما حازت الكثير من الجوائز الدولية.