أجمع مفكرون وأكاديميون على قوة ورسوخ الأمن الفكري في بلادنا، الأمر الذي تكسرت عليه جميع محاولات الأعداء على هذه الصخرة الصلبة، مطالبين في هذا الصدد بمعالجة بعض ثغرات التي استغلتها قوى الإرهاب والتطرف في محاولة النيل من أمن هذا الوطن وتحويل بعض أبناءه إلى إرهابيين، وقتلة متجاوزين مبادئ الدين والإنسانية والقيم التي نشأوا عليها. وأكد المختصون على ضرورة قرع كل الأجراس التي تشير إلى خطورة المساس بالأمن الفكري لهذا المجتمع ومحاولات الأعداء اختطاف عقول بعض الشباب بأساليب متعددة وطرق ملتوية يتقدمها تشويه العلماء الربانيين في المرجعية العلمية "هيئة كبار العلماء"، ونزع الثقة بولاة الأمر، والتشكيك واللعب بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومحاولة استغلال التركيبة الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية، بسيل جارف من شائعات مواقع التواصل، ومقاطع قلب الحقائق، بالأكاذيب والفتاوى ومخططات التحريض وإثارة الفتن، داعين إلى إستراتيجية شاملة لتعزيز الأمن الفكري وتحصين عقول النشء من الاختراق، بتضافر جهود الأفراد والمؤسسات في سبيل هذا الهدف. ندوة " الرياض " تناقش لهذا الأسبوع واقع الأمن الفكري في بلادنا ومهدداته ومعززات ديمومته، ودور مؤسسات المجتمع، ومحاضن التربية في حماية الجيل وسبل حماية الفكر من الشبهات والضلالات والانحرافات. وشارك في هذه الندوة كل من : د. غازي المطيري - المفكر الإسلامي وأستاذ كرسي الأمير نايف بالجامعة الإسلامية-، و د. سليمان الرومي – أستاذ البحوث والدراسات -، و د. عبدالله التمام – أستاذ الإدارة التربوية والتخطيط -، و د. محمد الذبياني – عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية ومختص في التوجية والإرشاد -، و د. خالد الزهراني – الأستاذ في كلية الدعوة وأصول الدين-. حماية الفكر تبدأ بتعزيز الوعي ومعالجة مكامن القصور وعودة الأسرة لموقع الصدارة في التربية والمتابعة بوصلة الفكر ضايعة..! أوضح د. الرومي أن وزارة الشؤون الإسلامية لديها الإمكانية للقيام بدور كبير من خلال العناية بالخطابة، فجميع أفراد المجتمع حريصون على حضور خطبة الجمعة، وهذا الدرس الأسبوعي الهام يجب أن يؤدي رسالة بدلا من أن تكون كثير من الخطب مقالية تعكسا خبرا أو حدثا وتهيج المشاعر، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلامس القلوب، ومتى ما لامس الحديث القلب تغير الفكر، فالجانب الوعظي الإيماني مدخل هام لإيصال رسائل فكرية واضحة الأهداف والمعالم. وأضاف: ما يضاعف من الخطورة ضياع بوصلة الفكر من خلال القيام بأعمال آثمة يظن مرتكبيها أنهم على الصواب، وأن عملهم جهاد لنصرة الإسلام، ويروجون لذلك بانقياد أعمى وانبهار أصم لأفكار سلبية زرعت في عقولهم الطائشة من قبل أشخاص وتنظيمات هي أبعد ما تكون عن الإسلام الصحيح، ولها مصالح وأهداف لم تعد خافية على أحد، وهذا الترويج وما يحظى به من اهتمام إعلامي، وتعاطف من بعض الحاقدين عل الإسلام والحاسدين لوطننا قد يوجد بلبلة ويستقطب مزيدا من النشء والشباب للمستنقع الآسن القذر. في البداية تحدث د. غازي المطيري عن مفهوم الأمن الفكري قائلاً: المفهوم العلمي لكلمة "الأمن" هي مشتقة من: "أمن، يأمن، أمنا"، والحقيقة أن كلمة "الفكري" هي إضافة نسبية، مماثلة للأمن الاجتماعي، السياسي..، وللأسف هناك خلط بين الأمن الفكري والانحراف الفكري، وبين الغزو الفكري والتغريب، ولذلك يجب أن ننص على المعنى بأنه سلامة منظومة المجتمع من خلال معرفته بمكونات هويته الإسلامية والوطنية والعيش في إطارها وفق منهجية متوازنة تصون الفكر وتوطن الاستقرار وتؤمن الحقوق للفرد والمجتمع، فهذه المنهجية الشاملة منبعها الإسلام، كونه يركّز على العمومية، ولا ينظر إلى الجزئية، لذلك فالأمن الفكري عام وشامل للعقيدة والأمن والسياسة والاقتصاد وعموم ما يتصل بحياة الناس. وعلق د. سليمان الرومي: نستطيع أن نلّخص ما ذكره د. غازي حول المفهوم بأنه: سلامة العقل الإنساني من أي خلل عقدي أو منهجي يؤثّر على تصرفات الفرد وعلاقته بالآخرين، فهذا الخلل سيطال الفرد نفسه، ومجتمعه ويدفعه للإرهاب والتطرف، والتأصيل الشرعي له يقوم على ما جاءت به النصوص الشرعية من الحفاظ على الضروريات الخمس: الدين، العقل، النفس، العرض، المال. وتداخل د. عبدالله التمام قائلاً: الفكر في المصطلح الفلسفي هو الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات، أي النظر والتأمل والتدبر والاستنباط والحكم، ونحو ذلك وهو كذلك المعقولات نفسها، أي الموضوعات التي أنتجها العقل البشري، هذا العقل أضحى في عصر العولمة يستقبل كل ما يرد إليه وسيظل عرضة للوقوع في براثن الوهم والخطأ ما لم يصاحب ذلك تنقية فكرية سليمة ومستمرة، ومفهوم الأمن الفكري بشكل عام الغرض منه المحافظة على المكونات الثقافية الأصيلة في المجتمع، وحمايته وصيانة المجتمع من أي اختراقات للشباب وأبناء البلد. وعلق د. غازي المطيري: حينما نتحدث عن هذا النوع من الأمن فلا نريده أن يكون حبيس الفكر والذي يهمنا هو التطبيق القائم اليوم، فالأمن الفكري ليس منعزلاً عن المجتمع وصيانته، والوطن وأمنه، فينبغي ألا ننسى الجانب العملي وهو المهم في هذا الجانب. وتحدث د. محمد الذبياني: إضافة لما ذكره الزملاء فإن المفهوم المختصر هو: حماية الإنسان من التيارات الدخيلة والتي تصطدم بالثوابت الشرعية، وضبط اتجاهات الفرد نحو العمل الإيجابي المفيد والنافع لوطنه ومجتمعه، فهذا النوع من الأمن هو سياج منيع يقي الفرد من كل ما يلحق الضرر به أو بغيره. المهددات وحول مهددات الأمن الفكري قال د. سليمان الرومي: أبرز المهددات وجود مخططات دولية موجهة تستهدف زعزعة أمننا الفكري، والواقع يثبت ذلك، فمصادر الشائعات في الغالب والتي تدور بين فئات المجتمع تنبع من جهات مشبوهة في ثلاث دول على وجه التحديد منها إيران، وغيرها أيضاً من الجهات المعادية، التي مهمتها تصدير الشائعات التي تمس المجتمع السعودي بأمنه الوطني والفكري بشكل عام، ومن المهدات أيضاً الانفتاح الإعلامي "البث الفضائي ووسائل التواصل الاجتماعي" التي تعمل وفق مخطط ممنهج لإعادة صياغة أفكار الناشئة والشباب لدينا دينياً ووطنياً، وخلق صدامات وعداوات داخلية، ومن المهددات طبيعة بعض الأفراد "الحدة في الحكم" ومصادرة آراء الآخرين وتتحمله المحاضن التربوية: الأسرة، المدرسة والجامعة، فهذه الحدة ستولد ردة فعل عكسية، ومن المهددات الغلو ومعززاته المختلفة من جهل واتباع للهوى وتعصب "إقليمي، قبلي، طائفي.."، ولا ننسى أيضاً أن التفريط يعد مهدداً حتى وصل الأمر بالبعض تدوين عبارات إلحادية عبر الحسابات الشبكية في تجاوز خطير لكل الثوابت التي يدين بها أبناء الوطن، وكذلك تبني الأفكار البراغماتية والوجودية وغيرها من الأفكار والنزعات. الفتاوى الشاذة وفي سؤال للزميل خالد الزايدي حول مدى موثوقية تحميلنا للجهات الخارجية فقط مسؤولية استهداف أمننا الفكري، وتبرئة بعض المدونات التراثية أو بعض الفتاوى الشاذة أو القديمة التي ما زال البعض يسقطها على واقعنا اليوم مع أنه واقع يخالف الأمس تماماً؟ أجاب د. الرومي: هذا المنهج وجد فعلاً عند بعض المتشددين ويرجع إلى شخصية الباحث أو المفكر أو الداعية الذي لا هم له سوى انتقاء وحشد أشد الأقوال والفتاوى من الكتب التي يجدها بينما هي أقوال لا تمثل التيار العام ولا الرأي الصحيح، ولكن طبيعته الذاتية المتشددة تميل إلى ذلك فيسقطها على المجتمع وعلى الأحداث، وخلال حديثي السابق لم أكتف بالمخططات الخارجية بل أشرت بأصابع الاتهام لمهددات أخرى بينها الحدة في الحكم ومصادرة الآراء والغلو وهي موجودة فعلاً، والمؤسسات التربوية تتحمل هذه المسؤولية. اتهامات ظالمة وعلق د. المطيري: نعم هناك اتهامات ظالمة للمملكة ومناهجها التعليمية وكذلك لكتب السلف ولاسيما الدعوة السلفية، وهي تهم يحاول أعداء الإسلام أن يوظفوها لتصبح كلمة "الوهابية" رمز للإرهاب، وهذا بلا شك عار تماماً من الصحة، فالقرآن الكريم والمناهج علم، والعلم لا يعلمه إلا العلماء، وحينما انصرف الشباب عن العلماء، كان أحد أهم المهددات الكبرى وما زالت هي الفهم المغلوط، والشبهات، والأمر الثاني أن الذي يعلم هذه النصوص ليس العلماء، وإنما المتعالمون فلذلك وجدوا في المتعالمين وفي وسائلهم الملتبسة والغامضة والخفية بيئة صالحة لنشر هذه الأفكار، ثم وجد الأعداء في هذا فرصة لإلصاقها بالوهابية والسلفية. وتداخل د. الذبياني: يجب علينا ألا ننسى خطورة التشدد للبعض طالبي العلم من قبل بعض الطلاب الذين يرون أن الحق يدور معه دون غيره، وهذه مشكلة فعندما يتشدد الطلاب والمريدون لمعلميهم فهم يرون أن أتباع غيره ضالون، وهذا يقوي خطأ من علمهم - عندما يجانب الصواب في بعض المسائل - لاسيما في المجالس والملتقيات الخاصة التي هم بعضها القدح والتقليل من شأن الغير. الخلاف الفقهي ورأى د. الرومي ان ماذهب إليه د. الذبياني محدود، ولا يصل لأن يكون مهدداً، وأن الخلاف في الفرعيات ظاهرة صحية، وعاود د. الذبياني الرد بأنه يعتز بعلماء المملكة الربانيين وحديثه سبق بكلمة البعض، وهو لا يسقط من مكانة الكثرة والجميع، مصراً على أن هذه الظاهرة موجودة ومعروفة وملموسة، وقد قرأنا بعضها حتى في صحفنا، فشيخ يرى آخر بأنه ليس على الحق، ولديه بعض الأخطاء وربما ترقى لأن تكون أخطاء عقدية، وكم أتمنى أن يؤطر الخلاف بحدوده دون تعصب أو انتصار فريق على آخر أو مساجلة يتوه معها العوام والمبتدئين في طلب العلم والشباب المتعاطف والمتحمس. إضعاف الثقة بكبار العلماء وأخذ د. خالد الزهراني زمام الحديث بالتأكيد على خطورة بعض وسائل الإعلام التي استغلت فرصة انشغال بعض العلماء المعتبرين بالتدريس في المساجد، وقلة خروجهم للإعلام، فكانت الفرصة مهيأة لبعض الدعاة المعاصرين الذين لم يعرفوا بعلم شرعي أو تأصيل ديني فتم تصديرهم سريعاً كواجهات إعلامية معتبرة تمثل التيار العام، وتتحدث بالنيابة عن أتباعه، فأصيب أولئك الدعاة بما يعرف بالشهوة الخفية للصدارة، والإفتاء حتى وصل الحال إلى وصف بعضهم بأنه من مجددي الدين ونسف كل من قبله تماماً ممن كان لهم كعب علمي مرتفع، وهذا مما يؤسف حقاً التسويق لمن لا يستحق وتهميش العلماء الربانيين، وهذا أعده مهدداً حقيقياً يجب الأخذ به، بل ضعفت الثقة من قبل بعض الشباب والعوام بالمرجعية العلمية الكبرى لدينا "هيئة كبار العلماء"، ووضعوا ثقته بأولئك الدعاة. الإعلام الجديد خلط المفاهيم وعلق د. التمام: الإعلام له دور كبير خاصة بعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، فأصبح الإعلام الجديد يخترق فكر الشباب دون أن يجد تحصيناً من قبل الطرف الآخر أو توعية أو تصحيحاً للمفاهيم، فالشاب يتلقى معلومات خاطئة فلا يجد من يصححها له وبالتالي يتقبلها ويعتنقها، نحن بحاجة لتنقية المفاهيم والمبادئ، اليوم الناشئة يعانون من اختلاط المفاهيم والثقافة فشيخه الحقيقي هو تلك الوسائل التي أشبعت نهمه للبحث عن المعلومة ولكن للأسف المعلومة الخاطئة. وحول معززات الأمن الفكري قال د. الرومي: من أبرز المعززات إبراز وسطية الإسلام واعتداله من خلال تضافر الجهود من قبل المؤسسات التربوية، ابتداء من الأسرة فالمدرسة، مروراً بالجامعة والمساجد، وانتهاء بالإعلام الذي يجب أن يكون حديثه بخطابين: أحدهما للداخل، والآخر للخارج حتى تذهب الصورة النمطية عند البعض أن الإسلام عرض لقائمة كبيرة من المحرمات، أما الحلال ففي صورة ضيقة جداً، فإبراز الوسطية والاعتدال بوسائل مختلفة وبطرق مباشرة وغير مباشرة وببرامج مبتكرة سيكون عاملاً مهماً جداً، ومعزز قوي ونافع. منهج ومقرر دراسي وعلق د. التمام على أهمية التكامل التربوي بين الأسرة والمدرسة والمسجد، فمعظم الانحرافات نجدها من الشباب وخصوصاً الطلاب في المدارس وبالتالي فهذا الجانب مهم، ويستدعي وجود مقرر دراسي يعنى بالأمن الفكري يدرس للطلاب، فلا تغيب عنه معرفة المفاهيم المغلوطة، فالمدرسة حصن، والأسرة حصن، والمسجد حصن. وأشار إلى أهمية إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد داخل المجتمع الواحد وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة، والإقناع لأن البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة ولا رشيدة، مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال بأمن المجتمع، وكذلك أن تقوم المؤسسات التعليمية بتضمين برامجها فصولا عن الأمن الفكري تصب في قناة الوقاية من الانحراف الثقافي والغزو الفكري وذلك عن طريق نشر المبادئ الفكرية القويمة ومبادئ الفضيلة والأخلاق. وتداخل د. الزهراني قائلاً: كثير من الآباء والأمهات يخطئون في تربية الأبناء من خلال جانب قد لا يشعرون به، وهو الحديث بتذمر من بعض القرارات أو السلبيات المجتمعية أمام أبنائهم، فيُحدث ذلك تعبئة سلبية ضد الدولة والمجتمع ويكون مهيئاً تماماً لأن يكون لقمة سائغة لأي منحرف يوجهه كيف يشاء، بل وربما يتحول إلى قنبلة موقوتة تحدث ضرراً بالغاً في وقت ما. وأضاف: من الواقع المأسوف عليه الخلافات القائمة بين الدعاة، ويجب أن نصرخ بها، كل ذلك ألقى بظلال وخيّم على الشباب الذين ابتنوا محاور واتهامات، وبدلاً من أن نتفق على العدو المشترك الذي يمثله القاعدة، وداعش وغيرهما، برزت هذه الحروب الكلامية المبددة لأي عمل مشترك يحفز على سرعة التئام الصف الفكري. وتابع: مما تقدم يتبين لنا أن الأمن الفكري في بلادنا راسخ وقوي، ولذلك - بفضل الله تعالى - تكسرت جميع محاولات الأعداء على هذه الصخرة الصلبة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود ثغرات خطيرة لها تطبيقات جنونية، حصلت في التكفير والتفجير في أكثر من مدينة، ثم النزاع الدعوي القائم، الذي يخدم أرباب الفكر الضال، وحول مدى حاجتنا لإستراتيجية وطنية متكاملة قال: بناء على ثلاث دراسات قام بها وقف القرآن الكريم حملت موضوعات هامة "فكرية أمنية، فكرية اجتماعية، فكرية إعلامية"، فهذه الدراسات ستفضي إلى إستراتيجية عامة تشمل إنشاء مركز للمناصحة، ودورات تدريبية، وورش عمل، وبرامج إعلامية، وهذه لن تكون على الرفوف بل عملية، وعلى مدى أربع سنوات. دراسات حبيسة الأدراج! وفي سؤال عن الجدوى من محدودية بعض الدراسات وحصرها مناطقياً بينما الوطن مستهدف بأكمله، وهل هناك جهد تعاوني مشترك يخرج باستراتيجية أشمل وأوسع؟ قال د. المطيري: هناك 124 إستراتيجية شمولية مثل الإستراتيجية التي صممها كرسي الأمير نايف في جامعة الملك سعود بتكلفة 10 ملايين ريال، وجميعها في مركز الحوار الوطني، بمعنى أنها على الرفوف، ولم تفعل حتى الآن، فنحن بحاجة لإستراتيجية عملية، ووقف القرآن الكريم تبنى استراتيجية ستنطلق من المدينةالمنورة وتتوسع على جميع مناطق المملكة. ربط الشباب باهتماماتهم وتطويرهم وعلق د. سليمان الرومي: يجب أن تتضمن أي إستراتيجية وطنية ربط الشباب باهتماماتهم وتطوير أنفسهم، وليست بأمور ليست من شأنهم، فطالب المرحلتين المتوسطة والثانوية يجب أن ينصب اهتمامه على بناء نفسه وتطوير ذاته. وتداخل د. الذبياني بأن الإستراتيجية الوحيدة الملموسة اليوم هي المناصحة والتي انتهجتها وزارة الداخلية وأثبتت كفاءتها ونجاعتها، أما بقية الدراسات المتخصصة في الأمن الفكري فهي حبر على ورق، ولا وجود لها على أرض الواقع. وفي تعليقه على ما طرح اقترح د. الزهراني: أن تطلق المعاهد المهنية والفنية دورات في مختلف الحرف، وعلى مدار العام، تموله البنوك والشركات والمؤسسات، ويشترط في التوظيف بعد الدراسة الجامعية وجود شهادة تدريب مهنية كل ذلك حتى نقضي تماماً على الفراغ وآثاره السلبية وتنامي التجمعات الشبابية المعززة للانحرافات بأشكالها المختلفة. التكامل في الأدوار بين مؤسسات المجتمع وحول دور مؤسسات المجتمع ومؤسسات التعليم والأسرة في تعزيز الأمن الفكري لدى الشباب وحمايتهم من مخاطر الاختراق، قال د. التمام: يجب أن يكون هناك تكامل بين كافة مؤسسات المجتمع المدني لمواجهة مثل هذه المشكلة، فوزارات: الداخلية والتعليم والإعلام والشؤون الإسلامية يجب أن تتكامل جهودها لتحصين الشباب ورسم إستراتيجية للمواجهة، ويجب على القطاع الخاص أن يفعل دوره للمشاركة في المسؤولية المجتمعية من خلال الإسهام في التدريب والتوظيف الجزئي وفي دعم البرامج الشبابية والتوعوية، وأي فكرة لا تمنع إلا بفكرة بديلة، مشدداً على أن الأسرة اليوم تراجع دورها كثيراً بعد أن كانت النواة الأولى، فأصبح هناك فجوة بين الآباء والأبناء يصعب رتقها. وزارة الداخلية تحملت المسؤولية الأكبر وتداخل د. المطيري قائلاً: هناك فشل أو تخل عن الدور المنوط من قبل بعض المؤسسات، ولم يقم بالدور المأمول سوى وزارة الداخلية التي تجاوز دورها مجرد الحلول الأمنية إلى القيام بأعمال الشؤون الإسلامية، والتعليم، ورعاية الشباب، والشؤون الاجتماعية، حتى أنها حملت أكثر مما تحمل، ولذلك لا نجد - حتى الآن - إستراتيجية دعوية للشباب، ولا لرعاية الشباب، لذلك فإن وزارة الداخلية هي الوزارة الوحيدة التي سجلت نجاحات حقيقية في مواجهة الفكر الدخيل. وسائل الهدم الفكري واوضح د. المطيري: بأن وسائل هدم الأمن الفكري عديدة ومن يسعون للهدم يمتلكون وسائل متطورة، وهذا ما ينقصنا كثيراً فهم يستخدمون حتى ألعاب الأطفال في غزو عقول شبابنا، فمن هنا لدينا عالم افتراضي حقيقي، يسيطر على عقول الشباب اليوم، فقد تمكنوا من نزع ثقة البعض بالعلماء، وبولاة الأمر - حفظهم الله -، وأصبحت بلادهم أعدى أعداءهم، ما الذي جعلهم يسيطرون على شبابنا؟ ولعل آخر العمليات ما حدث في العاصمة الرياض، وقبلها ما حدث قرب المسجد النبوي الشريف، هذا يدل على أن لدينا خلل ويجب أن نكون صرحاء، ونطرح كل شيء على الطاولة الغزو الفكري لشبابنا وصل بيوتنا، وهناك تستر من بعض الأسر وهي ترى بوادر وعلامات الانحراف الفكري في أبنائها، هناك غش من بعض المربين أو الدعاة لا بد ان نضع النقاط على الحروف هناك تقصير. مراكز المناصحة وفي سؤال حول كيفية التعامل مع من ظهرت عليه بوادر التطرف بعد ملاحظة ذلك من قبل الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو جماعة المسجد؟ أجاب د. المطيري: إن الإبلاغ عن هذا الشخص مهم وضروري جداً، داعياً إلى إقامة مركز للمناصحة في كل منطقة من مناطق المملكة على غرار مستشفيات الأمل التي تهتم بمرضى المخدرات الجسدية، وهذه المراكز تعالج المخدرات العقلية والعقدية والفكرية التي روج لها الأعداء وهي بلا شك أشد خطراً وفتكاً ليس بالفرد بل بالمجتمع والوطن. تجفيف التمويل المالي وتحدث د. الرومي عن أهمية تجفيف المنابع المادية لهذا الفكر قائلاً: قادة هذا الفكر لديهم سيولة مادية كبيرة فيجب أن نعرف مصادرها أولاً، ونحن لا نشكك بالجهود الكبيرة التي تقوم بها وزارة الداخلية بالتعاون مع البنوك، ولكن يجب أن تتعاون الأسرة في هذا الجانب أيضاً، وتلاحظ كل ما يطرأ على أبنائها، وتكون شريكاً حقيقياً في حماية وطننا. ذروة التطرف.. الابن يقتل والديه!! حول طرق الجماعات المتطرفة لاختراق عقول الشباب قال د. محمد الذبياني: لا يخفى على كل ذي لب أن مجتمعنا يمر بمرحلة مفصلية عصيبة،وذلك من خلال انتشار فكر دخيل بدأ يسيطر على عقول بعض شبابنا يوجههم كيفما يشاء حتى بلغ الأمر ذروته بقتل الابن لأمه أو أبيه واعتدائه على الأقارب بشكل تجاوز كل الخطوط الحمراء للإنسانية فضلا عن القربى، وكأنما تحولوا دمى مسلوبة الإرادة ودواب تساق إلى حتفها، وقد كثرت التخمينات والدراسات عن سبب هذا الفكر وكيف يجيش أتباعه، ويروضهم ويجعلهم انهزاميين أمامه ينفذون ما يطلب منهم بالحرف الواحد، وماهي الأساليب التي يتبعها مسوقوا هذا الفكر الضال الجانح، وماهي المنافذ التي يطلون من خلالها؟ فمن وجهة نظري أنها تنحصر في الكم الهائل من وسائل الغزو الفكري والثقافي والبث الفضائي المرئي والمسموع والمقروء وظهور الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي العديدة، والتي أوجدت أرضا خصبة لبث السموم القاتلة في عقول الشباب الغضة الطرية. وتابع: التنشئة ضمن إطار الأسرة قد تكون مهيأة لانحراف الشاب، وأقصد بذلك أن الطفل منذ صغره يستمع إلى أفكار تغذي عقله بالعنصرية المقيتة من خلال الاستماع إلى سرد بعض الأساطير حول شجاعة قبيلته أو عائلته، وكيف أن القبيلة الفلانية شردت وقتلت وأهانت القبيلة الأخرى، مما يؤصل للعدوانية والعنصرية في عقل الطفل الباطن، يستحضرها من خلال صور زائفة لرجل شجاع يفرض سيطرته وقوته على المحيطين به، ولأن الشباب مفطور على الحماسة وحب المغامرة إضافة لما ترسخ في عقله من شحن عنصري ضد الآخرين كل ذلك يمتزج ليكون شخصية غير سوية تتنازعها الأفكار المنحرفة، ويسهل تدجينها وفصله عن واقعها المعاش، فيصبح منقادا لمن يوجهه من ذوي الفكر المنحرف إلى غاياتهم التي يودون تحقيقها وهي خراب المجتمع والعبث بمقدراته وبعثرة انتمائه، وشرذمته حتى يسهل لأي دخيل الولوج له والسيطرة عليه دون أدنى مقاومة. العقول المختطفة في تعليقه على واقع الأمن الفكري والحاجة لإستراتيجية وطنية متكاملة لتعزيزه وتقويته وتحصين النشء قال د. المطيري: أمننا الفكري اليوم له جانبان: ظاهر وخفي، فالظاهر هو أن المؤسسات الرسمية والعلمية والتربوية والأمنية هي بفضل الله سبحانه وتعالى محكمة ومصانة ومؤصلة وموجهة ومتطورة، ولكن الجانب الآخر والذي يجب أن ينصب الحديث عليه بعيدا عن التنظير هو بعض شبابنا الذين أصبحوا وقودا لهذه المنظمات، ولو أحصينا من عام 2003م حتى اليوم فإن مجموع العمليات الإرهابية التفجيرية التي ضربت بلادنا أكثر من 30 عملية، وهذا مؤلم ومؤسف وخطير. وأضاف: يجب أن نعترف بأن لدينا أزمة من بعض شبابنا، وهي أنهم اختطفوا ولذلك كل ما يكتب ويذاع ويشاع من مؤتمرات، وخطب، وندوات هم في معزل عنه، والسؤال الأهم والأكبر كيف نستطيع الوصول إليهم؟ فقد استحوذت المواقع والتواصل ومشايخهم على عقول بعضهم، وذلك بأسلوبين خطرين تشويه العلماء واحتضان أولئك، وعلى علمائنا مهمة أساسية هي الوحدة المنهجية بين الدعاة في بلادنا، وأن يبتعدوا عن إثارة الخلافات، وتمزق الشباب بين هذا الشيخ وذاك، وبين هذه الجماعة وتلك، مما جعل النشء ينزعون ثقتهم بالعلماء الراسخين، فاتجهوا إلى أتباع القاعدة وداعش، كل ذلك بسبب الحرب الكلامية والفكرية، التي لا تقوم على دليل واضح بل على تحاسد وضغائن ومكائد. ما المطلوب ؟ د. غازي المطيري -المطلوب أن نعترف بالمشكلة القائمة، وأن لدينا عجزا وضعفا في الوصول إلى الشريحة المتأثرة بالفكر الإرهابي، وأن كل ما يكتب وينشر لم يصل إليهم، والمهم اليوم أن نضع إستراتيجية جديدة تستطيع أن تخترق وتنتصر بل وتهدي، وتكون متصلة بالمعنيين من الشباب بكل وسيلة نافعة وأسلوب مؤثر. د. سليمان الرومي -لتعزيز الأمن الفكري يجب العناية بجانبين مهمين، إبراز مكتسبات الوطن بأساليب مبتكرة وغير مباشرة للشباب ليعتز ببلاده ويحافظ عليها، وإظهار المصادر المشبوهة التي يستقي منها هؤلاء الشباب أفكارهم المغلوطة تجاه دينهم وبلادهم وبالشواهد والأدلة التي تكون صخرة مانعة لقبول الأفكار المنحرفة. د. عبدالله التمام -يجب سرعة احتواء الشباب من خلال المناشط، والبرامج المختلفة سواء في المدارس، أو مؤسسات المجتمع المدني لإشغال وقت فراغهم، والاهتمام بالتربية الاجتماعية والنفسية وتعليم القيم، والمعايير السلوكية السليمة، وتشجيع النشء على طرق البحث عن المعلومات الصحيحة، كل ذلك لرفع مستوى وعيهم وتجنب الأفكار المنحرفة والضالة. د. محمد الذبياني -المطلوب دراسة ميدانية استقصائية لكل ما تبثه الجماعات الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فمعظم المنخرطين في العمل المسلح لم يتم تجنيدهم من خلال داعية أو شيخ بل عبر الإعلام المنحرف، والمتابع للإعلام الضال يلمس تفوقه وينبئ بأن هناك من يعمل بجد في خراب المجتمع واستمالة عماد الوطن ومستقبله. د. خالد الزهراني -أدعو الجامعات في أقسامها العلمية لكتابة رسائل محكمة وميدانية لمحاربة هذا الفكر الدخيل في جميع جوانبه ومحاوره وفي المقدمة الناحية التمويلية والإعلامية، والخروج بحلول فكرية هادفة يمكن تطبيقها واقعا. إدارة الأزمات أكد د. عبدالله التمام في تعليقه على الجوانب العلاجية المجدية، أن من ذلك دعوة المخطئ إلى الرجوع عن خطئه وبيان الحق بالمناقشة العلمية الهادئة دون اتهام للنيات فقد تكون صادقة ولكن هذا لا يغني عن صاحبها شيئا، وتجنب الوسائل غير المجدية، فالمصاب بهذا المرض لا يعالج بالتركيز على الوعظ والتخويف من عقاب الله، لأن هذا الأسلوب في الغالب لا يجدي معهم نفعا، فأمثال هؤلاء يرون أنهم على صواب ودين، فكيف تعظ إنسانا يظن أنه على الحق قبل أن يتبين له خطؤه الفكري فيما يراه حقا، وجوب الأخذ بأيديهم ومنعهم من الإخلال بالأمن الفكري للمجتمع ولو أدى ذلك إلى إجبارهم على عدم مخالطة الآخرين، والنهي عن مجالسة أهل الانحراف الفكري الذين يريدون خرق سفينة المجتمع وإغراق الوطن بمن فيه بخوضهم في آيات الله وتجرئهم على الفتيا بغير علم، ضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل، وبين من أخل بفعله بالأمن في مجتمعه، فمن ظهر منه عمل تخريبي وثبت عليه شرعا فيجب محاسبته على ما بدر منه كائنا من كان، وعقابه بما يستحقه شرعا حتى ولو كان ظاهره الصلاح والاستقامة، كما يجب أن تكون لدينا إدارة أزمات تكتشف الحالة قبل وقوعها فالتكامل بين المؤسسات جميعها سيقودنا نحو هذه الإدارة التي ستحتوي الحدث قبل حصوله، داعيا إلى أن تتحمل الأسر مسؤوليتها وتفعيل دورها وتعود لصدارتها وقوتها كما كانت في السابق. أبرزوا مكتسبات الوطن للشباب أكد د. سليمان الرومي أن من المعززات غير المباشرة للأمن الفكري إبراز مكتسبات الوطن التي تبث الثقة بالبلد، وبنفس الشاب والشابة والمواطن بصفة عامة، فلا يزهد أحد بالتراث الفكري الذي كان وراء هذه المكتسبات، مما يستوجب مزيدا من بذل الجهد للمحافظة عليه من أي دخيل، مضيفا أن من المعززات أيضا تشجيع الحوار البناء في المؤسسات المختلفة، والعناية بتصحيح المفاهيم المغلوطة التي قد تشتبه على الكثير كالولاء والبراء والجهاد، ومن المهم جدا أيضا توسيع مؤسسات الترفيه المنضبط، والقضاء على أوقات الفراغ بشكل مناسب، وإبراز المصادر المشبوهة التي يستقي منها الشباب أفكارهم المغلوطة وبيان أهدافها، والاهتمام بتأصيل التفكير الإيجابي في المدارس والمؤسسات، فنحن في كثير من نقاشاتنا نطرح الموضوعات السلبية دائما « ما رأيك بقرار كذا أو حدث كذا ؟ «، ولكن النواحي الإيجابية قلما تطرح، وقلما نسمع حوارا إيجابيا حول قرارات هامة ونافعة ومفيدة ورؤى تطويرية ستحدث نقلات نوعية، فتعزيز التفكير الإيجابي والنظرة الإيجابية، وأخيرا الاهتمام بالدراسات الاستشرافية حول الأمن الفكري والتي ستقينا من الأخطاء قبل وقوعها. حجم التهديد يستدعي إيجاد مقرر دراسي معني بالأمن الفكري المجتمع يحتاج لمزيد من التوعية بمخاطر اختراق الفكر د.المطيري: لدينا خلل أوصل الغزو الفكري لمنازلنا.. ونحتاج إستراتيجية تخترق وتؤثر د.الذبياني: الأمن الفكري سياج منيع ضد التيارات الدخيلة.. والمتطرفون دمى مسلوبة الإرادة تساق لحتفها د.الرومي: الغلو ومصادرة الآراء مؤشرات الانحراف الفكري.. والمطلوب إبراز المكتسبات وتصحيح المفاهيم د.التمام: نحتاج لرفع مستوى الوعي لدى الشباب.. وتضمين الأمن الفكري في المناهج د.الزهراني: التذمر أمام الأبناء يحدث فيهم تعبئة سلبية.. وعلى الجامعات مسؤولية في محاربة الفكر الدخيل مسؤولية مؤسسات التعليم كبيرة في حماية الشباب من الانحرافات الفكرية ننتظر تكاملا في الأدوار والمناشط لتعزيز الأمن الفكري ووقاية أبنائنا من المهددات