جائزة "السنوسي" الشعرية إلى صالح زمانان هذا العام. الجائزة أعلنت فوز الشاعر السعودي عن مجموعته "عائدٌ من أبيه" كأول أديب سعودي يفوز بالجائزة التي ظفر بها شعراء عرب كان آخرهم الشاعر السوداني محمد عبدالباري من السودان في دورة العام الماضي. عاصفة التهاني أحاطت الشاعر الفائز فور إعلان الجائزة، الأمر الذي دفع زمانان للتعليق قائلا: "أنتم جائزة القصيدة وفرحة الشاعر". هذه الفرحة التي يشير إليها زمانان في الحقيقة ليس لها أن تخفي ذلك الجرح الغائر والذي تقوم عليه تجربة "عائد من أبيه" ألاوهو جرح فقد الأب، ففي هذه المجموعة التي تقع في 112 صفحة، يأخذنا زمانان إلى عمق الوجع الإنساني لمن يرحل له أبٌ عزيز بهذا الحجم، من خلال مجموعة نصوص متفرقة تنهض على هذا الجرح دون أن تقف. ولعل الاختبار الأهم في هذه التجربة أنها لم تتأثر بفوائض التعبير العاطفي المتأثر بفقدان الأب على حساب التماسك الفني، حيث استطاع صاحب "الحارس في الثقب" أن يقدم تجربة تشي بوعي فني عال في الكتابة الشعرية، فهو كما يقول لنا، معلقاً: "لم أكتب بالحزن "العاطفة" وإنما كتبت بذاكرة الحزن". موضحاً: "لا أحد يكتب بالحزن نفسه، لأن فعل الكتابة سيصبح تحت "تخدير" عاطفة الحزن، الأمر الذي سينتج عنه نصاً مهلهلاً لا محالة". دعونا نقرأ من "عائد من أبيه" ما يلي: إلى الذي اِعْتَزَلَ مبكراً.. من ثكنةِ الوجودِ إلى الذي لم يهرمْ مثلَ كُلِّ الآباءِ أولئكَ الذينَ تَوَقَّفُوا عن كَسْوِ زوجاتِهِمْ أو الذين نَسُوا أسماءَ الأصدقاءِ القدامى بل غادرَ سريعاً قبل أن يَفْخَرَ العُكّازُ بقَبْضَتِهِ غادرَ في أُبهةِ النشيدِ وأثناءَ مُمَازحةِ الأحبابِ كما لو أنهُ راحَ لشراءِ الهدايا إلى روحِ أبي الخالدة". هذا الإهداء الموجه للأب، يختصر هول الفقد وأثره على الشاعر، غير أن الكتاب يحتمل أيضاً نصوصاً أخرى تدور في فلك المتأمل في معنى العالم وتحولات الزمان والمكان، وهنا سوف يلفتنا دون شك نص"العزلة" والذي يكتب فيه الشاعر السعودي: "ليستْ بقاءَك وحيداً في كوخِ الغابةِ وليستْ مكوثَ حواسِكَ في غرفةٍ مظلمةٍ بلا نوافذَ بابُها لا تنفذُ منه الأصواتُ وليستْ أنْ ينساكَ من يهرولون في مآقيك العزلةُ أن تكونَ طفلاً والعالمُ حفلةٌ.. لكبارِ السنّ" القلق الفردي، يظهر في أحد نصوص زمانان منطوقاً، من خلال نص "لستُ على ما يرام": ساعتي لها عقاربُ ميتةٌ. وسِوَراها جلدُ ثعبانٍ. معطفي كان تمساحاً. وجلدُ زوجتِهِ حذائي.. وقبيلةٌ من دودة القزِّ. ماتت وهيَ تصنعُ ما تبقى من ثيابي.. هذا البابُ وهذا السريرُ.. هما ما تبقى من شجرةِ بلوطٍ، وجدران غرفتي الموحِشَة مِصْلَبةُ الحصى والرمالِ. لستُ على ما يرام.. أنا مقبرة القتلى!". أما في نص "تحديق الحياة الجاحظة"، فيلامس زمانان مشكلة التحولات الزمانية والمكانية على الذات الشاعرة، عن ذلك "القَرَوِيُّ الشفيفُ الذي كان يجري في صباهُ دون هَوَادَةٍ، ويقطعُ الوعودَ للغيمِ والمروجِ، ويتحدثُ مع الماعِزِ، كما لو كانا صديقينِ قديمينِ، سيكبُرُ خِلْسَةً، وتَكْبُرُ قريتُهُ لتصبحَ حيّاً جديداً، في طَرَفِ المدينةِ الجائرةِ". تأمل التحولات لا يتوقف عند آثار المكان المتبدل، بل يذهب لرصد تحول الزمن وإن كانت بنبرة أكثر قتامة، كما في قصيدة "العائد في ساعة متأخرة"، وفيها نقرأ:"طريقُ البيتِ، المارقُ من أمامِ المآذنِ والقاطِنِينَ ، لم يَعُدْ مزدحماً بأطفالٍ نعرفُهُمْ، ونَعْرِفُ آباءَهم، وأسماءَ أمهاتِهِم، والجَدَّاتِ، باتت زواياهُ مُوحِشةً، تتعلّقُ في سُقُوفِها الخفافيشُ، مازالت برِكْةُ الماءِ في منتَصَفِهِ الفسيحِ، لكنها مُعَبّاةٌ بالأحجارِ والطيورِ النافِقَة". أخيراً.. يليق بصالح زمانان هذا التكريم الذي سيقام في الفترة من 28 – 30 يناير بمشاركة 27 شاعراً من المملكة والعالم العربي.